حرم الله الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرمًا، كما جعل الظلم قرين الشرك بالله مثلما قال سيدنا لقمان لولده: “يَا بُنَيَّ لاً تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ“(سورة لقمان – 13)، وصدق صلى الله عليه وسلم في قوله: “اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة. لذلك فإن دعاء المظلوم تُفتح له أبواب السماء ويقول الله سبحانه وتعالى للمظلوم وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين. فالمظلوم يشعر بالضيق وانعدام الحق، ويجب علينا أن نلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ندعوه إذا ظلمنا أحد، لذا يجب أن نعرف دعاء المظلوم، والظلم في الأحاديث النبوية، وآيات الظلم في القرآن الكريم والسنة النبوية.

الظلم شرك عظيم ويعد من كبائر الذنوب، لا توجد ديانة مسلمة أو مسيحية بمذاهبها المختلفة تحث على الظلم فهو أمر منبوذ ومكروه وغير مقبول ووعيد الله لصاحبه شديد يوم القيامة.

ومن المعلوم أن الظلم يحدث الاضطراب بين الأفراد والجماعات وينشر الرعب والفساد، ويحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق، في ظله ينمو النفاق، وفي كفنه يكثر الشقاق وتشتد الخصومات، ويضعف الدين في القلوب وتُسلب الحقوق وتُهدر الحرية وتداس الكرامة، وصدق رسولنا محمد- صلى الله عليه وسلم – في قوله: (اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) (أخرجه مسلم)، فما انتشر الظلم في قرية إلا دمرها ولا في أمة إلا أهلكها ولا في عائلة إلا أفناها، ولا اتصف به شخص إلا كان من الهالكين، كما قال- صلى الله عليه وسلم-: (إن الله ليُملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته). (أخرجه الشيخان).

أنواع الظلم

ومن أنواع الظلم ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي والموبقات، وكذلك ظلم الإنسان لأولاده بتفضيل بعضهم على بعض، فيترك في نفوسهم الحقد والغل على بعضهم البعض، وظلم الزميل لزميله بالدس له والوقيعة فيه، وظلم الشريك لشريكه بخيانته، وظلم الزوج بترك العدل بين زوجاته، وكذلك بحرمان البنات من ميراثه ومنحه للذكور من أولاده، وفاعل هذا يعترض على الله فيما قسم، ولسان حاله يقول: إنه أعلم بالمصلحة من رب العالمين.

لقد كانت البشرية قبل بزوغ فجر الإسلام تعرف الظلم والعدوان أكثر مما تعرف الحق، وتحترم القوة أكثر مما تحترم الحرمة، والإنسانية في ظلمات بعضها فوق بعض، يفتك القوى بالضعيف، ويأكل القادر حقوق العاجز، ومع ذلك عرف العرب في جاهليتهم حلف الفضول (السيرة النبوية لابن هشام جـ1 ص133)، “أن ينصروا المظلوم ويقفوا معه حتى يأخذ حقه من الظالم، وذلك الحلف الذي قال فيه الرسول- صلى الله عليه وسلم- لو دعيت إليه في الإسلام لأجبته” (أخرجه مسلم).

وجاءت رسالة الإسلام، رسالة العدل والمساواة، حيث أشرقت الأرض بنور ربها، وارتفعت كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حجة الوداع “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا” (أخرجه مسلم).

دعاء المظلوم مستجاب

القصاص من الظالم أمر لا جدال فيه والدعاء إنما هو تفويض لرب العزة بالتصرف والقصاص والنصرة، وقد يستبطيء الإنسان اجابة الدعاء وخاصة في حالة تعرضه لظلم بين وهوان شديد فيتعجل الإنصاف حتى تهدأ نفسه ويطيب خاطره ولكن مهلاً أليس رب العزة ورسوله الكريم الذي وعدنا بالنصرة وبوجوب القصاص فلا تجعل الشيطان يتلاعب بك ويوهمك بضياع حقك وقد يمهله الله ليأخذه بعد ذلك أخدة عزيز مقتدر فعن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته»، ثم قرأ قوله تعالى: «وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ» [سورة هود:102].

ودعاء المظلوم والمقهور مستجاب، وقد علمنا النبي كلمات نكررها عند الكرب  “لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأرْضِ وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ”، دعاء المظلوم والمقهور دعوته لا تُرد.

