جاءت فتوى الدكتورة “سعاد صالح” بوجوب استئذان الرجل لزوجته قبل السفر لتشعل الصراع القديم الجديد حول قضية المساواة بين الجنسين، خاصة بعد إلغاء قرار استئذان الزوجة زوجها قبل السفر رسميا، فهل يمكن أن يتقبل الرجل الشرقي بعاداته وتقاليده هذه الفتوى ويستأذن زوجته قبل سفره، وهو الذي تعود أن يقول فيسمع ويأمر فيطاع. هذه القضية تم طرحها على مائدة المركز المصري لحقوق المرأة بالقاهرة الثلاثاء 3-10-2006، في ندوة حملت عنوان (استئذان الزوج في الأسفار بين الوجوب والإنكار).
غريزة المرأة
تستهل د.سعاد صالح، أستاذة الفقه المقارن بجامعة الأزهر- بمصر، الكلام بقولها: إن أهم أسباب ما تعانيه المرأة من قهر وهجر هو غياب الزوج إما ماديا أو معنويا. فغياب الزوج يفقد الزوجة شريك حياتها وهى كإنسانة لها غريزتها الجنسية التي قد تجرها للوقوع في المحظور، بل إن هذا الغياب يضع أبناءه بين مخالب الضياع، وعندما يحاول الأب تعويضهم بالأموال الكثيرة، تكون النتيجة إنفاق هذا المال في الإدمان والعلاقات غير المشروعة… إلخ.
وتستطرد: لجأت إلى القرآن الكريم وسنة الرسول ﷺ فوجدت الأحاديث التي وردت في السنة النبوية تختص بأن المرأة تستأذن زوجها عند سفرها وأنها تسافر مع محرم وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة، ولكن في القرآن الكريم وفي سورة البقرة { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } أي أن المرأة مثل الرجل في الأحاسيس والمشاعر ومثله أيضا في الغرائز والكرامة الإنسانية، حتى إن عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية قال: إني لأتزين لامرأتي كما تتزين هي لي” وهذا التزين ليس إلا لهذه المثلية بين الزوجين.
وبما أن المرأة مثل الرجل في هذه الأحاسيس، والمرأة تستأذن الرجل فلا بد أن يستأذنها الرجل. وليس الاستئذان المقصود به كتابة أوراق رسمية للموافقة، ولكن من مقتضى قوله (وأن تعفو أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم)، وانطلاقا من الفضل والإحسان والميثاق الغليظ الذي جعله الله بين المرأة والرجل، فيجب أن يتشاور الزوج مع زوجته ويتفاهم معها قبل سفره.
وانطلاقاً من قوله تعالى أيضاً {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } فإمساك المرأة وتعليقها حال سفره يعرضها للضياع، فهو نفسه يطلب منها اللجوء إلى أحد أصدقائه أو أقاربه إذا ما احتاجت لعون فيدخل الصديق أو القريب وتقع الزوجة في المعصية، لأنها إنسانة لها متطلبات وغرائز، ولذلك عندما ذهبت المرأة للرسول r وقالت إن زوجها يقوم الليل ولا ينام ويصوم النهار ولا يفطر ويتعبد طوال اليوم. فسأل الرسول الصحابة هل هي تمدحه أم تشتكي منه فاعتقدوا أنها تمدحه، ولكنه r قال بل إنها تشكو منه، فالهجر الذي تعاني منه الزوجة لا يولد إلا بغضا وعنفا وخيانات زوجية.
ولذلك أقول -والكلام للدكتورة سعاد-: إن سفر الزوج إذا كان خارج البلاد أكثر من أربعة أشهر -وهى المدة التي حددها القرآن في الإيلاء أي الهجر (للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر)- وتضررت الزوجة فلا بد من عودة الزوج، وإن لم يعد فإنه يكون آثما شرعاً ومعاقبا شرعا لأنه أهمل واجبا من واجباته التي هو بسببها يصبح قواما للأسرة.
القانون لا يمانع
ويعرض المحامي المصري “إيهاب ناجي” لحالات منع الزوجة لسفر زوجها وجوبا، موضحا أنه كان منذ فترة -ليست بالبعيدة- فمن حق الزوج مطلقا أن يمنع زوجته من السفر بدون إبداء أية أسباب، وكان القانون يعطيه الحق في الموافقة على استصدار جواز سفر لزوجته من عدمه؛ ثم جاء القانون 1 لسنة 2000 وأعطى المرأة الحق في السفر، إلا أنه في حالة رفض الزوج؛ فمن حقه اللجوء لقاضي الأمور الوقتية في استصدار أمر بمنعها من السفر، ولكن بعدما يتحقق القاضي من عدة أمور مثل: هل الزوج متعنت أم لا؟ وهل هناك ضرر من سفر الزوجة أم أن هناك مصلحة؟.
أما منازعات السفر بين الزوجين فجاءت نصوص القانون فيها عامة أي ذكر النص لفظ (بين الزوجين) ولم يقل الزوج فقط.
ويستكمل: أرى أن الزوجة إذا استشعرت ضررا من سفر الزوج فمن حقها رفع شكوى للقاضي تطالب فيها بمنعه من السفر، حيث إن هذا موجود في القانون الحالي ولكن لأسباب معينة مثل: امتناع الزوج عن دفع النفقة لزوجته لمدة ثلاثة أشهر بحكم واجب النفاذ، فتحصل هنا على أمر بمنعه من السفر إذا لم يؤدي لها هذا المبلغ.
إذن هناك في القانون حق للزوجة بمنع زوجها من السفر، ويمنحها أحيانا هذا الحق لأنها متضررة من عدم الإنفاق، ولكن هل عدم الإنفاق هو الشيء الوحيد الذي تتضرر منه المرأة؟.
