لأنني أنتمي إلى المجتمع العربي أتوقع ما قد يجره عليّ هذا المقال الخاص بتعدد الزوجات من هجوم حاد خاصة من النساء حتى (المتدينات) منهن إن جاز التعبير، واللاتي وإن كن يتبرأن من بعض الموروثات الثقافية المجتمعية التي يرين فيها تعارضًا مع (تدينهن) إلا أنهن حافظن وبكل إصرار (في مفارقة عجيبة) على هذا الموروث الرافض لفكرة التعدد شكلاً ومضمونًا رغم يقينهن بجوازه شرعًا، ولكن (الأنثوية) تغلبهن فيتعاملن مع التعدد أحيانًا بصورة أعتى من غيرهن.
وصل الأمر بإحداهن أن تقول : “إذا كنتم تبيحون للرجل التعدد، فيجب أن تبيحوه أيضًا للمرأة”، هذا غير اتفاقها التام مع مقولات الموروث الثقافي العربي في هذا الموضوع والتي تتهم الرجل (المعدد) بـ”فراغة العين”، و”الطمع”، و”الظلم”، و”القسوة”، وليس عندها أي قبول على الإطلاق أو أي تصور لعلاقة تعدد ناجحة على الأرض!.
مغامرة محفوفة بالمخاطر
رغم توقعي لما لحساسية موضوع تعدد الزوجات، لكنني تجشمت عناء الكتابة في هذا الأمر (على مخاطره) لعدة أسباب:
1 – تقديم صورة مغايرة (لا أقول وردية) للصورة السلبية المترسخة في أذهان مجتمعنا عن تعدد الزوجات، وما يحاك عنه من أهوال وأساطير تجافي الحقيقة في أحوال كثيرة، وتنحى بالأمر إلى كونه رجسًا من عمل الشيطان يجب على الرجل العاقل أن يجتنبه، وعلى المرأة السويّة أن ترفضه.
2- رغبة مني في نفع إخواني وأخواتي بخبرة حياتية قدر الله عز وجل لي أن أعيشها، وأن أتعلم منها وأستفيد.
3 – كثرة من ينتحي بي جانبًا من الإخوة والرفاق والزملاء، على اختلاف أعمارهم ومواقعهم؛ لاستشارتي في رغبتهم في الزواج من الثانية (اطمئنوا، لن أكشف عن أسمائكم)، فأحببت أن تكون هناك خبرة مكتوبة في هذا الأمر يرجع إليها من أراد منهم رفعًا للحرج عنهم، وعدم وقوعهم تحت طائلة ابتزازي لهم إن فكرت في هذا يومًا.
وقد يكون ما أكتبه هنا فقيرًا في النصوص الشرعية، وليس ذلك عن إهمال لها، أو عدم اعتبار، بل لأنني أعتقد أن النصوص الشرعية في هذا المجال محفوظة لدى الجميع عن ظهر قلب، قرآنًا وسنة، وقد كفانا علماء الشريعة الأفاضل القول فيها، واستخراج معانيها، وأحسبني إن شاء الله لن أخرج في حديثي عن تفاسيرهم وشروحهم لها، سواء منهم من اعتبر تعدد الزوجات أصلاً أم اعتبره استثناء، فقد أردت تقديم الخبرة لا الموعظة.
وإنني أقرر أني لا أتوجه في مقالي هذا بالخطاب لأحد بعينه، لا إلى الزوج وحده ولا إلى الزوجة الأولى وحدها، ولا إلى الثانية وحدها، بل أعتبر الجميع شركاء، فمصير الجميع واحد، والسعادة إن أتت ستغمر الجميع، وإن ولّت فسيتضرر الجميع ويخسر، فعلى كل من ذكرت واجبات يجب أن يقوم بها، والواجب الأكبر أن يساعد كل منهم شركاءه على القيام بواجباته.
