الإسلام جعل مصدر الكسب الأساسي هو العمل، ولم يسمح أن يكون مرور الزمن وحده مبررا للكسب؛ لأن الكسب بهذه الوسيلة يزيد من حجم النقود دون الزيادة في حجم الإنتاج فيؤدي بالتالي إلى التضخم، ومن هنا حرم الإسلام الربا بأي شكل من الأشكال، فكان عليه تقديم وسيلة التحدي الموضوعية التي تقوم البدائل الشرعية عن الربا الذي يشكل محور نشاط البنوك التقليدية. فكيف تم هذا التحدي؟ وما هي المراحل التي قطعها؟ هذا ما سنحاول التعرف عليه من خلال مرحلة ابتكار أدوات مالية جديدة.
المرحلة الثانية: مرحلة ابتكار أدوات مالية جديدة
بالرغم من أن البنى الأساسية لنشاط المصارف الإسلامية قد تم إرساؤها خلال المرحلة الأولى التي شهدت تطوير أساليب وصيغ الاستثمار، فإن البنوك الإسلامية لم تتمكن من التحرك بكثير من الفعلية نحو تحقيق أهدافها، وظلت كغيرها من البنوك التقليدية بعيدة عن المجالات التنموية؛ إذ ظلت استثماراتها حبيسة الأجل القصير نتيجة ظروف فرضها عليها الواقع، ومنها: عدم وجود أسواق مالية ثانوية متطورة، المناخ الاستثماري السائد والمتميز بعدم الدقة في التنبؤ بظروف الاستثمارات المتوسطة والطويلة الأمد، التشريعات غير الملائمة… وهو ما دفعها إلى ضرورة البحث عن حل يمكنها من تسيير استثماراتها في حالة العجز في السيولة وفي حالة فائض السيولة، فكان أن تصدت البنوك الإسلامية لهذا، بتجربة تعتبر أكثر التجارب ثراء في تاريخ العمل المصرفي الإسلامي[1] ألا وهي تجربة صناديق الاستثمار الإسلامية، وكان الدور المهم والأكثر حيوية الذي لعبته صناديق الاستثمار هذه هو استكمال البنوك الإسلامية للشق الذي يصفها بالبنوك الشاملة، حيث قامت بترويج الفرص الاستثمارية والإسهام فيها وإصدار الأوراق المالية والاتجار بها، والاضطلاع بدور أمناء الاستثمار وممارسة نشاط التأجير التمويلي.
خاتمة
إذا كان مفهوم المصرف الشامل الذي يوفر مجموعة شاملة ومتكاملة من الخدمات المصرفية في مجال الوظائف التقليدية، وفي مجال أعمال بنوك الاستثمارات قد أضحى هو المفهوم المصرفي المعاصر السائد؛ فالبنوك الإسلامية قد تبنت هذا المفهوم نظريا وتحاول ممارسته، إلا أنه يجب عليها أن تركز جهدها في التميز والشفافية والتطوير والابتكار حتى تظل هي المبادرة دوما، وحتى تفتح أمامها الأبواب الموصدة، وتزال من أمامها القيود والتشريعات المعوقة، وتنال مكتسبات باعتبارها تجديدا مصرفيا تتطلع إليه كبريات البنوك الإسلامية العالمية، وطموحا يمكنها من اقتحام الاقتصاد العالمي بأقدام راسخة.فالبنوك الإسلامية لا زالت في بداية الطريق والمدة القصيرة التي قطعتها التجربة لا تعد شيئا في عمر التجارب، خاصة إذا ما قيست بتجربة الجهاز المصرفي التقليدي الذي فاق المائتي عام.