أوجدنا الله – جل في علاه – في هذه الدنيا وأوجد فينا رغائبنا وشهواتنا وهدانا إلى طرقنا وسنَّ فينا الابتلاء وأمرنا بطاعته والدعوة إليه ونهانا عن معصيته والاستهانة بحدوده ، والمؤمنون في طريقهم أعينهم نحو طاعة الله وتصارعهم الشهوات الجامحة والرغبات الملهية .. وكان من فضل الله عليهم أن أهدى إليهم ذكره يستعينون به على طاعة الله ويستمسكون به في ظلمات الفتن وضد جبهات الباطل .. قال الله تعالى ” اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ” العنكبوت -آية ٤٥

فذكر الله رفيق المؤمن لا يفتر عنه في كل أحواله ومهما مرت به الظروف و نزلت به الكروب وواجه المتاعب كان ذكر الله له سنداً وعوناً وتسلية وفرجاً .

فذكر الله أكبر في مجابهة الظالمين والطغاة ، قال الله تعالى ” اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ” طه – الآيات ٤٢، ٤٣ . و ذكر الله أكبر في مواجهة العدو الزاحف ، قال الله تعالى ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” الأنفال – آية ٤٥

وذكر الله يمنع البوار والهلاك ويديم نعمة الله على أصحابها ، قال الله تعالى ” قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ” الفرقان – آية ١٨ ، فجعل الله عاقبة نسيانهم للذكر وإعراضهم عنه أن جعلهم قوماً لا يرجى منهم خير فكانوا كالبلد النكد ، قال الله تعالى : ” وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ ” الأعراف – آية ٥٨ .

وذكر الله أكبر في مواجهة الخوف والتهديدات والحشود والجموع ، قال الله تعالى ” الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ” آل عمران – الآيات ١٧٣- ١٧٤ .

إذا أحاطت بك الشهوات من كل الجهات فذكر الله خير ما تستعصم به في ضبطها .

إذا قوي داعي الهوى في نفسك فأعد له لساناً ذاكراً متفكراً يرجع الهوى خائباً بعد أن كان متسلطاً مستعلياً ، ” إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ” الأعراف – آية ٢٠١ .

ذكر الله هو دليل الاعتصام بالله ” وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ ۗ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ” آل عمران – آية ١٠١ ، فمن ذكر الله متفكراً غير غافل فقد اعتصم به ومن لم يذكره لم يكن من المعتصمين بالله .

ذكر الله يزيل الأدران عن قلب المؤمن ويقوي فيه الصلة بالله عزوجل ويؤسس فيه أدوات القوة في مواجهة الفتن والزلازل التي تملأ الدنيا فيستشعر معية الله ويشعر بسلطان الله مبسوط في نفسه ويشعر بهواه ضعيفاً منتكساً فيشعر وكأنه ملك الدنيا بأسرها عندئذ تتراخى همته في المنافسة على الدنيا وتصعد به في مدارج الآخرة لأنه أكثر من ذكر الله فطهره الله واصطفاه وجعل في قلبه فهماً وفرقاناً ويصدق هنا قول ابراهيم بن أدهم – رحمه الله – “لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف”.

والذكر المقصود ليس ذكر اللسان مع غفلة القلب إنما هو الذكر الذي تتضعضع له الجوارح ويتزلزل و يطهر به القلب ، قال الله تعالى : ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ” الأنفال – آية ٢ .

والذكر في حياة المؤمنين لا ينبغي النظر إليه كشعائر تعبدية تكميلية فقط دون النظر إليه كحاجة ضرورية في حياة المؤمنين ، به يعتصمون ويرتقون وفي الاستغناء عنه الضياع يعقبه الضياع والتيه في دهاليز الدنيا .

وشعائر الإسلام وأركانه نجد في جميعها أذكاراً والسنة تذخر بهذه الأذكار والمأثورات التي تناسب كل ظرف يمر به الإنسان فيجد فيها ملجأً وحصناً ، أحاطنا النبي – صلى الله عليه وسلم – بالأذكار من كل جانب وحصننا بحصن الأذكار في الشعائر والأركان وأمور الدين و الدنيا لكنننا نصر على أن نخرق الحصن ونهلك أنفسنا بالفرار والغرق في بحار الغفلة والسقوط في آبار الشهوات العميقة وذلك بالغفلة عن ذكر الله والتفكر فيها .

ذكر الله أكبر من كل أمر يلهينا عنه وهو أكبر من كل سلوة تنبسط فيها أساريرنا وهو أكبر من كل قول لا يعقبه نفع .. ذكر الله هو رفيق المؤمنين وأنيسهم وشعارهم .