لأن الفائدة على القروض خاصة الصغيرة ترهق كاهل أي صاحب مشروع صغير، وتفقده الميزة التنافسية مع المشروعات الأخرى، من حيث سعر منتجاتها؛ لذا فقد بدأت أدوات التمويل الإسلامي تخترق هذا القطاع العريض الذي أصبح منفذا للخروج من أزمتي البطالة والفقر اللتين تعصفان بالمنطقة العربية، لا سيما في ظل عمليات الخصخصة، وتخلي الدولة عن المشروعات ذات الحجم الكبير.

وتبدو أهمية أدوات التمويل الإسلامي، في قدرتها على تحقيق العدالة بين طرفي المعاملة، بحيث يحصل كل طرف على حقه، بدلا من نظام الإقراض بالفوائد الذي يضمن حق صاحب القرض عادة على حساب المقترض، كما تضمن هذه الأدوات استخدام التمويل المتاح في مشروعات تنمية حقيقية تفيد المجتمع.

وعقود المرابحة والسلم (البيع الآجل) والإجارة، والاستصناع وغيره هي من أبرز صيغ التمويل الإسلامي، ولكن الدكتور محمد عبد الحليم عمر مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي بمصر يضيف إلى هذه الصيغ مصادر أخرى لتمويل المشروعات الصغيرة، خاصة لمن يعجزون عن التعامل مع مؤسسات التمويل الرسمية أو غير الرسمية.

وتلك المصادر الأخرى تقوم على الإحسان وأبوابه، مثل: القرض الحسن، والصدقات التطوعية، والزكاة، والوقف، وكذلك نمط “الجمعية” المنتشر في بعض البلدان العربية، وهي عبارة عن مجموعة أفراد يدفع كل منهم مبلغا مساويا للآخرين كل شهر، على أن يأخذ كل فرد حصيلة ما يدفعه مجموع المشتركين، دون أعباء تمويل أو فوائد أو ديون. وتكشف تلك الصيغ التمويلية عن تنوع وتعدد كبير في تمويل المشروعات الصغيرة كبير مقارنة بالتمويل التقليدي الذي يعتمد فقط على أسلوب الإقراض بفوائد فقط.

ويرجع د. عبد الحميد البعلي أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود أهمية التمويل الإسلامي للمشروع الصغير إلى حقيقة مفادها قدرة الاقتصاد الإسلامي على الإصلاح الحقيقي عبر أربعة ركائز هي تحفيز الإنتاج، وتشجيع الادخار، وترشيد الاستهلاك، والمدة الزمنية الكافية.

وتلك الركائز الأربعة تؤدي حال تطبيقها إلى تحقيق تنمية قاعدية لكل من المشروعات والأشخاص، وذلك بما يتلاءم مع منهجية الإسلام في الاقتصاد والتي تقوم على تصحيح وظيفة النقود، وتنوع وتعدد قاعدة الملكية، والزكاة ودورها الاقتصادي والاجتماعي، وتعظيم العنصر البشري وتدريبه، وأن الحلال والحرام أصل المكاسب والإنفاق.

ولعل السنوات الماضية شهدت تضاعفا في حجم عمل البنوك الإسلامية، بما يسمح لها بلعب دور أساسي في تمويل للمشروعات الصغيرة في الدول العربية والإسلامية، فقد بلغ عدد هذه البنوك في عام 2003 حوالي 285 مؤسسة، بدون اعتبار نوافذ البنوك التقليدية وشركات التأمين وصناديق الاستثمار الإسلامية، وذلك وفقا للمجلس العام للبنوك الإسلامية.

كما بلغت قيمة الودائع في عام 2001 ما قيمته 201.5 مليار دولار، بعد أن كانت 94.3 مليار دولار بنسبة نمو 28.4% في المتوسط، لكن هذه الودائع تراجعت في عام 2003 إلى 180 مليار دولار بحسب المجلس العام. ومما يزيد من أهمية دور هذه البنوك، هو ثقة الناس في التعامل معها، فتشير دراسة حديثة إلى أن دوافع ما بين 86 إلى 96% من العملاء في التعامل مع هذه البنوك هي إسلامية تلك المؤسسات المصرفية.

ملاحظات ومعوقات

غير أن هذا التصور النظري جابهه مشكلات واقعية رصدها عدد من خبراء الاقتصاد الإسلامي، وفي هذا السياق يشير د. عبد الرحمن يسري أستاذ الاقتصاد الإسلامي بمصر في دراسة له تقيم دور البنوك الإسلامية في تمويل المشروعات الصغيرة بمصر والسودان والأردن إلى عدة ملاحظات من أبرزها:

– اقتراب شروط التمويل الإسلامي للمشروعات الصغيرة على أرض الواقع من نفس شروط تمويل البنوك التقليدية التي تتعامل بالفوائد الربوية، ويرجع هذا إما لقيود البنوك المركزية في تلك الدول أو قناعة القائمين على التطبيق بالبنوك الإسلامية بما تعلموه في البنوك التقليدية، وعدم رغبتهم في تطبيق أساليب جديدة.

– عدم نضوج تجربة تمويل البنوك الإسلامية للصناعات الصغيرة، فالتخلي عن التمويل بالفائدة مجرد شرط أساسي أو ضروري للتمويل الإسلامي، ولكنه ليس كافيا، فلقد كان مفترضا أن تبذل البنوك الإسلامية جهدا أكبر لمساعدة صغار الصناع؛ لما في ذلك من آثار إيجابية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.

