رمضان العظيم شهر عبادة وصوم وقراءة قرآن وصلاة؛ وهو أيضاً شهر التواصل والزيارات وصلة الرحم؛ لكن العمل اليومي لا يتوقف، وكذلك الاستذكار بالنسبة للطلاب .. فكيف تذاكر في رمضان؟ كيف يمكن للطالب والطالبة تنظيم وقتهما في رمضان، خاصة و أن رمضان هذا العام يتوافق مع الامتحانات في المدارس و الجامعات العربية؟

الوقت المناسب بعد العشاء

في البداية يرى الدكتور “فوزي الشوبكي” -رئيس قسم التغذية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة- أن السؤال:كيف تذاكر في رمضان؟ شأنه شأن أي عمل ذهني يحتاج لاختيار الوقت المناسب الذي يكون فيه المخ في حالة استعداد، لذلك ففي شهر رمضان يمكن أن تبدأ عمليات المذاكرة والاستذكار بعد الإفطار بحوالي ساعتين أو أكثر قليلاً أي بعد صلاة العشاء والقيام، ويمكن أن تستمر المذاكرة لفترة تتراوح بين 3 إلى 4 ساعات متواصلة. بعد ذلك يمكن للطالب أن يأخذ فترة من الراحة والنوم حتى يأتي وقت السحور، ويمكنه أن يصلى الفجر ثم يذاكر بعدها مباشرة ساعة أو ساعتين قبل أن يذهب إلى الجامعة أو المدرسة.
ويضيف الدكتور فوزي أنه لكي تعرف كيف تذاكر في رمضان؟ يجب أن يأخذ الطالب في اعتباره أن وجبة الإفطار هذه مثل أي وجبة عادية يجب ألا يكثر فيها من الطعام حتى لا يُصاب بالتخمة، خاصة وأن أنواع الطعام التي تحرص الأسرة على صنعها في رمضان مغرية جداً بالنسبة للكثيرين الذين يتناولون فيها كميات كبيرة بعد أذان المغرب مباشرة دون أن يعطوا للمعدة فرصة لاستعادة نشاطها بعد خمول طويل.

الغذاء المناسب

والطريقة السليمة للإفطار: هي البدء بتناول محلول سكري -ومن هنا نرى حكمة النبي () عندما استنّ لنا أن نفطر قبل الصلاة على التمر- ثم تناول كميات عادية من الطعام بعد صلاة المغرب ليعطى للمعدة فرصة للنشاط. ويفضل أن تحتوى وجبة الإفطار فترة الامتحانات على الأسماك لأنها تكون غنية بالفسفور اللازم للنشاط الذهني والعقلي، واليود الذي ينظم عمل الغدة الدرقية، وفيتامين “هـ” الذي يحمى خلايا المخ من التدمير.
كما ينصح بالإكثار من تناول السوائل مثل: الحساء (الشوربة) بجميع أنواعها وحساء الخضروات، مع الحرص على تناول البروتينات والأملاح والمعادن من خلال الفاكهة والخضروات الطازجة، ويفضل استخدام الزيوت الطبيعية بدلاً من السمن في طهي الطعام؛ حتى يكون خفيفاً على المعدة وسهل الهضم. ولا يتناول الشاي إلا بعد تناول الطعام بساعتين، حيث يمكنه تناول قطعة من حلويات رمضان مع كوب من الشاي. ثم يبدأ المذاكرة فبعدها يكون المخ في حالة استعداد للاستذكار.

وجبة السحور

و لمعرفة كيف تذاكر في رمضان؟ يجب أن يأخذ الطالب في اعتباره أيضاً أن تحتوى وجبة السحور على نسبة كبيرة من السكريات مثل: العسل الأبيض أو العسل الأسود أو المربى، إلى جانب الخضراوات الطازجة ومنتجات الألبان والعصائر حتى تساعد على الاستذكار بعد صلاة الفجر لحوالي ساعة أو ساعتين.
وهناك ملاحظة هامة أخرى هي أنه يفضل أخذ فترة من الراحة بعد ساعة من الاستذكار يستنشق فيها الهواء، ويروح عن نفسه بما يراه لدقائق قليلة ثم يعاود المذاكرة. ويلتقط الحديث الدكتور “محمد المفتى” عميد كلية التربية جامعة عين شمس- قائلاً: الوقت المناسب للمذاكرة في رمضان هو وسط الليل من الثامنة مساءً وحتى الحادية عشرة بعيدًا عن فترة الإفطار وما حولها من أوقات عبادة للذاكرين، أو مغريات إعلامية للغافلين، وكذلك ما يرتبط بها من كسل بعد تناول الإفطار، وبعدها يمكن أن ينام من الحادية عشر حتى الرابعة صباحًا، ويمكن أن يكمل النوم في وقت الظهيرة أو العصر بعد العودة من الجامعات أو المدارس، إلا أن البعض يملك من القدرة ما يمكنه فيها الاستذكار في الفترة من العصر إلى المغرب.

