مدحت الأزهري
ثمار بلسم الكمثرى بعد تمام نضوجهاأمل جديد لمن داهمهم عارض ارتفاع مستوى السكر بالدم في الكبر.. يغنيهم تماما عن الحقن بهرمون الأنسولين ويهيئ لهم الاستمرار في ممارسة حياتهم بشكل طبيعي دون خوف من التعرض لمضاعفات.. مستحضر طبي جديد مستخلص من نبات بلسم الكمثرى يخفض مستويات السكر لديهم لمعدلاتها الطبيعية، يهديه علماء المركز القومي للبحوث بالقاهرة لمرضى السكري.
يعد المستحضر الدوائي الجديد الذي ينتظر طرحه للتداوي قريبا بالأسواق المحلية والعالمية في صورة أقراص صغيرة يتم تناولها عن طريق الفم تتويجا للجهود التي تبذل لاكتشاف وإنتاج خامات دوائية آمنة وفعالة لتكون في متناول ملايين الفقراء في العالم، كما يوضح الدكتور هاني الناظر رئيس المركز، خاصة مع اقتراب موعد تطبيق اتفاقية “التربس” (حماية حقوق الملكية الفكرية) أول يناير 2005 التي من المنتظر أن ترتفع معها أسعار الدواء لأرقام تخرج الفقراء من دائرة التداوي، وذلك لحرص شركات الدواء العالمية على جني الأرباح الضخمة وتعويض ما أنفقته على أبحاث تطوير الدواء حتى ولو على حساب المرضى.
جدير بالذكر أن أعداد المصابين بارتفاع مستوى السكر في الدم في ازدياد مطرد حيث يقترب عدد مرضى السكري من 200 مليون مريض في العالم، ومن المتوقع أن يصل العدد عام 2025 إلى 300 مليون طبقا لتقديرات منظمة الصحة العالمية؛ وهو ما يؤكد الحاجة إلى علاجات حاسمة.
بلسم الكمثرى.. فوائده عديدة
وتوضح الدكتورة سعاد الجنجيني أستاذة النباتات الطبية والعطرية بالمركز، رئيسة الفريق العلمي مكتشف الدواء الجديد، أن نبات بلسم الكمثرى نبات استوائي متسلق يتطلب نموه التعرض للشمس لفترات طويلة، وموطنه الأصلي جنوب شرق آسيا وبعض المناطق الأفريقية جنوب الصحراء، وينتمي للفصيلة القرعية التي تتضمن البطيخ والشمام والخيار والقثاء والحنظل.
تتميز ثماره بطعمها شديد المرارة وهو من النباتات المأكولة في دول شرق آسيا؛ حيث يقبل المواطنون هناك على طهيه وسلقه مثل الكوسة مع إضافة بعض البهارات ومحسنات الطعم الطبيعية المحلية؛ وهو ما يؤكد عدم سميته.
كما تستخدم أوراقه مثل الشاي في الطب الشعبي الصيني لخفض مستوى السكر بالدم واسمه المحلي هناك “سيرا سي تي”، بالإضافة إلى العديد من الاستخدامات الطبية الأخرى؛ حيث إن عصير ثمار بلسم الكمثرى يتميز بأنه مقوٍّ للمعدة ومنشط للعصارة الصفراوية ومحسن لوظائف الكبد والطحال ومضاد للالتهابات الناجمة عن النقرس ومضاد للأورام، خاصة أورام الغدد الليمفاوية، ويستخدم أيضا في عمل لبخات لتسكين الآلام الروماتيزمية فضلا عن كونه خافضا لمستوى السكر بالدم.
يتميز نبات بلسم الكمثرى بثمار خضراء تشبه القثاء الصغيرة وسطحها مجعد مليء بالنتوءات، يتراوح طولها من 10 إلى 15 سم ويبلغ عرضها عند المنتصف حوالي 10 سم وتتحول ثماره للون البرتقالي عند تمام نضجها، ويصلح للزراعة في المناطق الحارة التي تسطع فيها الشمس لفترات طويلة، وقد تم استزراعه في مصر بنجاح حيث تبلغ إنتاجية الفدان حوالي 4.5 أطنان من الثمار غير الناضجة وهي نفس الكمية التي ينتجها الموطن الأصلي للنبات.