نماذج من دعاء المظلوم

  • اللهم أنت ولي قلبي إذا ضاق، اللهم أنت حسبي إذا ظلمني ظالم ولم يراعي ثقل هذا الظلم على صدري اللهم اشرح صدري، ويسر أمري، وفرج همي، واكشف كربتي.
  • حسبي الله ونعم الوكيل فيمن أذاني اللهم بحق جاهك وجلالك وعزتك وعظمتك التي يهتز لها الكون اسألك بعزتك التي يهتز لها العرش ومن حوله اللهم انصرني على من ظلمني اللهم أنك لا ترضى الظلم لعبادتك اللهم أنك وعدتنا ألا ترد للمظلوم فأنت العدل والعدل قد سميت به نفسك اللهم انصرني على من ظلمني.
  • يا رب انصر الحق واقر العدل وجرعهم من نفس كأس الظلم الذي جرعونا منه اللهم اخذلهم خذلانًا مبينًا.
  • اللهم إنا نشكو إليك وحدك وإنك القادر على كل ظالم وكل من ساهم في الظلم والفساد والطغيان.
  • يا رب إني أحب العفو لأنك تحب العفو، فإن كان في قضائك النافذ وقدرتك الماضية أن ينيب أو يتوب، أو يرجع عن ظلمي أو يكفّ مكروهه عنّي.
  • يا رب أسألك يا ناصر المظلوم المبغي عليه إجابة دعوتي، فخذه من مأمنه أخذ عزيزٍ مقتدر، وأفجئه في غفلته، مفاجأة مليك منتصر، واسلبه نعمته وسلطانه، وأعره من نعمتك التي لم يقابلها بالشكر، وانزع عنه سربال عزّك الذي لم يجازه بالإحسان، واقصمه يا قاصم الجبابرة، وأهلكه يا مهلك القرون الخالية، واخذله يا خاذل الفئات الباغية.
  • اللهم إني أستغيث بك بعدما خذلني كل مغيث من البشر، وأستصرخك إذ قعد عني كل نصير من عبادك، وأطرق بابك بعد ما أغلقت الأبواب المرجوة، اللهم إنك تعلم ما حلّ بي قبل أن أشكوه إليك، فلك الحمد سميعاً بصيراً لطيفاً قديراً.
  • يارب اللهم انتقم من الظالم فى ليلة لا أخت لها، وساعة لا شفاء منها، وبنكبة لا انتعاش معها، وبعثرة لا إقالة منها.

دعاء المظلوم وأوجه الظلم في الدنيا

الظلم في الأحاديث النبوية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الإمامُ العادلُ، والصَّائمُ حينَ يُفطِرُ، ودعوةُ المظلومِ تُحمَلُ على الغَمامِ، وتُفتَحُ لها أبوابُ السَّمواتِ، ويقولُ الرَّبُّ: وعِزَّتي لَأنصُرَنَّكِ ولو بعدَ حينٍ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، أنصرُه إذا كان مظلومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالمًا كيف أنصرُه ؟ قال: تحجِزُه، أو تمنعُه من الظلمِ فإنَّ ذلك نصرُه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ قالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذلكَ أخْذُ رَبِّكَ إذا أخَذَ القُرَى وهي ظالِمَةٌ إنَّ أخْذَهُ ألِيمٌ شَدِيدٌ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُهُ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

الظلم في القرآن الكريم

قال تعالى (وَلا تَحسَبَنَّ اللَّـهَ غافِلًا عَمّا يَعمَلُ الظّالِمونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُم لِيَومٍ تَشخَصُ فيهِ الأَبصارُ* مُهطِعينَ مُقنِعي رُءوسِهِم لا يَرتَدُّ إِلَيهِم طَرفُهُم وَأَفئِدَتُهُم هَواءٌ) صدق الله العظيم.

قال تعالى (ِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّـهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا)صدق الله العظيم  (وَتِلكَ القُرى أَهلَكناهُم لَمّا ظَلَموا وَجَعَلنا لِمَهلِكِهِم مَوعِدًا) صدق الله العظيم.

قال تعالى (وَقالَ الَّذينَ كَفَروا لِرُسُلِهِم لَنُخرِجَنَّكُم مِن أَرضِنا أَو لَتَعودُنَّ في مِلَّتِنا فَأَوحى إِلَيهِم رَبُّهُم لَنُهلِكَنَّ الظّالِمينَ) صدق الله العظيم

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) صدق الله العظيم

قال تعالى (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ) صدق الله العظيم

ثال تعالى (وَمَن أَظلَمُ مِمَّنِ افتَرى عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا أُولـئِكَ يُعرَضونَ عَلى رَبِّهِم وَيَقولُ الأَشهادُ هـؤُلاءِ الَّذينَ كَذَبوا عَلى رَبِّهِم أَلا لَعنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظّالِمينَ) صدق الله العظيم

دعاء المظلوم من السنة

“اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس، أرحم الراحمين ، أنت أرحم الراحمين ، إلى من تكلني، إلى عدو يتجهمني، أو إلى قريب ملكته أمري، إن لم تكن غضبان علي فلا أبالي، غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، أن تنزل بي غضبك، أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك”.

وهناك ذنوب لا تغفر إلا بعفو المظلوم. فالله لم يخلق العباد ليعذبهم، والله يعفو عن الذنوب التى بينه وبين العباد، أما الحقوق التى بين العباد وبعضهم فلا يعفو عنها إلا إذا عفا صاحب الحق والمظلوم عن حقه، والحقوق التى بين العباد لابد للعبد أن يسامح فيها عن حقه فإن لم يسامح فعلى المخطئ أن يبادر بإرجاع الحق لصاحبه إن كان ماديا أو الاعتذار عنه إن كان شيئا معنويا.

الله تعالى يستجيب من المظلوم لو كان فاجرًا، ويقول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بَعَثَ معاذًا إلى اليمن وقال له: “اتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنها ليس بينها وبين الله حجاب” ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وينتصر الله للمظلوم حتى لغير المسلم.