هو ذاك الحب الذي تنبعث آهاته من أَوْرِقة ودَوْحة وخَيمة عُشّ الزوجية… وذاك الكوخ الذهبي… هو ذاك الحب العظيم الذي يعد بَلْسَماً شافيا في الحياة…

هو ذاك الحب بمعناه الشمولي العاطفي الوفائي الرحيمي الذي ينطلق من شفاه الزوجين بعضهم لبعض…

إنه ذاك الحب وأي حب! الذي إن تأخر الزوج عن موعده… بدأت تَتَسارع نبضات قلب الزوجة المحبة العاشقة لحبيبها… لقد تأخر عن الموعد… لعل ما به بأس… فتمتد يدها المرتعشة لتأخذ الهاتف فتضغط على أرقامه لتتصل عليه… حتى يطمئن فؤادها الخائف… ولكن المسكينة كأنها تضغط على رقمين في آن واحد… فلا تحسن الاتصال… فيأتي الرد الرقم الذي طلبته غير صحيح… فتزداد نبضات قلبها في السرعة… وما درت الزوجة المحبة أنها أخطأت في الاتصال… هي هكذا حتى يلتقط الهاتف الرقم الصحيح فتعرف أن زوجها قد أوقف سيارته عند الباب وهاهو يَهِمُّ بالدخول وما أخَّره إلا زحمة الطريق… تخيَّل فرحتها به ومعانقتها له… والإكثار من حمد الله له على سلامته..!! لا تتعجب؛ إن هذا صحيح وواقعي في حياة كثير من الناس…

إنه ذاك الحب العظيم الذي يأسر اللسان… حتى تخرج منه كلمة عِطْريَّة فوَّاحة… شذاها يَعْبِق من بعيد (إني أحبك يازوجي الغالي) فيرد بابتسامة وضَّاءة: (وأنا أيضا أحبك يازوجتي الغالية…) تعلَّمها أيها الزوج فليست بصعبة… ولكن أثرها في نفس زوجتك كالماء القَرَاح عندما يشربه العطشان… تُشعل بها سَِرَاجا يكاد ينطفئ فتيله من الرياح الذي تمايله يمنة ويسرة… وتُحْيِّي بها آمالا تنتظر طريقها في المستقبل.

إنه ذاك الحب الرومانسي الصادق… الذي هو حب واحد في جسدين اثنين… إن توجَّع أحدهما توجَّع الآخر تِبَاعاً… فإن أحسَّ الزوج بالألم تحدثت ملامح الزوجة الوفية مباشرة وتلقائيا عن هذا الوجع… فيستطيع كلُّ من يعرف يقرأ ما على الوجوه الحزينة المحبة يقرأ ذلك بكل وضوح…

وكذا إن هي توجعت… تألَّم الزوج المحب لزوجته الوفية ساعتها… وبدا يَتحسَّس الألم في جسدها بيده ويَنْفُث عليها ويرقيها بكلام الله عز وجل… ثم يحملها حيث راحتها إن كان للمشفى أو للراحة حيث يسكن الألم…

أيها الزوج الكريم صدقني إن هذا صحيح ويحصل بين الزوجين كثيرا..

إنه ذاك الحب الذي فيه تتحمل الزوجة غياب زوجها لوقت ربما يطول كثيرا… وتحفظه في نفسها وفي ولده وفي بيته…

إنه ذاك الحب الذي يبعث على انشراح الصدر وسُلُّو الخاطر وانبساط الوجه عندما يلتقيان في وقت صافٍ لامكدر له… فيحلو الحديث الماتع…. وذكر الطرائف المسلِّية والألفاظ الرقيقة اللَّطيفة..

إنه ذاك الحب الذي إن أخطأ الزوج أو قصَّر في شيء من أمور الحياة؛ حملت الزوجة الوفية ذاك الخطأ أو ذاك التقصير محمل الخير والتماس العذر…

 ومن ذا الذي ترضى سجاياه

  كلها كفى المرء نبلا أن تُعدَّ مَعَايبه

وكذا إن هي قَصَّرت في شيء من أمور حياتها الزوجية؛ تلقَّى ذلك الأمر بصدر واسع للهفوة… ولم يعلُ له صوت… فلعلَّ لها عذرا وأنت لاتدري… فقد تكون مريضة لم تستطع إكمال عملها أو غير ذلك…

إنه والله ذاك الحب الذي يَتَراقص وسط فؤادين اثنين… زوج وزوجة جمعهما مظلَّة هذا الزواج الشرعي الإلهي… هنا في الدنيا وفي الآخرة بإذن الله…  

هو ذاك الحب الذي أتخيله كالشجرة السامقة تُظِلُّ بغصونها الوارفة مَنْ تحتها؛ من زوج وزوجة وأبناء وأهل… من لهيب الشمس الحارقة… وتُطْعِم بثمرها الحلو من تُظلّهم… حتى يَطْعَمُوا لذيذ الطعام… ويناموا في ظل ظليل… فتخيل معي من حُرِم تلك الشجرة؟

يقول الدكتور إبراهيم الدويش: الحب إخلاص وصفاء ونقاء… الحب عهد ورسالة ومبدأ… الحب ماء الحياة بل هو وربي سِرّ الحياة… الحب لذّة الروح بل هو روح الوجود… بالحب تصفو الحياة وتشرق الشمس ويرقص القلب… وبالحب تغفر الزلات وتقال العثرات وتشهر الحسنات.

ولولا الحب ما التفَّ الغصن على الغصن، ولا عطف الظبي على الظبية، ومابكى الغمام لجدب الأرض، ولاضحكت الأرض لزهر الربيع… ولا كانت الحياة.

