أهلاً بك ومرحبًا يا أم شهاب وبأبنائك جميعًا. ولا أملك حيال تحيتك التي طوقت بها أعناقنا إلا أن أدعو الله عز وجل أن يرزقنا الإخلاص في أدائها ويرزقنا الرشد لنحسن ما بدأناه.
وأعود إلى رسالتك لأدخل معك في الموضوع مباشرة؛ فرغم أن سبعة أطفال عدد كبير فعلاً -بارك الله فيهم جميعًا- خاصة عندما لا نكون نحن ولا ظروفنا مؤهلين للتعامل مع هذا العدد من الأطفال، فإذا أضفنا لها ضيق المسافات الزمنية بينهم، وهذا طبعًا واضح من كون أكبر أبنائك عمره 12 سنة، ولكن يا سيدتي دعينا نتعامل مع الواقع كما تقولين، واسمحي أن أقول لك: إن تربية 7 أطفال في هذا الزمن الصعب وإن كانت ليست سهلة فإنها ليست مستحيلة، ومن غير المعقول أن نحيل البيت إلى ساحة قتال لا تهدأ إلا وقت النوم؛ فهذا يدمرك أنت أولاً قبلهم وبالتأكيد المجهود الذي يمكن أن تبذليه لوضع نظام وقواعد ثابتة للبيت مهما كان مرهقًا فسيكون أهون عليك من تحمل كل هذه المشاكل؛ ولهذا نقول لك: بدلاً من “نعم” و”لا” و”افعل” و”لا تفعل” ضعي قواعد للبيت يحترمها ويخضع لها الجميع.
أولاً- ما معنى قواعد في البيت؟ نعني بذلك وضع نظم ثابتة يسير عليها أفراد البيت جميعهم دون استثناء ويفهمها ويشارك في وضعها كل أفراد البيت، وعلى هذا فهي: لا تحتاج للمناقشة مع كل موقف؛ لأنها ثابتة ومتفق عليها، وليست طلبًا من شخص إلى شخص يحتاج للإلحاح والرفض، ولكنه نظام لا يتم تغييره أو إيقافه أو تأجيله؛ هذه القواعد تساعد الأولاد والآباء على التفاهم وتأدية المهام المطلوبة بأقل قدر من الصراع والمشاكل؛ وذلك لأن هذه القواعد قد تم الاتفاق عليها معهم؛ فنحن ننفذ ما اتفقنا عليه، وليس في كل مرة نتفاوض من جديد، ولأن تعامل الطفل مع قاعدة ثابتة حتى ولو كانت لا ترضيه كل الرضا أفضل كثيرًا من تعامله مع أم أو أب متقلب المزاج والآراء، لا يمكن التنبؤ بردود أفعاله؛ فاليوم يمكن أن يرفض ما قبله الأمس، وغدًا يوافق على ما رفضه اليوم؛ فإن ذلك يصيب الأطفال بالتشتت، ويضعف ثقتهم في أنفسهم وفي والديهم؛ مما يشعرهم بحالة من الخوف والارتباك الداخلي، ويجعل نفوسهم هشَّة هزيلة قابلة للانقياد لسواها بعد ذلك، كما أن هذه القواعد تطبق على الجميع دون استثناء، وعلى هذا يشعر الأبناء بالعدل والمساواة بين جميع أفراد الأسرة.
– والآن كيف نضع القواعد؟ وكيف نلزم الصغار بها؟
1- تخيري مناسبة جيدة تستحق أن تكافئيهم على حسن أدائهم مثل نجاح في الامتحانات أو سلوك جيد في موقف معين أو أي مناسبة، واصنعي لهم حلوى يحبونها، ويا حبذا لو أخذتهم في رحلة ممتعة ومنعشة، واجعلي جو الرحلة فيه الكثير من المرح والحب والتفاهم والاحترام لهم، ثم بطريقة طبيعية تحدثي معهم، وأثني على السلوك الجيد الذي تكافئينهم عليه، وخبريهم أنك تحبينهم جدًّا، وأنهم أولاد ممتازون، وأنك تتضايقين جدًّا عندما تختلفين معهم، ويتوتر جو البيت، وتحدث فيه مشاكل وصراعات رغم أنهم أولاد ممتازون، وابدئي معهم مناقشة أسباب هذه المشاكل، وكيف نوقفها، ولا تتحدثي أنت حتى يتكلموا هم ويقولوا كل ما عندهم، واحترمي كل آرائهم، ثم وضحي لهم أن هذا البيت هو بيتنا جميعًا، وكلنا نعيش فيه؛ ولذلك لا بد أن يكون مريحًا ونظيفًا، وأن نتعاون معًا كلنا في ذلك، واطلبي منهم هم أن يضعوا الحلول المناسبة لكل مشاكلك معهم، وساعديهم أنت في وضع وصياغة القواعد الجديدة التي سيسير عليها البيت، وسيلتزم بها الجميع.