لماذا زوجة ثانية؟
بداية، إني أعتقد أن الرجل لا ينبغي أن يسأله أحد عن سبب رغبته في الزواج من أخرى، وأرفض مطلقًا دعوى أن الرجل لا بد أن يقدم لزوجته الأولى أو للمجتمع أسبابه للتعدد، فتقييد التعدد بسبب لم تأتِ به الشريعة، وإنما هو من قبيل ما تم غرسه في أذهان العامة من مفاهيم، حيث يعتقد هؤلاء أن الرجل يباح له التعدد فقط في حالة ما إذا كانت زوجته مريضة، أو لا تنجب، أو كانت سيئة الخلق، أو أو… إلخ.
وقد يدفع هذا (الإرهاب) من المجتمع الذي يعتبر التعدد جريمة الرجل إلى اختلاق أسباب غير حقيقية، مشوِّهًا صورة زوجته بما فيها وبما ليس فيها، ويضطره إلى تزييف التبريرات وحشدها؛ لينجو من الملامة، مضحيًا بعِرض زوجته وصورتها، لمجرد أن يرضي المجتمع.
أما إن كان عند الرجل من المروءة ما يجعله يحفظ صورة زوجته ويصونها، معترفًا بفضلها، ومثبتًا لصلاحها، ولم يعلن أسبابًا لزواجه من الأخرى، فإنه يصير في عين المجتمع طماعًا، غدارًا، شهوانيًّا، إلى آخر تلك الاتهامات الفلكلورية الجاهزة.
والبعض يلجأ إلى حجج أخرى، يهرب بها من لوم المجتمع، فيعلن (مسبلاً عينيه، مظهرًا الألم والشفقة لحال الأمة) إنه يرغب في التعدد لا لتلبية حاجة عنده، بل تضحية منه لحل أزمة العنوسة، أو ستر الأرامل، أو اللاجئات ضحايا الحروب، فإن كانت هذه نيته حقيقة فجزاه الله خيرًا، لكن ما يكشف عدم الشفافية في مثل هذه الدعاوى تركيز الرجل على صفات معينة في العانس أو الأرملة أو اللاجئة التي يريدها للزواج تطيح بنيته الرفيعة المعلنة، وتضرب بمصداقيته عرض الحائط.
لماذا لا نقضي على هذا النفاق الاجتماعي، ونقول -ببساطة- إنه ليس شرطًا أبدًا أن تكون الزوجة الأولى معيبة حتى يتزوج زوجها عليها، فمثل هذا الفهم إنما يرسخ الاعتقاد بأن تعدد الزوجات يعتبر إهانة للزوجة الأولى، وإقرارًا بنقصها وعيبها، فقد تكون الزوجة الأولى لا غبار عليها من الناحية الشكلية والخلقية والإيمانية والعقلية و… و…، إلا أن الرجل قد تكون له احتياجات أخرى ليس واجبًا عليه أن يصرح بها، بل الخلق الرفيع والذوق السليم يحتمان عليه ألا يذكرها، حفاظًا على صورة زوجته الأولى واحترامًا لها إن كان زواجه الثاني علاجًا لمشكلة لديها، أو صيانة لخصوصيته إن كان هذا الزواج لسبب لديه هو.
شروط التعدد الآمن
نأتي بعد هذه المقدمات الطويلة (التي أعتقد أنه كان لا بد منها) إلى محددات وشروط التعدد (الآمن) والتي لا أدّعي أنها أركان وفروض واجبة، ولكنها قد تصل في رأيي إلى حد الشروط، اتساقًا مع كلام الفقهاء في ضوابط تعدد الزوجات.
1 – موافقة الزوجة الأولى:
وأنا أعتبره شرطًا أساسيًّا ولازمًا لنجاح تعدد الزوجات وأمنه، فلا ينبغي أبدًا أن يقام بيت جديد على أنقاض بيت آخر، فعلى الزوج أن يبذل وسعه في إقناع الزوجة الأولى دون إكراه أو ضغط، ويُعتبر رصيد المودة والرحمة والثقة بينهما حاكمًا على إمكانية ذلك ونجاحه.