ويذكر القانون عدة أشكال لهذا الضرر، كالهجر أي هجر الزوج لزوجته وهم في نفس البلد وهو يعتبر من أشد صور الضرر التي تصيب المرأة بغض النظر عن الإنفاق، وأيضاً الغيبة: وهي سفر الزوج لأكثر من سنة بالخارج فهنا يعطيها القانون حق الطلاق بعدما يخطره القاضي أو يعذره برغبة الزوجة في الطلاق.
ويرى ناجي أن الأهم من ذلك أن قانون العقوبات رقم 293 أعطى الحق للزوجة برفع دعوى على الزوج تطلب حبسه في حال امتناعه عن النفقة وفي نفس الوقت تطلب منعه من السفر.
ولكن بالنسبة للأولاد فإذا أرادت الأم مثلا التقديم لأولادها في المدارس الحكومية أو نقلهم من مدرسة لمدرسة فيشترط وجود الأب وإذا تعثر ذلك يطلب منها ما يفيد أنها مطلقة وأن الأولاد في حضانتها وهى أصلاً غير مطلقة، إذن هناك ضرر بل وضرر حتمي. وبهذا فنحن نصيب نصف المجتمع (المرأة) بكافة الأضرار.
الهجر الجميل
من جانبه يؤيد الشيخ “سيد محمود زايد” عضو لجنة الفتوى ومدير مجمع الفتوى ببني سويف هذه الفتوى، موضحا أن كلمة الزوج تعني الرجل والمرأة، وفي القرآن والسنة تطلق على الجنسين، قال تعالى (وأزواجه أمهاتهم)، وفي قضية زيد بن حارثة والسيدة زينب ينصح الرسول r زيدا (أمسك عليك زوجك)، ولم يقل زوجتك.
ويؤكد الشيخ زايد أن الرجل عليه استئذان زوجته بعيدا عن الغطرسة والفهم الخاطئ لصحيح الدين، فالرسول ﷺ في ليلة النصف من شعبان عندما أراد أن يتهجد ويتنفل ويقوم الليل ويتعبد قال له تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا)، وعندما كان الرسول يرغب في التعبد كان يستأذن السيدة عائشة زوجته بأدب وتواضع قائلاً أتأذنين لي أن أقوم لله رب العالمين، فهو يستأذن السيدة عائشة؛ لأنه في الليل ولأنه في فراشها، ولأن الليل حق جسدي ومتعة لها كأنثى، وحق لها عليه في الجماع والملاطفة فكان عليه أن يعلنها صريحة (أتأذنين لي).
ثم في قضايا الهجر الإسلامي من باب واهجرهم هجرا جميلا، إذا ما نشب خلافات زوجية، يقول تعالى: { واهجروهن في المضاجع} ، وفي المضاجع كما يقول بعض الفقهاء أن يهجرها في سرير واحد مع أنه غاضب عليها، ولكن لا للفرقة ولا للهجر القبيح، ونعم لقوله تعالى “في المضاجع”.
واجب شرعي
ومن الأدلة المؤكدة للفتوى يذكر “الشيخ سيد محمود زايد” ما حدث في غزوة بدر وكان المسلمين وقتها قلة وكان r أحوج ما يكون إلى رجل واحد، وعندما يأتي الخبر بأن سيدنا عثمان بن عفان تخلف عن غزوة بدر لسبب عجيب وهو أن رقية ابنة الرسول r زوجة سيدنا عثمان كانت مريضة فكيف يتركها زوجها دون أن تجد من يمد لها يد الرحمة، فتخلف عثمان عن أول غزوة في الإسلام واعتبر الرسول أن وجود عثمان بجانب زوجته المريضة مشاركة في الجهاد وبعدما انتصر المسلمون ووزعت الغنائم ضرب النبي r لعثمان سهما كمن حاربوا وجاهدوا فهم جاهدوا في المعركة وهو جاهد في بيته مع زوجته في سبيل الله.
وعندما يمر الفاروق عمر بن الخطاب ليلا ليتحسس أخبار الرعية ويسمع المرأة تقول بشفافية هذا الشعر: “والله لولا الله لاهتز من هذا السرير جوانبه” أي لولا خوفي من الله لأتيت برجل يزني معي وعندما سأل عمر عن المرأة قالوا زوجة فلان الذي أرسلته في جيش منذ عام فدخل عمر على ابنته حفصة يسألها كم تطيق الزوجة فراق زوجها؟ فقالت أربعة أشهر، فأصدر عمر مرسوما جاء فيه: “لا يغيب الجندي في الجيش أكثر من أربعة أشهر” وهذا في الجهاد وليس في البحث عن المال، فالمرأة دائما في حاجة إلى المشاعر والحب والأحاسيس.
ثم ينهي الشيخ سيد حديثه مؤكدا أن حق المرأة في منع زوجها من السفر ليس جائزا فقط ولا مستحبا، وإنما هو واجب شرعي، وعلى الزوج أن يستأذن زوجته قبل الخروج لقوله تعالى وشاورهم في الأمر، وقد جاء عن الرسول r أنه كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان وكان يضرب الخيام لنسائه، وكل رجل كان يصطحب زوجته لتعتكف النساء مع الرجال حتى لا يكون وهو في قمة التعبد بعيدا عن نسائه مع أنه ربما يكون المسجد بجوار البيت. إذن فمن الواجب على الزوج أن يسافر بعد استئذانها ولو أنه فعل ذلك بغير رضاها فهو مسئول يوم القيامة عن ذلك أمام الله.
رباب سعفان- صحفية مهتمة بالشأن الاجتماعي