نحن أحوج ما نكون لغض البصر في هذا العصر؛ إذ شاعت المشاهد المخجلة التي تذهب بالحياء، وانتشرت الممارسات الجنسية المحرمة بين الشباب على الشات، وتخصصت بعض الفضائيات في الأفلام والأغاني المصورة (الفيديو كليب) المملوءة عريا وفحشا، حتى صار الشباب فريسة للمعاصي، وصيدا ثمينا للشيطان.
ويُعرف الغض في اللغة بـ”النقص والحد من التفريط”. ويتجرأ كثيرون على النظرة الحرام ويستهينون بخطرها، وهي في الحقيقة كالسهم المسموم الذي لا ينجو منه إلا المتقون. وتترك النظرة الحرام -التي لا تستغرق دقائق- في النفس أثرا، وفي القلب مرارة، ربما لا تكفي سنوات طويلة لعلاج القلب منها.
طالت سلبيات العولمة كل ركن من مظاهر الحياة؛ فأفسدت المواقع الإباحية على مستخدمي النت من الشباب أوقاتهم، وأصبح التقليد الأعمى للغرب هو السائد بينهم في صخب الهوجة الإعلامية وشيوع ثقافة العري، وغاب عنا الأمر الإلهي {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30).
البصر نعمة..
يغفل المؤمن عن تذكر أن البصر نعمة من نعم الله علينا؛ أعطاها لنا أمانة. وهذه الأمانة لها حرمتها، ولا بد من صيانتها، وألا يُترك لها العنان. فقد قال الرسول ﷺ: “العينان تزنيان وزناهما النظر”، فلنحذر إذن من الإفراط في النظر، وليكن النظر بغرض الحاجة والضرورة فقط.
ويدخل النظر في إطار صيانة عورات الناس، ومن هنا جاء أمر الله بالاستئذان قبل دخول البيوت؛ يقول عز وجل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 27).
وروي أن سعد بن أبي الحسن قال للحسن “إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورءوسهن”؛ فقال له: “اصرف بصرك”.
وقال عنترة:
أغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
وقد نهى الرسول ﷺ أيضا عن إطلاق النظر، فقد قال عندما مر بقوم يجلسون على الطرقات: “إياكم والجلوس على الطرقات، فإن أبيتم إلا المجالس فأعطوا الطريق حقها: غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر” (رواه البخاري ومسلم).
وللنساء نصيب..
لقد ورد الأمر بغض البصر للرجال والنساء؛ حتى لا تظن النساء أن الرجال هم من اختصوا بهذا الأمر، فيطول التأثير السلبي لإباحة البصر الجنسين كليهما؛ فقد قال تعالى {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} (النور: 30) وقال أيضا {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} (النور: 31).
ويذكر أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، قد أمر نساءه بغض البصر، فقد روي عن مولى أم سلمة أن رسول الله ﷺ قال لها ولميمونة عندما دخل عليهما ابن أم مكتوم: “احتجبا”، فقالتا: “أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا”، فقال: “أفعمياوان أنتما؟ ألستما تبصرانه؟”.
ومن الأمور المعينة على غض البصر الزواج لأنه صيانة للشاب ووقاية للمرأة؛ فقد قال ﷺ: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء”.
أي وقاية للشباب وعصمة من الفتن، فبدلا من أن ينظر المسلم إلى امرأة أجنبية ينظر إلى زوجته، فلا يرتكب معصية، ولا يغضب الله سبحانه وتعالى.
ولذا فقد جاء في وصية أعرابية لابنتها ليلة زفافها: “ألا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح”. وقد قال تعالى {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ}، وهذه إشارة إلى أهمية حرص المرأة على التزين لزوجها، والتجمل لكي تعفه، فلا ينظر إلى ما حرم الله.
ويقول أحد الشعراء عن أثر العين على القلب:
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف
فوائد غض البصر
هناك فوائد شتى تعود على ذلك المسلم الذي يتقي الله، ويطيع أمر ربه، ويغض بصره لأجل مرضاته، نذكر منها:
– الحفاظ على القلب؛ فكما قلنا يتبع القلب البصر.
– البعد عن المعاصي وترك الشهوات.
– غلق منافذ الشيطان للتسلل إلى القلب.
– الانشغال بما هو نافع ومفيد، والابتعاد عما هو ضار.
– الحفاظ على أمانة الله “العين”، والابتعاد بها عن المشاهد التي تغضب الله.
– اكتساب سلوك حميد “مجاهدة النفس”. يقول رسول الله ﷺ: “إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتق الشر يوقه”.
– الاقتداء بالصالحين من الصحابة والصحابيات والتابعين.
وفي الختام، أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن، واتباع سنة رسوله الكريم، والحفاظ على ذلك الخلق الحميد، والمداومة عليه، والابتعاد عما حرم الله على عباده.
فاطمة محمد