2 – حتى تكون هذه القواعد ناجحة وفعَّالة لا بد أن تكون واضحة ومحددة، ويفهمها الجميع بوضوح.. فمثلا لا تقولي: “لا لعب أثناء الدراسة”، فمن غير المنطقي ألا يلعب الأطفال خلال 6 أو 7 أشهر (مدة الدراسة)؛ فاللعب هو وظيفة الطفل، ولكن قولي: “اللعب بعد الانتهاء من المذاكرة والواجبات اليومية”، وهكذا…
3 – لا بد أن تكون هذه القواعد منطقية وفي حدود إمكانياتهم وطاقاتهم، وتراعي أنهم أطفال؛ فلا يمكن أن نقول: “لا للعب ولا إفساد ترتيب نظافة الغرفة”، ولكن نقول: “بعد اللعب لا بد من إعادة كل شيء كما كان وترتيب الغرفة”، فهذا طلب منطقي، مثلا “لا تقولي: لا تكن شقيًّا دائم الحركة”؛ فهو طلب غير مفهوم. لكن طلبًا مثل “لا للصوت العالي وقت راحة والدك.. لا لضرب أخيك؛ فعقابه من سلطة الوالد”… إلى غيرها، طلب مفهوم وقابل للتنفيذ حتى ولو كان بصعوبة. ما عليك هو أن تجعلي الأمر محددًا ومباشرًا وممكن التنفيذ ومنطقيًّا وعادلاً بأن يحتوي على سبب منطقي وعادل.
4- لا بد أن يحتوي الاتفاق على بنود الثواب والعقاب عند الالتزام بالتنفيذ، ولا بد أن تكوني صادقة جدًّا جدًّا معهم حتى لا تفقدي مصداقيتك أمامهم.
5- عند التنفيذ لا بد أن تكوني أكثر الملتزمين بتنفيذ الاتفاق مهما كلفك احترام القواعد، ولا تبادري أبدًا بكسر القاعدة، أو طلب استثناء لنفسك أو لأحد من الأولاد.
6- اعتمدي دائمًا أسلوب التشجيع والثناء على التصرفات الجيدة، وامنحيهم الاحترام والثقة، وقلِّلي التوبيخ والمعاتبة والتأنيب الدائمين، وتغاضي عن الأخطاء الصغيرة غير المقصودة.
7- لا تجعلي هذه القواعد مثل الأوامر العسكرية التي تطبق بطريقة عمياء لا تراعي الظروف؛ حتى لا يشعر الأولاد أن هذه القواعد تخنقهم؛ فيتركوا الاتفاق كله ويختاروا الفوضى التي كانوا فيها، ولكن حاولي دائمًا إشعارهم بفضل هذه القواعد في تهدئة البيت، وفي التفاهم والاحترام الذي صار بينك وبينهم.
8- أشعريهم دائمًا أن لهم الفضل في نجاح الفكرة بالتزامهم وحسن سلوكهم، واجعليهم يشعرون بفضلها في شكل مميزات يحصلون عليها، مثل تفرغك الأكبر للحديث واللعب معهم وزيادة اقترابكم من بعض، وتوفر وقت للخروج للنزهة، أو ممارسة شيء يحبونه.
9- اعلمي أن وضع القواعد ليس معناه أن البيت سيتحول إلى جنة هادئة أو سيخلق المدينة الفاضلة، ولكنه فقط أسلوب أفضل لإدارة البيت والتعامل مع المشاكل بأقل قدر من الصراع.
عندما يخالف الأولاد القاعدة أو يرفضون تنفيذها:
لا تعودي للفوضى ثانية ولا لأسلوب “حبة الحمص في المقلاة”، ولكن بهدوء شديد جدًّا تحدثي مع المخطئ وحده، وركّزي كلامك حول المشكلة الحالية أو القاعدة محل المشكلة، وإياك أن تخلطي الأمور؛ فتبدئي معاتبته على أخطاء أخرى سابقة أو تبدئي الشكوى منهم جميعًا؛ لأنهم أولاد متعبون ولا يسمعون الكلام، ولكن كوني محددة جدًّا في النقطة التي تتناقشون فيها.
وكرري له القاعدة التي اتفقتم عليها من قبل بهدوء ودون انفعال أو إهانة أو صراخ، وذكِّريه بالنتائج والثواب والعقاب الذي اتفقتم عليه، ودعيه يأخذ قراره في الالتزام بالقاعدة أولاً، ولا تتحدثي عنه بطريقة سيئة أمام إخوته، ولا تشهديهم عليه أو تجعلي من بعضهم حزبًا عليه.
– عند رضائه بالأمر وتنفيذ القاعدة احترميه واشكري له الالتزام بنظام البيت، ولا مانع من مراجعة بعض القواعد أو معاونتهم في تنفيذها إذا شعرت أنها أكبر من طاقتهم.
ونصيحة أخيرة لك: أشيعي جوًّا من التعاون والاحترام بين أبنائك، وابدئي بنفسك فاحترميهم، وإياك والتجريح أو الإهانة.
أختي الغالية هل كنا خياليين؟ هل قلنا كلامًا وأحلامًا غير منطقية؟ هل نظام القواعد نظام غير قابل للتطبيق؟
صدقيني يا سيدتي إذا أردنا أولادًا منظمين محترمين هادئين متفاهمين، فلنكن نحن آباء منظمين محترمين هادئين ومنطقيين، ولقد رأيت تجارب ناجحة جدًّا في ذلك، وتخرج أبناء ناجحين واثقين من أنفسهم، يحسنون الاعتماد على أنفسهم يحترمون أنفسهم ويحترمون الناس.
ولمزيد من الإيضاح ولإلقاء الضوء على بعض الجوانب الأخرى الخاصة بهذا الموضوع يمكنك الرجوع إلى الاستشارات التالية:
– النظام: حب.. احترام.. قدوة..مسئولية
– نعم للتهذيب ولا للتهديد
– !!اضربني ولا تصرخ بوجهي
– بيت…أم ثكنة عسكرية؟؟
ولكل زوارنا الكرام برجاء مطالعة هذا المقال حول ساحات النصرة والفعل الممكنة بين
القيام بفعل مسلح والاشتباك بالقوة مع مصدر التهديد، أو القعود والاستسلام فريسة لليأس:
– نداء من أم….هل من معين ؟؟؟
د/ منى أحمد البصيلي