قد يستبعد البعض إمكانية حدوث هذا، ويعتبره ضربًا من ضروب المستحيل، وأن الزواج الثاني لا ينجح إلا سرًّا بعيدًا عن أنظار الزوجة الأولى، أو بقهرها وإجبارها على القبول استغلالاً لحاجتها للاستمرار، أو بمعركة دامية حامية الوطيس بين الزوج وزوجته الأولى وأهلها، قد تصل إلى المحاكم والطلاق.
نعم قد يحدث كل هذا وأكثر، ولكن ما نسعى إليه هنا هو تجنب هذا كله، ومحاولة السير بالأمر وإنجاحه بطريقة تحفظ للجميع حقوقهم ومشاعرهم.
فيجب على الزوج أن يتفهم فزع الزوجة الأولى ورفضها، ويستوعب أي ردود أفعال قد تصدر منها عند الحديث معها في الأمر، ويجب عليه في هذه الحالة أن يعطيها الطمأنات والضمانات والوعود التي يجب أن يكون صادقًا فيها، وفي مقدوره الوفاء بها، وليس مجرد خداع ينتزع به موافقتها، فالرقيب على نيته هو الله عز وجل، ونحن نكلم جمهورًا نحسبه يتقي الله عز وجل ويعرف عظم الوعد وقدره.
ولا يتوقع الزوج أن ترضى الزوجة بسهولة، ولكن كما قلت يتوقف هذا على رصيد المودة والرحمة والثقة بينهما، فإن بذل الزوج كل ما يقدر عليه، ومع ذلك أبت الزوجة تمامًا، ووجد الزوج نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، فيجب عليه ساعتها أن يقدر الأمور ويزنها جيدًا، ويقرر مصيره ومصير بيته وأولاده إن كان لديه أولاد بناء على حساب المصالح والمفاسد، وأنا أميل في هذه الحالة -وخاصة إذا كان السبب الداعي لزواجه غير متعلق بنقص أو عيب في زوجته ولن يتسبب عدم زواجه في مفاسد محققة- إلى أن يضحي الزوج برغباته في سبيل حفاظه على بيته الأول، وهو أمير نفسه في هذا.
والزوجة المؤمنة المحبة لزوجها، ينبغي ألا تتعنت في الرفض لمجرد الأثرة ورغبتها في تملك زوجها، وألا تضع العراقيل في طريقه وتلجئه إلى الاختيار الصعب، وتحرم عليه الحلال، وقد تلجئه بفعلها هذا إلى الحرام، خاصة إن شعرت بحاجته الماسة إلى الزواج، وامتلاكه مقومات ذلك والقدرة عليه.
وقد يحدث في حالات أن يضطر الزوج إلى تجاهل رفض زوجته الأولى، والزواج دون رضاها، بعد أن يبذل الوسع في إقناعها؛ نظرًا لاحتياجه الشديد إلى الزواج، فكل حالة تقدر بقدرها.
2 – الاجتهاد في الاختيار الجيد:
فكما أنه ليس كل زوجة تقبل وتتحمل تبعات أن يتزوج زوجها، فليس كل فتاة أو سيدة أيضًا تصلح لأن تكون زوجة ثانية، وتتحمل تبعات ذلك.
فيجب أن يضع الزوج في اعتباره -إلى جانب المواصفات التي يريدها في الزوجة الثانية- أن يكون لديها القدرة على التأقلم مع ذلك الوضع، والتعايش معه وقبوله.
3 – الصدق في قياس القدرة:
بمعنى أن يكون الزوج صادقًا مع نفسه في قياس قدرته على القيام بواجباته تجاه بيتين أو أكثر، على اختلاف أنواع هذه الواجبات، من مالية، وجسمانية، ونفسية، ووقتية، ولا يبني أحكامه على توقعات وظنون، بل على حقائق ووقائع.
