علم التنجيم الحسابي الذي يعرف به حساب الشهور ويعرف به الأزمنة والفصول وتحديد القبلة فهذا النوع من التنجيم وهو ما يعرف بعلم الفلك الذي أجازه الفقهاء على تفصيل عندهم في اعتماده في دخول شهر رمضان وخروجه، أما التنجيم الذي يقصد به معرفة حظوظ الناس ومستقبلهم ومصير حياتهم بحسب مواقع النجوم عند ولادتها فهذا محض كذب وافتراء، فالغيب لا يعلمه إلا الله فالتنجيم بهذا المعنى اتفق العلماء على حرمته.
يقول فضيلة الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين: لا بد أولاً من التذكير بأن التنجيم قد عرف قديماً وكانت العرب تؤقت بطلوع النجوم لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب وإنما يحفظون أوقات السنة بالأنواء .
أقسام وأنواع علم التنجيم
التنجيم في اصطلاح علماء الشريعة فينقسم إلى قسمين :
الأول : حسابي وهو تحديد أوائل الشهور بحساب سير النجوم فبواسطة هذا الحساب يعرفون الأوقات والأزمنة والفصول واتجاه القبلة ونحو ذلك . وهذا النوع من التنجيم هو أحد فروع علم الفلك وما زال كثير من الناس يسمون علم الفلك بالتنجيم مع أن ثمة فرق كبير بين المنجمين والفلكيين وبين التنجيم وعلم الفلك، فالمنجم أو ( النجام ) هو الذي يزعم معرفة حظوظ الناس ومستقبلهم ومصير حياتهم بحسب مواقع النجوم عند ولادتها وهو الذي ينظر إلى النجوم ويحسب مواقيت شروقها وغروبها وسيرها فيتوهم من خلالها أحوال الناس والعالم وعملية التنجيم المعروفة بـ ( اوسترولوجي ) هي عملية ربط مواقع النجوم وحركاتها بسلوك وأعمال ومصير الإنسان.
ويعتقد المنجم ويعلن أن النجوم تؤثر في حياة وموت الناس ويقف رجال العلم بمن فيهم علماء الفلك مع الفقهاء في رفض عمليات التنجيم وأقوال المنجمين … ] محاضرة بعنوان علم الفلك وأوائل الشهور القمرية للدكتور يوسف مروة .
وهذا النوع أجازه علماء الشريعة على تفصيل عندهم في اعتماده في دخول شهر رمضان، وخروجه قال الشيخ ابن رسلان: “وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة، وكم مضى وكم بقي فغير داخل فيما نهي عنه” نيل الأوطار 7/206 .
الثاني : الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية، وهذا النوع يقوم على تأثير التشكلات الفلكية في الحوادث التي تقع على الأرض، وهو المقصود بصناعة التنجيم . والتنجيم حرام شرعاً وقد نهي عنه حيث إن المنجمين يزعمون ربط الحوادث التي تقع للناس بحركات الكواكب والنجوم وأن لها تأثيراً في الحوادث بذاتها . وقد اتفق علماء الإسلام على تحريم التنجيم بهذا المعنى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : “وصناعة التنجيم التي مضمونها الأحكام والتأثير وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية والتمزيج بين القوى الفلكي والقوابل الأرضية صناعة محرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة بل هي محرمة على لسان جميع المرسلين في جميع الملل”.
وقال الشيخ ابن رسلان في شرح السنن: “والمنهي عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه” نيل الأوطار 7/206.
وقال العلامة ابن عثيمين: “والتنجيم نوع من السحر والكهانة وهو محرم لأنه مبني على أوهام لا حقيقة لها فلا علاقة لما يحدث في الأرض لما يحدث في السماء ولهذا كان من عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم فكسفت الشمس في عهد النبي ﷺ في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم رضي الله عنه فقال الناس : كسفت الشمس لموت إبراهيم فخطب النبي ﷺ الناس حين صلى الكسوف وقال : ( إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته ) فأبطل النبي ﷺ ارتباط الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية وكما أن التنجيم بهذا المعنى نوع من السحر والكهانة فهو أيضاً سبب للأوهام والانفعالات النفسية التي ليس لها حقيقة ولا أصل فيقع الإنسان في أوهام وتشاؤمات ومتاهات لا نهاية لها ] فتاوى العقيدة ص336 .
