صعوبات التعلم كثيرة ومختلفة بحسب ثقافة المجتمع وأعمار الأطفال وطرق التعليم، فكيف يبدو طفلا في الخامسة من عمره شارد الذهن قليل التركيز مع أنه طفل عادي وليس مريضا، حتى أنه يفهم كل الأمور التي تُشرح له، وينفذ عمليات على الكومبيوتر بصورة جيدة. لكنه كثير السرحان مع بداية تعلمه القراءة والكتابة وحفظ القرآن، الذي يحفظ بمستوى طبيعي، لكنه ينطق بكلمات ليست مكتوبة أمامه، يزيد حروفا أو ينقص أخرى، ويفقد التركيز تماما.
فهل توجد مشكلة لطفل في هذا العمر؟ وإن كان كذلك فما هو الحل المناسب لمثل هذه المشكلة، خاصة أن الطفل يستعد للالتحاق بالصف الأول الابتدائي؟
إن معظم الأطفال -عادة- يكون تركيزهم في المراحل الأولى من حياتهم ضعيفًا نسبيًّا ومتناسبًا مع السن، أي أن تركيز الطفل في عمر خمس سنوات يفترض أنه أفضل من طفل عمره 2 أو 3 سنوات.
ولكن يظهر بعض الأطفال أحيانًا ضعفًا أكثر من أقرانهم في ذلك. ومن المهم التنبه لكون هل هذا يعد مظهرًا أو مؤشرًا لمشكلة حقيقية، أم مجرد فروق فردية بين الأطفال. وهذا لا يظهر إلا بالملاحظة الدقيقة والتقييم الدقيق من قبل اختصاصي مؤهل، وصدق الأهل في وصف جميع المظاهر التي يظهرها الطفل.
ومن خلال المعلومات الواردة في بداية المادة رسالتك فإن هذا الطفل يُظهر مؤشرات مشكلة ضعف تركيز مصاحبة لصعوبات التعلم، وذلك لكونه يظهر مؤشرين معًا هما ضعف التركيز (منذ سن مبكرة)، وزيادة أو إنقاص بعض الحروف أثناء القراءة.
وضعف التركيز قد يظهر منفردًا ويسمَّى “متلازمة ضعف التركيز”، أو قد يكون مصاحبًا “لمتلازمة فرط الحركة“، أو قد يكون مظهرًا مصاحبًا لمشكلة أخرى مثل صعوبات التعلم، علمًا بأن زيادة أو تنقيص الأحرف قد يكون طبيعيًّا عند الطفل؛ لكون سنه صغيرًا نسبيًّا، وقد يكون مؤشرًا لصعوبات تعلم في المستقبل كما سنورد بعد قليل؛ لذا أالرجاء قراءة ما يلي بدقة، وأيضًا عدم الاكتفاء بذلك، فهذه المعلومات نظرية. ولمعرفة واستجلاء حقيقة الأمر ينبغي أن يعرض الطفل على اختصاصي نطق ولغة أو اختصاصي صعوبات تعلم بأسرع وقت ممكن؛ لتقديم المساعدة الممكنة في أقرب وقت.
صعوبات التعلم
هناك العديد من التعاريف لصعوبات التعلم، ومن أشهرها أنها الحالة التي يظهر صاحبها مشكلة أو أكثر في الجوانب التالية:
- القدرة على استخدام اللغة أو فهمها، أو القدرة على الإصغاء والتفكير والكلام أو القراءة أو الكتابة أو العمليات الحسابية البسيطة، وقد تظهر هذه المظاهر مجتمعة وقد تظهر منفردة.
- أو قد يكون لدى الطفل مشكلة في اثنتين أو ثلاث مما ذكر.
- ويعتقد أن ذلك يرجع إلى صعوبات في عمليات الإدراك نتيجة خلل بسيط في أداء الدماغ لوظيفته، أي أن الصعوبات في التعلم لا تعود إلى إعاقة في القدرة السمعية أو البصرية أو الحركية أو الذهنية أو الانفعالية لدى الفرد الذي لديه صعوبة في التعلم، ولكنها تظهر في صعوبة أداء هذه الوظائف كما هو متوقع.
ورغم أن ذوي الإعاقات السابق ذكرها يظهرون صعوبات في التعلم، ولكننا هنا نتحدث عن صعوبات التعلم المنفردة أو الجماعية، وهي الأغلب التي يعاني منها هذا الطفل.
و تشخيص صعوبات التعلم قد لا يظهر إلا بعد دخول الطفل المدرسة، وإظهار الطفل تحصيلاً متأخرًا عن متوسط ما هو متوقع من أقرانه -ممن هم في نفس العمر والظروف الاجتماعية والاقتصادية والصحية- حيث يظهر الطفل تأخرًا ملحوظًا في المهارات الدراسية من قراءة أو كتابة أو حساب.