4 – الوضوح التام لجميع الأطراف:
بمعنى أن يكون الجميع على علم بكل التفاصيل الواجب والجائز معرفتها، فهناك تفاصيل مشتركة بين الثلاثة يجب أن يعرفوها جميعًا، وهناك تفاصيل مشتركة بين كل اثنين منهما يجب أن يتم تحديدها ومعرفتها.
ويجب ألا ينساق شركاء تعدد الزوجات وراء الكلام العاطفي الانفعالي الذي يقال في البدايات، وخاصة من قبل من ستكون الزوجة الثانية أو الثالثة، مثل: “يكفيني منك يوم واحد في الأسبوع”، “لا أريد أولادًا”، “لن أكلفك نفقة”… إلخ، فكل هذا تنساه الزوجة الثانية تمامًا بعد الزواج، ولا تتذكر سوى أنها زوجة كاملة الحقوق، مثلها مثل غيرها، فمن حقها أن تبيت عندها أيامًا بالتساوي مع الزوجة الأخرى، ومن حقها أن يكون لها منك أولاد، ومن حقها أن تنفق عليها وتوفر لها احتياجاتها… إلخ.
كما يجب أن يكون معلومًا من البداية لدى الجميع نظام المبيت، ومواعيد تواجد الزوج في كل بيت، وكيف سيقضون أيام الإجازات والأعياد والمناسبات المختلفة.
ومما يجب معرفته وتحديده أيضًا، نصيب كل بيت من دخل الزوج، وحجم مشاركة الزوجة إن كان لها دخل، وهذه المعلومات من الأفضل أن تكون خاصة داخل البيت الواحد، ولا يدري عنها البيت الآخر شيئًا، فلكل بيت ظروفه، والمهم هو تحقيق العدل (وسنتكلم عن مفهومه في النفقة بعد قليل)، وربما إشاعة هذه المعلومات بين البيتين تؤدي إلى حرج وتوجد مشكلات.
5 – السكن المستقل:
بمعنى أن يكون لكل زوجة بيتها المستقل تمامًا عن الزوجة الأخرى، وهذا شرط لا يمكن التنازل عنه مطلقًا تحت أي ظرف من الظروف، حفاظًا على كرامة وحرمة وخصوصية البيوت والزوجات، ونمو الأبناء في بيئة نفسية صحية.
وهذا لا ينفي إمكانية التعاون والتشارك في بعض الأمور، على أن يكون هذا الاستثناء لا الأصل، فكلما قلت مساحات التداخل والتشابك قلت المشكلات وحل الوئام.
6 – العدل:
وهو شرط، بل واجب بديهي معروف، نص عليه الشارع الحكيم في القرآن والسنة، ولا يختص بالنفقة فقط، بل يتعداها إلى المبيت والمعاملة، وكل الأمور المادية العينية.
ويظن البعض خطأ أن العدل في النفقة يعني أن يقسم الزوج دخله بالتساوي بين بيوته، ومحال أن يكون هذا مقصد الشرع، فضلاً عن منافاته للعقل، فالزوجة ذات العيال من المنطقي أن يكون نصيب بيتها من النفقة أكثر من غيرها التي ليس لديها أبناء أو أبناؤها أقل عددًا، وكذلك من المنطقي أن يكون نصيب الزوجة التي لديها أولاد في مراحل التعليم أكثر من غيرها التي ما زال أولادها دون سن الدراسة، وهكذا…
حزام الأمان
بعدما ذكرت الشروط والمحددات التي أعتقد أنها لازمة لنجاح التعدد، بقيت بعض الأمور التي أعتبرها تمثل حزام الأمان لهذه العلاقة بعد تحري الشروط السالفة، وهي:
1 – الواقعية:
على شركاء تعدد الزوجات ألا يتوقعوا أن تظل الصورة وردية دائمًا ومثالية، مهما كان توافقهم وتعاونهم على إنجاح هذه الشراكة، فتصاريف القدر متنوعة، وغير متوقعة أحيانًا، والقلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فليقم كل فرد بدوره وواجبه متحريًا الصدق، مع تطبيق قيم التغافل والتغافر والتناصح.
