قد يقتصر فهم الطفل للتفوق على بعض الأشكال والصور الناقصة ولا يستوعب – بحكم صغر سنه –  كافة أبعاد ومفاهيم التفوق. وتوضيح هذا الموضوع يجب أن يحظى بجانب كبير من الأهمية في تشكيل عقلية ومستقبل الأبناء.

المسألة ببساطة أن الأباء والأمهات يقومون بتربية الأطفال بناء على تصورات سابقة عن “حب التفوق” ومما يجعلهم يدفعون الأبناء للحصول على المركز الأول دائما وإذا ما قلّت درجات الطفل عن الدرجة النهائية وجهت له أصابع اللوم بالتقاعس والتقصير، خاصة إذا ما كان يخوض الخطوات الأولى له في عالم المدرسة، وتصبح الحياة مقتصرة على عالم الدراسة، وتهمل الهوايات والقدرات الأخرى.

ويكتسب الطفل هذا المفهوم للتفوق وتبهت بقية معاني لديه، حتى التفوق الدراسي ينحصر في الحصول على المركز الأول وفي الحصول على الدرجات النهائية، ونسعد عندما يكتسب الأطفال هذه الصورة ونفخر بهم، ولكن القليل هم الذي يفيقون إلى أن الأمر قد تحول إلى مشكلة.

ولحل هذه الإشكالية، على الآباء والأمهات تعديل مفهوم التفوق لدى الطفل بصورة عملية حقيقية، والبداية تكمن من التشجيع على ممارسة الهوايات، وإظهار الطفل لمواهبه في المجالات المختلفة، وتشجيع النجاح في هذه المجالات بنفس درجة تشجيع التفوق الدراسي، بحيث يتسع المفهوم ليس على المستوى النظري بل من الناحية العملية كذلك ويجده الطفل واقعًا ملموسا.

وفي التفوق الدراسي نطلب من الطفل الاجتهاد وبذل أقصى درجات الجهد، وتأصيل مفهوم الجد والاجتهاد و إتقان العمل لأن الله أمر عباده المؤمنين بذلك و على مفهوم حسن التوكل على الله. ومعنى ذلك أن العبد مطالب بالسعي والأخذ بالأسباب أما إدراك النتائج فعلى الله سبحانه و تعالى،

وأن فكرة النجاح لا تقتصر في الحصول على المركز الأول فقط فكلنا بشر نملك نفس الرغبات في النجاح و التفوق و إن اختلفت القدرات و الأساليب للسعي، فيجب أن تتسم كلها على اختلافها بحسن التوكل و الثقة في عدل الله و أن قدره دائما لا يأتي ألا بالخير، ويكون ذلك بالصور المباشرة، و غير المباشرة بالقصص، وبضرب الأمثلة للنجاح في مختلف المجالات، وأن كل هؤلاء الناجحين لم يكونوا الأوائل فقط، بل كان تكاملهم الإنساني في هواياتهم ومواهبهم وعلاقاتهم الجيدة مع الآخرين، هو العامل الأساسي في نجاحهم.

أما النجاح في مجال على حساب باقي المجالات أو على حساب العلاقات والمشاعر نحو الآخرين فقد يقود الطفل إلى الفشل. وإذا استمر تركيز في مراحل التعليم الأولى على تعليم على هذه المعاني مع المواقف العملية و الأهم القدوة من كل المحيطين بها خاصة الوالدين فإن مفهوم التفوق سيتسع لديه، ويتحول لمفاهيم عديدة وليس مفهومًا واحدًا.

د. عمرو أبو خليل