الخوف شعور وفطرة طبيعية صفة من صفات الإنسان وهبها الخالق عز وجل لأعظم خلقه الإنسان، الخوف من المجهول شيء طبيعي، فمعظم الناس يهابون المجهول وما يحمله لهم المستقبل.
لو نبحث عن مفهوم للخوف، فقد نجد عدة مفاهيم، فالخوف شعور إنساني طبيعي كالحب والشهوة وغيرها من المشاعر، وقد خلق الله تعالى فينا هذه المشاعر لمصلحتنا كأفراد ومجتمعات بشرية، إذ لولا الشعور بالخوف على الحياة لم يراع الإنسان الحذر اللازم لاستمرار الحياة،وصار كالطفل الذي لا يحذر من النار، ولولا الشعور بالخوف على الرزق لما بذل الإنسان جهده في السعي الواجب للحصول على الرزق .
فالخوف شعور طبيعي، وهو لا يدل على نقص في الإيمان ( كما ظن البعض )، بل الخوف يشعر به حتى الأنبياء عليهم السلام رغم كمال إيمانهم .
وهناك الخوف من الموت بالذات شعور فطري وطبيعي فقد جاء في الحديث الشريف عن عبادة بن الصامت رضي الله عن النبي ﷺ أنه قال: ” من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ” .. فالمؤمن إذا حضره الموت بُشِّرَ برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وأما الكافر إذا حُضِرَ بشر بعذاب الله وعقوبته، فليس شيء أكره إليه مما أمامه ، فكره لقاء الله وكره الله لقاءه.
إن الإنسان مفطور على حب البقاء، فآدم عليه السلام عاش في الجنة التي فيها كل أنواع النعيم، فاستغل الشيطان فطرة حب الإنسان للبقاء التي أوجدها الله تعالى لدى آدم، فأغراه بالأكل من الشجرة لأجل الخلود.
ومن الطبيعي كذلك الخوف على الأهل والأحباب أن يصيبهم أَذى أو مكروه أو أن يعيشوا في ضنك من العيش، وذلك حباً فيهم وشعوراً بالمسؤولية تجاههم.
إذن لا توجد مشكلة بالشعور بالخوف، وإنما تكمن المشكلة في التصرفات التي تنبني على الخوف، ومن التصرفات الخاطئة التي يتسبب بها الخوف الزائد على الروح أو الرزق، تأييد الطغاة أو الظلمة والتزلف لهم خوفاً وطمعاً، وكذا الكذب طمعاً في المكافأة أو خوفاً من العقوبة، والهروب من مواجهة الباطل، و ارتكاب الباطل أو القبول بالذل لإرضاء الرئيس في العمل بسبب الظن بأن الدولة أو رب العمل هما اللذان يرزقان.
إن العلاج ليس بإلغاء الشعور بالخوف لأنه طبيعي، و لكن يكمن في منع التصرفات الخاطئة اتجاه الشعور بالخوف، وذلك بـ :
1- الفهم العميق لمعنى التوكل، وهو أن الحذر والسعي واجبان ، رغم أن الأجل محدد والرزق مكتوب، فنحن نحذر ونسعى لوجوب ذلك ، وليس لأن الحذر سيمنع القدر، أو لأن السعي هو مصدر الرزق فهو بيد الله تعالى.
2- الفهم أن الأجل محدد لكن كيف سنعيش إلى أن يحين ذلك الأجل متروك لبذل الإنسان في الغالب، فمثلاً قد يكون أجل الإنسان محدد بمئة سنة، لكن إلى أن يحين ذلك هل سيعيش مريضاً أم سليماً، صحيحاً أم ناقصاً؟ فهذا بيد الله تعالى ثم لجهد الإنسان، وليس لباقي البشر في الغالب، فيصبح الخوف الحقيقي من الله تعالى وليس أحد سواه سبحانه.
3- عدم المبالغة في حرص الأهل و الأولاد، فقد نهى الرسول صلى الله و عليه و سلم عن ذلك، كما جاء في معنى الحديث لما جاء الحسن و الحسين يسعيان إلى النبي صلى الله و عليه و سلم فضمهما إليه و قال: “إن الولد مَجْبَنَةُ” أي أن الولد سبب لجبن الأب، فإنه يتقاعد من الغزوات بسبب حب أولاده و الخوف من الموت عنهم، “مبْخَلَة” أي أن الولد سبب للبخيل بالمال، “مَجْهَلَة” لكونه يحمل على ترك رحلة العلم و جد في تحصيله، لاهتمامه في تحصيل المال لهم، “مَحْزَنَة” لكونه يحمل لأبويه الحزن إذا مرض سبب لهم الحزن، وإن طلب شيء لا قدرة لهم عليه حزنا .
4- الاقتداء بذوي الشجاعة في القديم والحديث، والابتعاد عن الجبناء الذين يزينون الخوف والجبن للإنسان .
5- طلب المشورة من الحكماء الصالحين، وخاصة عند التردد في لحظات الضعف البشري التي يمر بها غالبية الناس .
6- الإكثار من الدعاء لله تعالى والاستعانة به دوماً فهو الذي خلقنا فيعرف مداخلنا ومخارجنا، وما ينفعنا وما يضرنا، وما يضعفنا أو يقوينا، ولا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه.
لا أحد منا يعلم ما يحمله الغيب له، إنه مجهول، غير مُدرَك، لا يمكن لنا الإطلاع عليه، و الحقيقة الواضحة أن الواقع يتغير، ولا يدوم إلا الله عز وجل، فالأخذ بالأسباب والسعي الجاد للتطور نحو الأفضل والاجتهاد، لكن السر يكمن في بركة الله وتوفيقه والتوكل على الله بقلب نقي مطمئن لرحمته وحسن الظن به .