2 – احترام غيرة الزوجات:
وهذا واجب الزوج والمجتمع، أن يحترم ويقدر غيرة الزوجات ويستوعبها، ولا يطالبهن بالتخلي عنها؛ لأن ذلك مستحيل، فالغيرة فطرة جبل الله عليها البشر وخاصة النساء، مهما علت أقدارهن وسمت أخلاقهن، ويجب احترامها ومراعاتها، وعدم الإنكار عليهن إن لحظ الزوج آثارها وانفعالاتها، بل يجب استيعاب هذا منهن، والعمل على تسكين هذه الثائرة وعدم إثارتها، وذلك بتجنب شركاء التعدد الأفعال أو الأقوال التي تحركها، وإرشادهن إلى ترشيد غيرتهن، وعدم إنفاذها فيما يضر أو يجرح أو يفسد.
3 – إياك والمقارنة:
فلا ينبغي للزوج أن يقارن بين زوجاته علانية أمام إحداهن، حتى ولو كانت المقارنة في صالح من يعقد المقارنة بحضرتها، معتقدًا أنه بذلك يرضي غرورها ويسعدها، فضلاً عن أن يعقدها في حضرة من كانت المقارنة ضدها، يظن أنه بذلك يحفزها على التحسين والتغيير، فإن ذلك مما يثير الضغائن ويحرك الأحقاد ويجلب المشكلات، ويورث الحسرة في نفس الزوجة، ولا يؤدي إلى تغيير إيجابي.
4 – صديقتان لا “ضرتان”:
أي أن تحاول الزوجتان أن تكون العلاقة بينهما أقرب إلى الصداقة والأخوة منها إلى علاقة التشارك في زوج واحد. ورغم أن البعض قد يعتبر هذه النصيحة مغرقة في المثالية فإنه من السهل وجودها، في ظل توافر الشروط السالفة. ويساعد على ذلك أمر هام جدًّا، وهو قيام الزوجتين (أو الزوجات) بإخراج الزوج من أي حديث أو تعامل بينهما، وعدم جعله مادة لأي حديث أو لقاء يجمعهما، فلا تحكي إحداهما للأخرى ماذا أكل الزوج عندها، وماذا شرب، وماذا فعل، وماذا أحضر، ومتى يذهب ومتى يأتي… إلخ، هذا فضلاً عن أسرار العلاقة الخاصة.
فالتوسع في تناقل أخبار الزوج وعلاقاته بين أزواجه، له أخطار هائلة على علاقة الشركاء، وتهددها بالتوتر والنسف، فلتحفظ كل زوجة أخبار زوجها وأسراره، ولا تحاول استكشاف أخباره لدى الزوجة الأخرى.
كما يجب تجنب ما قد يحرك القلوب سلبيًّا ويوغرها، من “الإغاظة” المتعمدة وغير المتعمدة، كالمبالغة في إظهار الزوجة لزينتها مثلاً أمام الزوجة الأخرى، أو التفاخر بحسبها ورفعة شأن قومها… إلخ، بما قد يفهمه الطرف الآخر على نحو سلبي.
5 – فصل المشاعر والخلافات:
وتلك نصيحة للزوج، أقصد بها ألا يقحم زوجة في مشاكل زوجة أخرى، ولا يدخل بيتًا في هموم بيت آخر، سواء بالحكاية أو بالإقحام المباشر، وألا يدع مشاعره الإيجابية أو السلبية تجاه إحدى زوجاته تؤثر على علاقته بزوجته الأخرى.
بمعنى آخر، مطلوب من الزوج بمجرد خروجه من باب بيت إحدى أزواجه أن يترك خلف هذا الباب كل ما له علاقة بهذا البيت من مشكلات هموم، ولا يحملها معه إلى البيت الآخر، فلا ذنب للزوجة الأخرى ليعمم غضبه أو انفعاله عليها. وهذا لا شك يحتاج إلى جهد جهيد من الزوج، وطاقة نفسية هائلة.