بين العلوم والشعر

وهنا يمكن تصنيف المواد الدراسية حسب الوقت الذي يمكن استذكارها فيه، فالمواد التي تحتاج إلى تركيز مثل: الرياضيات والعلوم وغيرها يمكن استذكارها في فترة منتصف الليل، وما بعد صلاة الفجر، أما مواد التاريخ والشعر والأدب والقراءة وغيرها فيمكن استذكارها في الفترة من العصر إلى المغرب؛ بحيث تكون قراءة للموضوع بشكل عام ولا يتوقف عند الأجزاء التي لا يستطيع استيعابها، بل يتركها في فترة الليل، وكلما مرت ساعة من ساعات المذاكرة يمكن أخذ راحة لمدة عشر دقائق للترفيه فهذا يساعد المخ على الراحة حتى يمكنه تقبل واستيعاب ما بعد ذلك.

رمضان والامتحانات

أيام قليلة وتبدأ الامتحانات، ويبدأ السؤال الذي يشغل بال الطلاب الآن: كيف تذاكر في رمضان؟ من أين تبدأ المذاكرة؟.. كيف أنظم وقتي؟.. وكيف أضمن ألا أنسى ما أذاكره؟
الإجابة على مسألة كيف تذاكر في رمضان؟ جاءت على لسان الدكتور “محمود كامل الناقة” مدير مركز تطوير التعليم الجامعي بجامعة عين شمس.. حيث بدأ قائلاً: إذا كنت تشعر بالإجهاد أو التعب أو الملل فهذا نوع من الهروب النفسي نتيجة النظرة إلى المذاكرة باعتبارها عبئًا ثقيلاً وواجبًا كريهًا. ويشير خبراء التربية إلى أن السبيل إلى التخلّص من هذا الشعور هو النظر إلى المذاكرة كنوع من القراءة الاستمتاعية التي تضيف لمعلوماتك، وتزيد من ثقافتك ومعرفتك بما يدور حولك، أما حالة النسيان التي تنتاب الطالب قبل الامتحان فما هي إلا حالة نفسية ناتجة عن الخوف والرهبة وعدم الاطمئنان، مما يؤدي إلى تشتيت ذهن الطالب ويسلبه التركيز، حيث تتداخل بعض المعلومات التي يقوم باستذكارها مع ما سبق أن ذاكره، ويحدث هذا أثناء المذاكرة نفسها، والعلاج في هذه الحالة هو النوم العميق للاسترخاء وإعطاء فرصة للذهن لاسترجاع المعلومات، فالسهر واستخدام المنبهات المختلفة يصيب الطالب بالاضطراب والقلق وعدم الاستقرار النفسي والعقلي، بينما يعيد النوم نشاط المخ للمذاكرة والتحصيل.
وقبل أن تبدأ الاستذكار عليك التخلص من الهموم والمشاكل الخاصة والبعد عنها، وفي رمضان الجو الروحي و العبادة فرصة مثالية لصفاء القلب و الذهن.

نظم وقتك

ويتابع الدكتور “محمود كامل الناقة” مدير مركز تطوير التعليم الجامعي بجامعة عين شمس/مصر : إن استغلال الوقت بكفاءة من العوامل المهمة للتحصيل، والجدول المكتوب يساعد على تنظيم العمل وترتيب المذاكرة، فتخصيص وقت وموضوع محدد من شأنه أن يخلص الطالب من سلوك التأجيل والتسويف، والجدول يساعد على تكوين استعداد نفسي وعقلي للمذاكرة، لذا يتعين على كل طالب أن يعلم كيف يوازن بين الاستذكار والترويح عن النفس… ولا ينبغي أن يترتب على هذا الجدول تمسك حرفي بروتين يومي أو أسبوعي، لكن يمثل الجدول خطة منظمة لألوان مختلفة من النشاط؛ تدفعك لأن تبدأ مذاكرتك في وقت محدد ولزمن معلوم بعده تنتقل لنشاط آخر.

