غزة – علا عطا الله وياسر البنا**
منتجات منزلية معاد تدويرها في أحد المعارض بغزة
حينما ينكسر كوب زجاجي في منزل أم رانيا فإنها تحمد الله على أنه لم يصِب أحد بسوء، ثم تشكره على أنه وفر لها مدخلا للرزق! فهي تجمع كل الزجاج المكسور، وكذلك التحف والمزهريات البالية في بيتها وبيوت الجيران؛ لتصنع منها أشكالا فنية تبيعها بمبالغ تعينها على الحياة الاقتصادية الصعبة.
منتجات أم رانيا التي تعيش في غزة هي عمل بيوت زجاجية وأكواخ تستخدم في تزيين الحجرات بالمنزل، وتوضح طريقة عملها قائلة: “أقوم بإلصاق الزجاج والمزهريات المكسرة على جميع أجزاء بيت الكرتون بشكل منسق وجميل، ونفرش الأرضية بالزجاج المكسر إلى أجزاء صغيرة، والملون بالأخضر كأنه حشيش”.
وتكمل ابنتها رانيا -الطالبة الجامعية التي تساعد أمها في هذه المنتجات- بالقول: “لا ننسى الزينة حول البيت؛ فنصنع كرسيا وطاولة صغيرة من عيدان الكبريت والخشب، وبالنهاية نحصل على بيت رائع نبيعه بخمسة دولارات”.
ولأن الطلب يزيد على منتجات أم رانيا سواء من الجيران أو المعارف؛ فإنها لا تألو جهدا في الاستفادة من كل ما يقابلها من مخلفات، وتسعى لابتكار وتطوير منتجاتها، فبعدما أنتجت الكوخ أو المنزل الزجاجي بدأت في نوعية أخرى توضحها بقولها: “الأوعية الزجاجية غير الصالحة نقوم بتلوينها بألوان زاهية، ثم نكسرها إلى أجزاء صغيرة، ونضعها في أوعية زجاجية أخرى (غير صالحة للاستعمال أو بلاستيكية شفافة)، ونضع فيها كيروسينا (وليس ماء؛ فالماء يتعفن مع مرور الزمن)، ثم نضيف الزجاج الملون المكسور، ويتم إحكام العبوات جيدا فتعطينا مناظر رائعة نبيعها بسهولة”.
ويساعد المبلغ الذي تجمعه أم رانيا على رعاية أسرتها الفقيرة وأبنائها بالجامعة، خاصة أن مرتب زوجها العامل لا يكفي، ووفقا لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء بالسلطة الفلسطينية فإن حوالي 2.5 مليون فلسطيني (من أصل 3.7 ملايين يقطنون الضفة وغزة) يعانون من الفقر، و264 ألف أسرة فلسطينية فقدت أكثر من نصف دخلها منذ سبتمبر 2000 وحتى عام 2004.
ولا تختلف قصة أم رانيا وابنتها اللتين تملكان مهارات فنية اكتسبتاها بالسليقة والتجربة عن قصص أخرى منتشرة في قطاع غزة مثل هبة موسى ربة البيت التي استغلت مهاراتها في التطريز والخياطة لتصنع وسادات أطفال من الأقمشة القديمة، وتدر عليها شهريا حوالي مائة دولار تعينها على المعيشة. أما سالي الفتاة الجامعية فتجمع مصروفاتها من تصنيع مفكرات ملونة من الأوراق والكراسات القديمة وتبيعها لصديقاتها وللجيران.
نصائح عملية
هذه التجارب تدفع إلى التعامل مع مخلفات المنزل باعتبارها موردا وليس عبئا تريد أن تتخلص منه الأسرة، فبمنظور التدوير وإعادة الاستعمال لا وجود لشيء اسمه “نفايات”؛ إذ إن النفايات في حقيقة الأمر عبارة عن الموارد غير المستعملة أو غير المرغوب فيها، وعندما تتراكم لدينا مثل تلك الموارد لا بد أن نبحث في كيفية التقليل منها أو إزالتها أو تدويرها.
وفي هذا الصدد تطرح نشرة البيئة والتنمية الصادرة في فبراير 2005 عن مركز العمل التنموي برام الله في الضفة الغربية أمثلة عملية لربات البيوت، من أجل تدوير النفايات المنزلية، وتحويلها إلى منتجات مدرة للربح، ومنها:
– صناعة علب الأقلام أو حصالات للأطفال من الصناديق والعلب الفارغة، بعد أن يتم تلوينها، كما يمكن زراعة النباتات بداخل هذه العلب وغير ذلك، وهذا يتطلب بعض التفكير والإبداع.
– استعمال أوراق الهدايا والكرتون لتغليف الكتب المدرسية ولصناعة الألعاب، كما تستخدم لتزيين الصناديق من الخارج، أو لصناعة ألبوم للصور.
– الاستفادة من الملابس والأقمشة القديمة بتحويلها إلى منتجات مثل الوسادات، كما أن المناشف القديمة يمكن استعمالها مماسح أو تقطيعها مربعات صغيرة لمسح الوجه أو الأواني أو المغاسل، ويمكن تحويل الملاءات والقمصان القديمة إلى رقع لتلميع الأثاث وتجفيف الصحون.
تسويق المنتجات
وفي الوقت الذي تعتمد تسويق المنتجات المنزلية المدورة على الجيران والمعارف، فإن الجامعات في غزة بدأت تقيم معارض لهذه النوعية من المنتجات كمساهمة منها في دعم المجتمع المحلي.
فتشير رئيسة مجلس طالبات الجامعة الإسلامية بغزة سامية أبو عمرة إلى أن الجامعة أحيت معارض كثيرة على أرضها، وشهدت الكثير من الأعمال والمنتجات الفنية اليدوية، كان أغلبها من المخلفات المنزلية.
وتضيف أن الجامعة نظمت مؤخرا معرض التراث، وشاركت الطالبات بأعمال، كامل إنتاجها من المخلفات المنزلية، وتقول: هذا الأمر نما روح الإبداع، وقتل وقت فراغهن، والأهم أن جميع أعمالهن بيعت وبثمن محترم، وساعد المجتمع بالتخلص من المخلفات.
يظل أن إعادة تدوير المخلفات المنزلية يحتاج إلى مهارة ورغبة من سيدة المنزل، فقد لا يقتصر الأمر على مجرد جلب الدخل، إنما أن تشعر المرأة بأنها تصنع شيئا مفيدا لأسرتها والبيئة المحيطة بها.
اقرأ أيضًا:
- ورق يبيض ذهبا..!
- رزق من فضلات الأقمشة!
- تدوير البلاستيك.. فرص استثمارية
- جلود الأضاحي.. استثمارك بالعيد
** صحفية فلسطينية، وصحفي فلسطيني بمكتب الجيل للصحافة.