6 – تحييد الأبناء:
بمعنى أن يكون الأبناء بمعزل عن أي مشكلات قد تحدث بين الشركاء، حرصًا على نفسياتهم، وعلاقات أبناء الأب الواحد بعضهم ببعض. فلا ينبغي أن تدور النقاشات والمشادات أمام الأبناء، ولا يجب أبدًا تحفيز الزوجة لأبنائها ضد الزوجة الأخرى أو ضد أبنائها، فأبناؤها وأبناء الأخرى هم إخوة أولاً وأخيرًا، ويجب أن تسمو علاقات الأبناء فوق كل خلاف بين الأمهات.
وعلى كل زوجة أن تعلم أبناءها احترام الزوجة الأخرى، وطاعتها، والإحسان إليها، وترسيخ أن احترام زوجة أبيهم وتوقيرها هو من احترامهم لأبيهم وتوقيره.
كما يجب على الزوجة اعتبار أن ما يحدث من خلافات بين أبنائها وأبناء الزوجة الأخرى، هو من قبيل ما يحدث بين الإخوة الأشقاء، ولا يجب النظر إليها بحساسية معينة، ومحاولة الانتصار لأبنائها على طول الخط، سواء أخطئوا أم أصابوا، بل تتناول الأمر بينهم بالعدل والإنصاف كما تتناوله في أي خلاف يحدث بين ولدين من أولادها.
7 – الحذر من التدخلات الخارجية:
فهناك أناس (والعياذ بالله) يعز عليهم أن يروا غيرهم في حالة استقرار ووئام، فنذروا أنفسهم للإفساد بين الناس، والسعي بينهم بالوشايات، وما يسمونه “نصائح” يدعون أنهم يقدمونها حرصًا على المصلحة، ولا يجني منها المنصوح إلا تغير صدره، وخراب بيته.
فقد تكون العائلة هانئة العيش، هادئة البال، فيأتي من يوسوس لأحد أفرادها، مدعيًا حرصه عليه، ورغبته في جلب الخير إليه، فيحرك صدره وجوارحه تجاه الأطراف الأخرى، فينقلب الهناء إلى تعاسة، والهدوء إلى صخب وضجيج وتشتت.
لذا أحذر جميع الشركاء من تسليم آذانهم لمن حولهم، وأدعوهم إلى رفض التدخلات الخارجية أيًّا كان مصدرها، واستيعاب المشكلات والسعي لحلها داخليًّا.
إن بعض النساء قد يشعرن بالخطر والتهديد من نجاح علاقة تعدد بالقرب منهن، ويخشين أن يتأثر أزواجهن بهذا فيفكروا في الزواج بغيرهن، فيسعين بكل السبل لإفساد هذه العلاقة، ويعتبرنها معركة البقاء بالنسبة إليهن؛ للقضاء على هذه النماذج الجيدة، فيكون الظاهر منهن أنهن يبدين النصيحة، ولكنهن لا يبغين منها إلا التخلص من هذا الهاجس والبرهنة لمن حولهن أنه لا يمكن لعلاقة تعدد أن تنجح وتستمر.
في النهاية، هذه رؤيتي المتواضعة التي أعتقد أنها قد تصلح كميثاق يمكن التوافق عليه بين شركاء علاقة التعدد لإنجاحها. وأعتقد أنه لا يجب أن يفهم منها أنها دعوة للتعدد ولا للترويج له، (وإن كان هذا ليس عيبا)، بل على العكس قد يرى البعض أني أدعو بشكل غير مباشر إلى عدم التعدد نظرا لما وضعت من قيود ومحددات له، يراها البعض مستحيلة.
وبالتأكيد لا ألزم أحدًا بهذه الرؤية، فمن حق أي إنسان أن يخالفني فيها، وأن يرى رأيًا آخر، بناء على رؤية مغايرة وتجربة مختلفة. وأسأل الله عز وجل أن يرزقنا جميعًا الصواب والرشاد.
فتحي عبد الستار5>