والأدلة على تحريم التنجيم كثيرة منها : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ﷺ : ( من اقتبس علماً من النجوم اقتبس شعبةً من السحر زاد ما زاد ) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحديث صححه الألباني .
قال الشوكاني: قوله : ( زاد ما زاد ) أي زاد من علم النجوم كمثل ما زاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر وقد علم أن أصل علم السحر حرام والازدياد منه أشد تحريماً فكذا الازدياد من علم التنجيم ] نيل الأوطار 7/207 .
وجاء في رواية أخرى عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال : من اقتبس باباً من علم النجوم لغير ما ذكر الله فقد اقتبس شعبة من السحر . المنجم كاهن والكاهن ساحر والساحر كافر ) رواه رزين في مسنده . انظر مشكاة المصابيح 2/1296.
3- وعن أبي محجن مرفوعاً أن النبي ﷺ قال : ( أخاف على أمتي من بعدي ثلاثاً : حيف الأئمة وإيماناً بالنجوم وتكذيباً بالقدر ) رواه ابن عساكر وابن عبد البر في جامع بيان العلم وصححه الألباني في صحيح الجامع 1/103.
4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال : ( من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ) رواه مسلم .
5- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( من أتى عرافا ً أو كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ) رواه أصحاب السنن وهو حديث صحيح كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب 3/172 . قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “العراف اسم للكاهن والمنجم والرَّمَّال ونحوهم ممن يتكلم في معرفة الأمور بهذه الطرق” مجموع الفتاوى 35/173 .
ونلاحظ في الحديثين الأخيرين أن مجرد إتيان الكاهن وسؤاله عن شيء يعاقب المسلم عليه بأن لا تقبل له صلاة أربعين يوماً وأما إذا صدقه فيما قال فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ وذلك لأنه مما أنزل على محمد قوله تعالى : ( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ) سورة النمل الآية 65 . وقوله تعالى : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ) سورة الجن الآيات 26-27 . 6. وعن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال : ( أخاف على أمتي من بعدي خصلتين : تكذيباً بالقدر وتصديقاً بالنجوم ) رواه أبو يعلى وابن عدي والخطيب والحديث صححه الألباني.
وخلاصة الأمر أن التنجيم يقوم على الكذب والدجل وليس له أي أساس علمي صحيح وإن استخدام المنجمين للكمبيوتر على الفضائيات ما هو إلا من باب الكذب والدجل وخداع الناس ليوهموهم بأن القضية قضية علمية والحقيقة أن العلم بريء من هذا الدجل والسخف فقد أثبت العلم أنه لا يوجد أي دليل علمي قاطع يثبت وجود علاقة بين مواقع الكواكب في وقت معين وشخصية وتصرفات ومستقبل شخص ولد في هذا الوقت ولقد كذب التاريخ المنجمين قديماً وحديثاً في وقائع كثيرة من أشهرها ما حدث للمعتصم الخليفة العباسي عندما أراد فتح عمورية فنصحه المنجمون بوقت غير الوقت الذي أراده فلم يصدقهم فسار بجيشه إلى عمورية وفتحها وفي ذلك قال أبو تمام قصيدته المشهورة ومطلعها :
السيف أصدق إنباءً من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في متونهن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب
أين الرواية أم أين النجوم وما صاغوه من زخرف فيها ومن كذب.
وفي العصر الحديث تنبأ المنجمون بحدوث أشياء كثيرة وكل ذلك ثبت أنه دجل وكذب فقد تنبأ بعض المنجمين بنهاية العالم بحلول سنة 1986 وتنبأ بعضهم بحدوث براكين وزلازل وحروب وكل ذلك لم يقع فدلّ على كذبهم وجهلهم . وأخيراً أقول ما النجوم والكواكب إلا آية من آيات الله سبحانه وتعالى وليس لها أدنى تأثير على سعادة الناس أو شقائهم وصدق من قال : (كذب المنجمون ولو صدقوا ) .
د.حسام الدين بن موسى عفانة5>