وينتج نبات بلسم الكمثرى كمية كبيرة من الأوراق والعشب، وأوراقه مقسمة مثل أوراق العنب، وإن كانت فصوصها غائرة بعض الشيء ولها رائحة نفاذة طاردة للحشرات ونادرا ما يصاب النبات بالحشرات والفطريات وغيرها من الآفات الزراعية لرائحته النفاذة ومرارته الشديدة.
تزرع بذور بلسم الكمثرى أوائل شهر مارس، ويبدأ النبات إنتاجه للثمار في يونيو ويستمر في إنتاجه للثمار حتى نوفمبر، وتقل إنتاجيته إذا ما ترك لموسم الزراعة التالي؛ ولذلك يفضل قلعه من الأرض وإعادة زراعته ببذور جديدة، ويفضل زراعته في الأرض الصفراء أو الطينية الخفيفة مع ترك مساحات كبيرة نسبيا لا تقل عن متر بين النبات والآخر، وزراعته في تكعيبات كتلك التي يتم زراعة العنب بها لتمكين النبات من الامتداد والتسلق والتعرض لأكبر كمية من الشمس التي يحتاجها لنموه.
المواد الفعالة مماثلة للأنسولين
ثمار بلسم الكمثرى في المرحلة المناسبة للقطف وصنع الدواءوقد أمكن فصل المواد الفعالة في النبات وهي عديدات الببتيدات (poly peptides) والتربينات الثلاثية رباعية الحلقات (triterpenes tetracyclic) وتحديد تركيبها الكيميائي بالتحليل الطيفي؛ حيث تبين أن عديدات الببتيدات -وهي أحد مركبات النبات- لها تركيب كيميائي مشابه للتركيب الكيميائي للأنسولين الذي يفرزه جسم الإنسان من خلايا جزر لانجر هانز الموجودة في البنكرياس باختلاف حمض أميني واحد هو حمض الميثايونين (methione)؛ وهو ما يؤكد أنها أحد أشباه الأنسولين.
وتتوافر المواد الفعالة في الثمار غير الناضجة وتنخفض كلما نضجت الثمار حيث تتوافر التربينات الثلاثية رباعية الحلقات بنسبة تصل إلى حوالي 10% في الثمار غير الناضجة، وتنخفض كلما نضجت الثمار حتى تصل إلى نحو 2% في الثمار الناضجة، بينما تظل نسبة عديدات الببتيدات ثابتة، وإن كانت تقل قليلا بعد تمام نضج الثمار؛ لذلك يتم قطف الثمار خضراء قبل تكوين البذور وتقطع إلى شرائح أسطوانية ويُزال منها قلبها للتخلص من البذور إذا كانت قد تكونت في النبات، ويستخلص عصير النبات ثم يجفف عند درجة حرارة لا تزيد عن 50 درجة مئوية ثم يطحن لتحضير المواد الفعالة منها.
وبعد تحديد المواد الفعالة وفصلها عن باقي المواد غير المرغوب فيها وتحضيرها في صورة نقية على هيئة عصير تم إجراء التجارب والاختبارات اللازمة على فئران التجارب، وقد أكدت نتائج التجارب المعملية أن خليط المواد الفعالة يأتي بنتائج أفضل في خفض مستوى السكر بالدم لدى فئران التجارب عما إذا تم استخدام عديدات الببتيدايات بشكل منفرد؛ حيث أدى عصير ثمار بلسم الكمثرى لخفض مستوى السكر بالدم بنسبة 78.5% وتثبيت السكر عند المستويات العادية في دم حيوانات التجارب على مدى 25 ساعة من إعطائها لعصير الثمار.
وتم إجراء الاختبارات الصيدلية “المعايرات الحيوية” المتعارف عليها علميا من قياس درجة السمية وتأثير المستحضر الطبي الجديد على الوظائف الحيوية للكبد والكلى باستمرار تجريعه لفئران التجارب على مدى 3 أشهر متواصلة، وتأكد باليقين العلمي عدم وجود أي آثار سلبية للمستحضر.