كيف تخطط جدول المذاكرة

ابدأ الفترة الأولى من الجدول بعد فترة راحة من اليوم الدراسي، ويجب ألا تطول فترة استذكار مادة معينة حتى لا يشعرك هذا بالملل على أن تتوقف للترويح عشر دقائق كل ساعتين مثلاً، ولا تربط بين الوقت المحدد وكمية محددة من المادة لأن ذلك سيضطرك إما إلى التخلص من الانتهاء من الكمية المطلوبة بشكل قد يترتب عليه عدم استيعابه بالجودة المطلوبة، أو التخلي عن النظام الذي وضعته لنفسك في الجدول. وإذا اضطرتك الظروف لمخالفة الجدول والخروج عليه -زيارة ضيف أو قضاء أمر ما- فلا تقلق وأعد النظر في الجدول بحيث تعيد تخطيط الوقت بشكل يتلاءم مع هذه الظروف المتغيرة، وأخيرًا يفضل أن تبدأ جدول استذكارك اليومي بما درست من مواد في نفس اليوم، وفي نفس الموضوع، فتكون المذاكرة بمثابة متابعة يومية دقيقة لما تدرس، وقد يساعدك ذلك على اكتشاف صعوبات ما تدرس فترجع في اليوم التالي لمعلمك لاستيضاح هذه الصعوبات.

أين تذاكر وكيف؟

في البداية يجب تهيئة مكان جيد للاستذكار والابتعاد عن عوامل التشتيت مثل الراديو والتليفزيون، وليكن وقتها هو وقت الترويح، إلا إذا كان الطالب قد تعود على التعلم الشرطي أي أن يقرن مذاكرته بالاستماع لموسيقى هادئة، وكذلك الابتعاد عن كل ما يثير الأعصاب والاهتمام بالإضاءة والمقعد المريح.
بعد هذا: ضع هدفًا محددًا لفترة المذاكرة حتى تستطيع أن تفرغ من المذاكرة عندما تشعر أنك قد انتهيت من شيء محدد – موضوع أو حفظ نص أو تلخيص شيء، أو الإجابة عن مجموعة أسئلة… وذلك حسب الجدول والهدف من المادة.
من المهم البحث عن المعنى العام أو الفكرة العامة للمادة التي يراد استذكارها، ويحدث هذا بالقراءة السريعة أو التصفح السريع للمادة لكي يضع كل طالب لنفسه خريطة لمذاكرة المادة، وإدراك الخطوط العريضة والأفكار الرئيسية حتى يمكن الربط بين تفصيلات المادة أو الموضوع والسيطرة عليه كله، وإذا لم تجد للموضوع نظامًا أو ترتيبًا يتفق مع نظامك العقلي يتعين عليك بعد القراءة وإدراك التفاصيل إعادة تنظيمه ووضع تخطيط يساعد على استيعابه وفهمه.

اختبر نفسك

ويكمل الدكتور الناقة: إذا قابلتك بعض الموضوعات أو الأفكار الجافة الصعبة فلا تخف منها ولا تحاول إهمالها، اقرأها مرة بعد مرة دون خوف أو قلق، وابعد عنك شبح التفكير في أسئلة الامتحان أو صعوبة الامتحان، فمتى بدأت المذاكرة سَهُل الصعب، وقويت عزيمة الاستذكار عندك، ولا تنسَ أن تراعي توزيع وقت المذاكرة على المواد بحيث لا تتحمس لمذاكرة مواد معينة تميل إليها وتهمل مواد أخرى. بعد الانتهاء من المذاكرة عليك أن تضع بعض الأسئلة وتحاول الإجابة عنها أو تقوم بشرحها لزميلك، أو توكل لشخص آخر أن يختبرك ويقيس درجة استيعابك، أو العودة لكتاب آخر.. لمرجع مثلاً أو لاستكمال ما أحسست من نقص في هذه الرحلة.
وفي الجزء الأخير من المذاكرة اجلس لتفكر في الطريقة أو الكيفية التي تمكنك من الاستفادة من الموضوع الذي ذاكرته في الامتحان أو في حياتك..

أخيرًا …

لا تقاوم النوم ولا تحاول السهر بعد أن تشعر بالتعب فقد دلت التجارب على أن ما يحصله الطلاب أثناء ليالي السهر وهم متعبون يتبدد سريعًا ولا يستقر في أذهانهم، ويوصى الخبراء بعدم مراجعة تفصيلات المادة ليلة الامتحان، فهذا يؤدي إلى تداخل المعلومات، ويبدو هذا في عدم استطاعة طالب إجابة سؤال كان يعرفه، وتذكره للإجابة بعد انتهاء وقت الامتحان، والأفضل التركيز فقط على الخطوط الرئيسية والملخصات التي صنعها كل طالب لنفسه قبل ذلك أثناء المذاكرة
و… بالتوفيق..!


عبير صلاح الدين