وتأخر الطفل في هذه المهارات هو أساس صعوبات التعلم، وما يظهر بعد ذلك لدى الطفل من صعوبات في المواد الدراسية الأخرى يكون عائدًا إلى أن الطفل ليست لديه قدرة على قراءة أو كتابة نصوص المواد الأخرى، وليس إلى عدم قدرته على فهم أو استيعاب معلومات تلك المواد تحديدًا.
والمتعارف عليه هو أن الطفل يخضع لفحص صعوبات تعلم إذا تجاوز الصف الثاني الابتدائي واستمر وجود مشاكل دراسية لديه. ولكن هناك بعض المؤشرات التي تمكن اختصاصي النطق واللغة أو اختصاصي صعوبات التعلم من توقع وجود مشكلة مستقبلية، ومن أبرزها ما يلي:
– التأخر في الكلام أي التأخر اللغوي.
– وجود مشاكل عند الطفل في اكتساب الأصوات الكلامية أو إنقاص أو زيادة أحرف أثناء الكلام.
-ضعف التركيز أو ضعف الذاكرة.
-صعوبة الحفظ.
-صعوبة التعبير باستخدام صيغ لغوية مناسبة.
-صعوبة في مهارات الرواية.
-استخدام الطفل لمستوى لغوي أقل من عمره الزمني مقارنة بأقرانه.
-وجود صعوبات عند الطفل في مسك القلم واستخدام اليدين في أداء مهارات مثل: التمزيق، والقص، والتلوين، والرسم.
وغالبًا تكون القدرات العقلية للأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم طبيعية أو أقرب للطبيعية وقد يكونون من الموهوبين.
بعض مظاهر ضعف التركيز
-صعوبة إتمام نشاط معين وإكماله حتى النهاية.
-صعوبة المثابرة والتحمل لوقت مستمر (غير متقطع).
-سهولة التشتت أو الشرود، أي ما نسميه السرحان.
-صعوبة تذكر ما يُطلب منه (ذاكرته قصيرة المدى).
-تضييع الأشياء ونسيانها.
-قلة التنظيم.
-الانتقال من نشاط لآخر دون إكمال الأول.
-عند تعلم الكتابة يميل الطفل للمسح (الإمحاء) باستمرار.
-أن تظهر معظم هذه الأعراض في أكثر من موضع، مثل: البيت، والمدرسة، ولفترة تزيد عن ثلاثة أشهر.
-عدم وجود أسباب طارئة مثل ولادة طفل جديد أو الانتقال من المنزل؛ إذ إن هذه الظروف من الممكن أن تسبب للطفل انتكاسة وقتية إذا لم يهيأ الطفل لها.
وقد تظهر أعراض ضعف التركيز مصاحبة مع فرط النشاط أو الخمول الزائد، وتؤثر مشكلة ضعف التركيز بشكل واضح على التعلم، حتى وإن كانت منفردة، وذلك للصعوبة الكبيرة التي يجدها الطفل في الاستفادة من المعلومات؛ بسبب عدم قدرته على التركيز للفترة المناسبة لاكتساب المعلومات. ويتم التعامل مع هذه المشكلة بعمل برنامج تعديل سلوك.
ورغم أن هذه المشكلة تزعج الأهل أو المعلمين في المدرسة العادية، فإن التعامل معها بأسلوب العقاب قد يفاقم المشكلة؛ لأن إرغام الطفل على أداء شيء لا يستطيع عمله يضع عليه عبئًا سيحاول بأي شكل التخلص منه، وهذا ما يؤدي ببعض الأطفال الذين لا يتم اكتشافهم أو تشخيصهم بشكل صحيح للهروب من المدرسة (وهذا ما يحدث غالبًا مع ذوي صعوبات التعلم أيضًا إذا لم يتم تشخيصهم في الوقت المناسب).
خلاصة القول، هناك جهل بحقيقة هذا الأمر، وما يترتب على هذا الجهل تفاقم مشكلات أبنائنا، بل وضياع مستقبلهم العلمي أحيانًا، فهؤلاء الأطفال لا يرغبون بالتسبب بالمشاكل عن عمد، ولكن الجهاز العصبي لديهم يظهر استجابات غير مناسبة للمثيرات البيئية من حولهم، فهم بحاجة للفهم والمساعدة.
وليست المشاكل الدراسية هي المشكلة الوحيدة، بل إن العديد من المظاهر السلوكية أيضًا تظهر لدى هؤلاء الأطفال؛ بسبب عدم التعامل معهم بشكل صحيح مثل العدوان اللفظي والجسدي، الانسحاب والانطواء، مصاحبة رفاق السوء والانحراف، نعم سيدي.. فرغم أن المشكلة تبدو بسيطة، فإن عدم النجاح في تداركها وحلِّها مبكرًا قد ينذر بمشاكل حقيقية. ولكن ولله الحمد فإن توفر الاهتمام بهذه المشاكل، والوعي بها، وتوفر الخدمات المناسبة والاختصاصيين المناسبين والمؤهلين يبشر بحال أفضل سواء للطفل أو لأهله.
مع أصدق دعواتي، ورجاء موافاتنا بالتطورات.