كما تم تجربة العصير المكون من خليط المواد الفعالة على عينة محكمة علميا من المرضى المتطوعين وتأكدت نتائج التجارب.
وأظهرت النتائج أن تعاطي 8 جرامات من مسحوق عصير النبات الجاف يوميا يؤدي لخفض مستوى السكر وضبطه بالدم عند مستوياته العادية؛ حيث سجلت إحدى العينات انخفاض معدل السكر (صائم) من 172 قبل التداوي بعصير ثمار بلسم الكمثرى إلى 114 بعد أسبوعين من العلاج و82 بعد 4 أسابيع من العلاج وانخفاض معدل السكر بعد الأكل من 448 قبل بدء العلاج ببلسم الكمثرى إلى 159 بعد العلاج بأسبوعين و105 بعد 4 أسابيع وكذلك انخفاض باقي المؤشرات المؤكدة للتحسن المتطرد لتداوي أفراد العينة بالمستحضر الجديد.
كل هذا شجع إحدى شركات الدواء المصرية لإنتاجه وطرحه في الأسواق بعد عرضه على اللجان المختصة بوزارة الصحة، ومن المنتظر طرحه قريبا بالأسواق المحلية والعالمية. ويمكن تحضير المستحضر الجديد في صور صيدلانية متعددة منها الشايات والكبسولات الجيلاتينية والأقراص، إلا أن الشركة التي أسند لها إنتاجه اختارت أن يتم إنتاج المستحضر الجديد على هيئة أقراص صغيرة مغلفة بمواد طبيعية خاصة غير قابلة للتفاعل مع إنزيمات الهضم المعِدية لينتقل الدواء إلى الأمعاء ويتم امتصاصه هناك. ويحتوي القرص الواحد من 10 إلى 12 ملليجراما من المادة الفعالة.
وتضيف الدكتورة سعاد عيسوي الجنجيني أن هناك دراسات تجرى حاليا لاستخدام المستحضر كعلاج مساعد للأنسولين في حالات سكر الدم من النوع الأول الذي يصيب الصغار لتقليل الجرعات التي تحتاجها أجسامهم من الأنسولين، أصحاب هذه الحالات لا يستطيعون التوقف تماما عن تعاطي الأنسولين لاعتمادهم عليه بشكل أساسي نظرا لعدم إفراز خلايا البنكرياس لديهم هرمون الأنسولين.
وترى الدكتورة سعاد أن النتائج الأولية لتجربة المستحضر مع عينات محكمة علميا من هذه الحالات أكدت إمكانية تخفيض الجرعات التي يحتاج إليها بعض أفراد العينة إلى النصف، وإلى الربع لدى بعضهم الآخر، وهي نتائج مشجعة لمواصلة البحث في هذا المضمار.
مرهم لعلاج جروح السكر
وتؤكد الدكتورة نبوية علي إبراهيم، أستاذة العقاقير وكيمياء النبات، أن جميع أجزاء النبات يمكن استغلالها بشكل اقتصادي حيث تحتوي الجذور والأوراق أيضا على كميات من المادة الفعالة (عديدات الببتيدات)، وإن كانت نسبتها أقل كثيرا عن المتوافرة في الثمار فإنه يمكن استخلاصها والاستفادة بها بدلا من إهدارها.
فالجذور غنية بالبروتين والزيوت الثابتة التي تتحول في درجات الحرارة العادية إلى مراهم أو كريمات تعد من أفضل المواد المعالجة لجروح مرضى السكري والتي لا تلتئم بسرعة، فضلا عن احتواء تلك الزيوت على مواد مسكنة لآلام النقرس الحاد.
ويمكن أيضًا أن تستخدم الجذور في عمل لبخة مخفضة للالتهابات الروماتزمية كما تستخرج منها مواد رغوية تعرف بالصابوننيات (saponins) لها تأثير مدمر على قواقع البلهارسيا حيث تؤدي إلى تكسير كرات دم القوقع.
اقرأ أيضًا:
- آمال جديدة لعلاج السكري
- الردة تقيك من مرض السكري
- الرصيف.. صيدلية الفقراء
- الشفاء.. بعبق الزيوت العطرية