في عام 1957 ومع إطلاق الاتحاد السوفيتي السابق لمركبته “سبوتينيك”، في إطار الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، نشأت في أمريكا فكرة شبكة الإنترنت أو ربط أجهزة الكمبيوتر بعضها ببعض، وذلك تحسباً منها لهجوم نووي سوفيتي يشلّ شبكات الاتصال الأمريكية، ولهذا السبب أسست واشنطن وكالة أسمتها: وكالة مشروعات البحث المتقدمة “أربا” “ARPA”  أو “Advanced Research Projects Agency” ، التي أنيط بها مهمة أبحاث الدفاع، وأتيح لها لتحقيق ذلك استخدام خبرات معظم الجامعات الأمريكية.

وقد استمرت هذه الوكالة في أبحاثها حتى تمكنت في نيسان أبريل 1969 وقبل أن يضع “نيل أرمسترونج” قدميه على سطح القمر بثلاثة أشهر، تمكنت “أربا” من الربط بين أربعة أجهزة كمبيوتر في أربع جامعات أمريكية من خلال شبكة حاسب تجريبي، وهي الشبكة التي أطلقوا عليها ” أربا نت ARPA NET”.

وقد اختارت “أربا” للأربا نت تكنولوجيا اتصالات تسمى نقل توصيل القوالب “Packet Switching”، وقد سمحت هذه التكنولوجيا للبيانات المنقولة أن تقسم إلى قوالب صغيرة ألحق بها عنوان جهة الوصول، وحيث إن القوالب كانت صغيرة جدًّا، واحتاجت لعرض حزمة ترددات صغيرة؛ فقد أمكن إرسالها عبر خطوط تليفونية بسيطة، مما مكّن ذلك من نجاح عملية الأربا نت.

في هذا الوقت نفسه كان الباحث الفرنسي لويس بوزان “L.. Pouzan” يضع بين مدن جرونوبل ورين وباريس شبكة أخرى أطلق عليها “خط سيكلاد” تشبيها لها بالجزر اليونانية، وكانت هذه الشبكة عبارة عن مجموعة من المعلومات المستقلة عن بعضها، ولكنها في الوقت نفسه مترابطة.

وفي الوقت الذي كان فيه الأمريكيون يحاولون تطوير اكتشافهم، لم يقتنع الفرنسيون بمشروع بوزان؛ فتلقف الأمريكيون تكنولوجيا هذا الباحث الفرنسي، وضموها إلى ما وصلوا إليه، وطوروا هذه التكنولوجيا؛ ليشهد العالم الولادة الحقيقية للإنترنت.

وكان عام 1972 على موعد مع حدثين هامين في هذا السباق، الأول: وصول أربا نت إلى معظم الجامعات الأمريكية، مما ينبئ عن نجاح التجربة، وإمكانية انتشارها عالميا، أما الحدث الثاني فقد كان مولد أول بريد إلكتروني على يد راي توملينسون “R. Tomlinson” من شركة “بي بي إن” “BBN” الأمريكية.

وفي عام 1974 وضعت مختبرات “بيل” “Bil” التابعة لشبكة “آي تي تي” “ITT” أول برنامج كمبيوتر يمكن بواسطته تبادل المعلومات بواسطة الشبكة الهاتفية على مستوى العالم؛ ليكون خطوة جديدة وهامة في طريق انتشار الإنترنت عالميا.

وهكذا تلاحقت التطورات والاختراعات ليصبح العالم قرية صغيرة يتصل أقصاها بأقصاها في سهولة وسرعة، مكنت مستخدميها من كنوز المعلومات في كل مكان، ولا ندري ماذا تخبئ الأيام لنا من امتدادات وتطورات، ومن المتوقع أن تصل إلى حد اللانهاية!

ومع هذا التطور الهائل لهذه الشبكة، يبقى السؤال: هل كان في مخيلة منشئي هذه الشبكة أن تصل بهذه السرعة إلى هذا الاتساع والانتشار، وأن تغطي العالم بهذا الشكل العنكبوتي الموسوعي؟

كمال المصري – نشرت في 03/03/2001