إلى الذين أنابوا إلى ربِّهم، واستجابوا للنداء، وانطلقوا من ديارهم، وتخلصوا من معوقات الدنيا، وهرعوا إلى الله وحده، بعد أن تلقوا الدعوة منه، الدعوة التي آثرهم الله بها، وألقاها إلى قلوبهم وأفئدتهم.. فتحركوا شوقًا ومحبة واستجابةً لأمر الله، فانبعثوا ملبين دعوة خالقهم وسيدهم – لبيك اللهم لبيك .. لبيك لا شريك لك لبيك.. هؤلاء هم ضيوف الرحمن وهذه الدعوة شرف وتكريم عظيم.
إن الحاج قادم على رب البيت لا على البيت، والحجاج هم ضيوف الله وزوار بيته.. قال الله – تعالى- لسيدنا إبراهيم -عليه السلام- بعد أن أقام البيت وبناه: “وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍٍ”
ونادى في الناس بالحج. ولقد ذهب عجبهم حين كشف لهم إيمانهم السر في هذا، فإذا كانت قدرة البشر محدودة، وجهدهم محصور، ومقيد بطاقاتهم؛ فإن قدرة الله لا حد لها، ولا راد لفضله، وإذا كان صوت المنادي والمؤذن لا يمتد أكثر من أميال قليلة، فما هو إلا سبب يستر قدرة الله التي ينفذ بها ما يريد؛ ولذلك فقد رووا أن سيدنا إبراهيم – عليه السلام- حين طلب منه أن ينادي تعجب، وقال: يا رب، وأنَّى يبلغ صوتي في الآفاق؟.. فأجابه الله… عليك أن تؤذن، وعليَّ أن أبلغ الدعوة مَن أشاء، ولو في أطراف الأرض! نعم، لقد وعده الله أن يلبي الناس دعوته؛ فيقبلون على البيت من كل فج عميق، ولا يزال وعد الله يتحقق منذ بُنِيَ البيت إلى اليوم وإلى الغد، ولا تزال هناك قلوب وأفئدة تهوي إلى البيت الحرام، وتحن إليه، منهم الغني القادر، والفقير المعدم الذي يسعى على قدميه شوقًا إلى لقاء ربه..
إن الملايين من ضيوف الرحمن يتقاطرون من كل فجاج الأرض؛ تلبيةً لدعوة الله التي نادى بها الخليل ـ عليه السلام-، فالمسلمون على موعد كريم في جوار بيت أكرم الأكرمين، لا يرد مَن قصد بابه، ووقف في رحابه؛ بل يعطيه ويجيره.
والحجاج والمعتمرون وفد الله، دعاهم؛ فلبوا، وسألوه؛ فأعطاهم. وفي الحديث: “ما راح مسلم في سبيل الله مجاهدًا، أو حاجًّا، مهللاً، أو ملبيًّا، إلا غربت الشمس بذنوبه وخرج منها”.
هذا هو موسم الحج قد أظلنا بظلال الأمن والأمان من الأرض المباركة التي أهدت إلى العالم أعظم رسالة وأصدق راية، وفيها تَعْذُبُ المناجاة، وتحلو الطاعة، ويسري نور الإيمان بين الجوانح، ويشعر المسلم أنه فوق عالَم البشر، يجنح مع الملائكة الكرام؛ فالذنب مغفور والسعي مشكور، وكل خطوة يخطوها يكتب له ملائكة الرحمة حسنة، ويضعون عنه بها سيئة.
أيها الحاج أنتَ تلبِّي راجيًا، وتسعى محبًّا وطائعًا، وتطوف مذعنًا ومشتاقًا، وترمي مهللاً، وتصعد مكبرًا؛ فيجيبك القوي القادر: لبيك عبدي وسعديك والخير بين يديك.