– عدم تعاون البنوك الإسلامية مع بعضها البعض لمواجهة مشاكل تمويل الصناعات الصغيرة، خاصة تطوير الممارسات العملية والأخذ بأفضل الأساليب في دراسة جدوى المشروعات الصغيرة وتنظيم تنفيذ عمليات تمويلها بأقل التكاليف.

– انخفاض الوعي المصرفي والتسويقي لدى أصحاب المشروعات الصغيرة، بالإضافة إلى غياب دراسات الجدوى الجيدة التي تحدد مدى إمكانية نجاح هذا المشروع من عدمه.

أيضا هناك معوقات عامة لدور هذه البنوك في تمويل المشروعات الصغيرة، من أبرزها اختلاف وسائل البنك المركزي المصرفية عن وسائل البنوك الإسلامية، فالعمليات المحظورة “المنهيات” على البنك المركزي والبنوك التجارية التقليدية هي لب عمل المصارف الإسلامية، فهذه الأخيرة تعتمد على مبدأ المشاركة بينها وبين العميل، فيما نرى أن المصارف الإسلامية لا يمكنها شرعا التعامل في العديد من أعمال المصارف التقليدية كالسندات والأذونات بمختلف أنواعها، وكذلك سقوف الائتمان التي تمثل عائقا هي الأخرى.

كما تواجه البنوك الإسلامية كذلك ما يسمى بـ”المعضلة الرباعية”، وتتمثل هذه المعضلة في السيولة، والربحية، والأمان، والتوافق مع الشريعة الإسلامية. وهذه المعضلة أصبحت هي التحدي الأكبر الذي يواجه المؤسسات المصرفية الإسلامية.

فضلا عن ذلك، فثمة ضعف في الهياكل الإدارية ومستوى التدريب والمعرفة داخل المصارف الإسلامية؛ وهو ما أدى إلى وقوع قصور داخل مؤسسات التمويل الإسلامية، كما أن تجربة التمويل تلك تواجه صراعات فكرية على المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية داخل المجتمعات التي وجدت بها، فهي تحظى بعاطفة لدى عامة الأفراد، ولكنها تواجه بمعارضة عنيفة من الصفوة في مراكز الحكم.

إيجابيات.. ومقترحات

ورغم هذه الملاحظات، فإن د. يسري يرى أن هناك جوانب إيجابية أبرزها على الإطلاق وجود بديل إسلامي للقروض الربوية التي تهمين على مجال المشروعات الصغيرة في منطقتنا العربية، كما أن البنوك الإسلامية تمكنت من تمويل تلك المشروعات بالفعل، دون الحصول على الدعم من أي جهة حكومية أو دولية كما هو الحال مع البنوك التقليدية. ويتساءل د. يسري: ماذا لو حصلت البنوك الإسلامية على مثل هذا الدعم؟ لا شك أن النتائج كانت ستصبح أكثر إيجابية.

ويظل أن على المصارف الإسلامية تطوير تعاملها مع قطاع المشروعات الصغيرة وهو ما يستلزم الأخذ بتوصيات أطلقها عدد من الخبراء والعلماء، ومنها: عمل دليل شرعي لتمويل المنشآت الصغيرة، وتحديد معايير لاختيار هذه المنشآت، فضلا عن وجود نظام للمتابعة والمراقبة، وتحديد جهة موثوق بها لإعداد دراسات الجدوى لكافة المنشآت الصغيرة، ووضع تأمين تعاوني إسلامي على عمليات التمويل.

كما أن الدكتور يسري اقترح على البنك الإسلامي للتنمية لعب دور كبير في النهوض بالمشروعات الصغيرة في بلدان العالم الإسلامي، وذلك من خلال ما يلي:

1. دعم البرامج الحكومية في الدول الإسلامية الأعضاء التي تستهدف تنمية الصناعات الصغيرة بالمشاركة بنسبة في تمويل هذه البرامج. على أن يكون الاسترداد على أقساط بعد منح فترات سماح طويلة نسبيا -خمس سنوات مثلا- وبعد التأكد من أن هذه البرامج مرتبطة بعملية التنمية الاقتصادية.

2. امتدادا لما يقوم به البنك الإسلامي للتنمية من تمويل لمشروعات بنية أساسية وتنميته للتقنية المرتبطة بالتنمية الاقتصادية في الدول الأعضاء، يعمل على تخصيص جانب من التمويل لصالح الصناعات الصغيرة التي تتركز نسبة كبيرة منها في الأقاليم الريفية وفي المدن الصغيرة.

3. فتح قنوات للتعاون مع البنوك الإسلامية التي دخلت فعلا في عمليات تمويل للصناعات الصغيرة في بلدانها وسجلت نجاحا، وذلك بهدف مساعداتها في توسيع نشاطها المصرفي في هذا المجال.

4. الإشراف على إنشاء صندوق لتنمية الصناعات الصغيرة في البلدان الإسلامية بتمويل مشترك من حكومات هذه البلدان والبنوك الإسلامية فيها، بالإضافة إلى الشركات والأفراد الراغبين، ويمكن أن يتم التمويل عن طريق إصدار صكوك إسلامية.


عبد الحافظ الصاوي (باحث اقتصادي مصري) – طارق الديلواني (صحفي أردني)