فن إدارة الصراع بين الزوجين : تشارك الزوجان في كل تفاصيل حياتهم، ومن الطبيعي أن تحدث الخلافات لأسباب عديدة، وعدم وجود خلافات ليس دليلًا على صحة العلاقة الزوجية، حيث يسعى البعض إلى علاقة مثالية، خالية من العيوب، لكن في حقيقة الأمر فالخلافات أمر طبيعي، ولا يخلو بيت من المشاكل، أما صفاء النفوس المطلق فيمكن الحصول عليه في الجنة، يقول سبحانه: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [الحجر: 47]. والمشكلة ليست في وقُوع المُشكلة؛ وإنما في تركها بلا حل.
عندما يبدأ الصراع في الحياة الزوجية يصل الأمر إلى حالة من التوتر تشبه الحرب، وقد يحدث الاعتداء بالسب، والعنف، وإن استمرت الحياة الزوجية، فسيكون استمرارها بكدر، فيتكوَّن جرَّاء ذلك سلوكان: أحدهما هجومي، والآخر دفاعي، وذلك استجابة نفسية في كثير من حالات الصراع.
بداية المشكلة خلاف، يتجه إلى جدل، ثم شقاق، فعناد، وأخيرًا يبدأ الصراع، وهو بداية التوتر، ويتجه إلى الإيذاء، وتنحية الطرف الآخر. فالخلاف أزمة، والجدال مفاوضة، والشقاق منحى بدون تفكير بصواب أم بخطأ.
هناك نقطتان يجب فهمهما عند إدارة هذا الصراع:
- النقطة الأولى: التركيز على الحل لا المشكلة، فالعقل لايمكن أن يُوجد الحُلول إذا كان تركيزه منصبًّا على المشكلة، ولأن التركيز السَّلبي يُنشِّط المشاعر السَّلبية التي بدورها تحجُب رؤية الحلول، ولا يعني هذا الكلام تجاهل المشكلة ذاتها، ولتوضيح هذا المعنى أعرض ما حدث لأحد المصانع الكبيرة في اليابان، حيث وجدوا أن عددًا من العبوات تكون فارغة، ولحل هذه المشكلة بدأوا في تصنيع جهاز أشعة للكشف عن العُلَب الفارغة، وخصَّصوا عاملًا لإزالة العبوات، فزاد في التكلفة المالية، في حين حدثت المشكلة في مصنع آخر صغير، قام المصنع بالتفكير في الحل، لا المشكلة؛ فاهتدوا إلى وضع مروحة صغيرة، فتطايرت العبوات الفارغة بسرعة، ولم يكلفهم الحل شيئًا؛ لأن التفكير كان مُنصبًّا على الحل لا المشكلة، عندما نُركِّز على الحل فإننا نُبدع، ونختصر، وعندما نركز على المشكلة فإننا نخلق مُشكلات أخرى.
- النقطة الثانية: يجب التركيز على السلوك الخاطئ بأنه هو المشكلة، ولا ينصبّ تركيزنا على الذات التي سبَّبت المُشكلة، فإذا ركَّزنا على نقد الذات فسنفقد الثقة في قدرات الشخص المقابل، وسيتملَّكه اليأس تجاه إيجاد حل مناسب للمشكلة، وينتهي بتوقع الفشل؛ لأنه قد يعتقد أنَّ ما قدَّمه هو غير نافع، وليس باستطاعته تقديم الأفضل، فهو لا يُخضع قُدراته لتقييم عادل بل لما تسلَّل إلى ذاته من تقييم غيره.
وفي المقابل فإنَّ نقد السلوك مجال رحب للإصلاح، وتعديل التصرفات، بحيث يكون ميزانًا نزن به تصرفاتنا، ونُعَدِّل سلوكياتنا ونُصحِّحها، ونصل إلى الحل بسرعة، أمَّا نقد الذات فإنَّه يُعيق المسيرة ويئد الحلول، ويُفضي إلى الفشل.
ويُوجِّهنا القرآن الكريم إلى أهمية نقد السلوك لا الذات؛ فلوط عليه السلام خاطب قومه وقال لهم: ﴿ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ ﴾ [الشعراء: 168]، فكان موقفه التبرؤ من سلوك قومه، ولم يتبرأ منهم، لم يُبغضهم؛ بل أبغض صنيعهم، فمن يُريدُ حلَّ المُشكلة يكون جُل تركيزه على الحل، وعلى نبذ السلوك الخاطئ، وهذا ما فعله لوط عليه السلام.
وفي توجيه قرآني آخر، بالتحديد في صراع ابني آدم، أراد هابيل قتل أخيه! (تركيز على الذات) بأنه هو المشكلة، فلإدارة الصراع، ولحل المشكلة بدأ قابيل في مفاوضة أخاه- والتفاوض من أحد أهم إستراتيجيات حل النزاعات-فأشار على أخيه بتقديم قربان (صدقة) لله سبحانه، فمن تُقبَل صدقته يُؤخذ قوله، قال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ } [المائدة: 27]، فعندما لم يُتقبَّل منه قتله، { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ } [المائدة: 30]، ورغم أن الصراع انتهى بالقتل إلا أنَّ هناك حلولًا قُدِّمت، ونوايا جميلة بُذلت لحل الصراع { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ } [المائدة: 28].
وهذه صورة أخرى لأحد الصراعات التي ذُكرت في القرآن الكريم تتجلى في قصة يوسف عليه السلام، فقد حكم أُخْوةُ يوسُف على أخيهم بالقتل؛ لأن التركيز كان مُنصبًّا على الذات، وخُفِّف الحكم من القتل إلى حل بديل، { أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } [يوسف: 9] حتى وإن تغيرت الطريقة فلا زال التركيز على الذات، فهم لم يفكروا في الحل، بل كان جُلّ تركيزهم على الذات، والتخلص منها، فلم ينجحوا في حل المشكلة، وأوجدوا مشاكل أخرى متعددة، كانوا في غِنًى عنها.
فلإدارة الصراع ينبغي أن نركز على الحل لا المشكلة، ويجب أن يكون تركيزنا على السلوك الصادر لا على الذات؛ وبهذا نستطيع إدارة الصراع في حياتنا بِشَكْلٍ صحيح.