ويوم ينتهي الحب تضيق النفوس… ويكون البغض والمشاحنة والمشاكل… ويوم ينتهي الحب تذبل الأزهار… وتُطلِّق النحلة الزهرة… ويهجر العصفور الأرض… ويغادر الحمام الغدير…

وأما البحر ففيه أسرار وأفكار وفيه الآم وأحلام… وإن كان البحر لاساحل له؛ فإن بحر الحب لاساحل له؛ فالحب الصادق بين الزوجين لاساحل له يبدأ بسنواته الأولى وينتهي في الجنة ، قال تعالى : } جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب { [الرعد: ٢٣ ] 

فالمودة بين الزوجين صلة بين مختلفين ليتكاملا، فيغدوان بالحب كالكائن الواحد، فالحياة الزوجية كائن حيٌّ يُولد ويحيا ويموت… وهذا الكائن يعيش ويتغذى من تفاهم عقلين وتعاطف قلبين وتجاذب جسمين…)

تقول أم راكان: (24سنة)  تزوج أخي فتاة أقلَّ من عادية في الجمال… ورغم أننا نعرف ذلك إلا أننا اخترناها له بسبب أخلاقها وأخلاق أهلها… وهي طيبة جداً ونعتبرها مثل أختنا إلا أن شيئاً كان يضايقها، وهو أننا – أنا وأخواتي على قدر من الجمال – وعندما تجلس بقربنا في المناسبات كانت تشعر بالإحراج مقارنةً بنا كما تقول… ولكني كنت أطمأنها وأقول لها: أنها تتخيل ذلك حتى لا تشعر بالخجل… وكانت تضطر للتزين دائماً إذا جلست معنا أمام أخي حتى لا يشعر بأنها أقل من أخواته كثيراً – كما تقول-

  وذات يوم كانت جالسة معنا – وأخي موجود – ونحن نتناقش بجدية حول ماذا سنلبس في زواج أحد أقاربنا، فقال أخي وهو جالس ببرود: “موضي” ستذهب معكم؟ فقلنا نعم، و “موضي” هي زوجة أخي، فقال: إذن ليس هناك داعٍ لأن تُتْعِبن أنفسكن وتَتَزيَّن، فإذا جلست معكن… غطى جمالها عليكن!!  فانفجرنا ضاحكين، بينما أحمر وجهها خجلاً… كنا نعتقد أن أخي يمزح، ولكنه كان جاداً فسكتنا احتراماً لها… وعرفنا حقاً كيف أن الإنسان إذا أحب شخصاً فإنه يراه أجمل الناس وإن كان أقلهم!! )

لم آت ببدع من القول… وإنما كان ذاك الحب ينبعث من بيوتات محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) فهاهو مع عائشة إذا أراد أن يلاطفها يناديها، ياعَائِشُ… بأسلوب يُسمى في اللغة الترخيم وهو حذف آخر الكلمة… ونحن قد نسميه التدليل…

إنه يتسابق معها(صلى الله عليه وآله وسلم) فيأمر الجيش فيتقدم… ثم يتسابق وإياها…

يجلس لترى الحبشة يلعبون في المسجد وتطيل الجلوس حتى تعلم حبها في قلبه… ويقرأ القرآن في حجرها وقبض (صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو في حجْرها…

كان آخر ريق تطعَّم به في الدنيا هو ريقها(رضي الله عنها) عندما ناولته السواك بعدما ليَّنَتْه له… (فعَنْ عَائِشَةَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)، قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)، فَقُلْتُ لَهُ: أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَأَعْطَانِيهِ، فَقَصَمْتُهُ، ثُمَّ مَضَغْتُهُ «فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)، فَاسْتَنَّ بِهِ وَهُوَ مُسْتَسْنِدٌ إِلَى صَدْرِي»( )

وفي صحيح مسلم (عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: كنت أشرب وأنا حائض ثم أناوله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيضع فاه على موضع فيَّ فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض ثم أناوله النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فيضع فاه على موضع فيَّ)( ) العرق: العُظيم عليه بقية من لحم، أتعرق: آخذ اللحم بأسناني.

قالت عائشة: (رضي الله عنها) كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يتكئ في حجري وأنا حائض فيقرأ القرآن)( ) إنها جلسة المودة والحب والعبادة…

وهو القائد العام للأمة في كل شيء في الحرب وفي السلم وفي الخطابة وفي الإصلاح بين الناس وفي كل شيء…

فإن قصَّرنا أو قصَّر بعضنا في شيء من ذلك ليس معناه أن تلك المعاني العظيمة من الحب والوفاء بين الزوجين صعبة المنال… وصاحب من تحقق بها نُدرة زمانه…

وقد كنا نسمع لأجدادنا وآبائنا لهم ومنهم القصص في ذلك… حب ووفاء وعطاء بلا حدود… يكبران ويكبر معهم هذا الحب حتى إذا قبض الله أحدهم؛ مرض الآخر ليس من عِلِّة به إلا فقد صاحبه، وليس ثمة وقت لايطول حتى يلحق به.

(عن عائشة (رضي الله عنها ) قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يخْصِف نَعْلَه، وكنت أَغِزِل، قالت: فنظرت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجعل جَبينه يَعْرقُ، وجعل عَرقه يَتَوقَّد نُوراً، قالت: فَبُهِتُ، قالت: فنظر إلي فقال: مالك بُهِتِ؟ فقلت: يارسول الله، نظرتُ إليك فجعل جبينك يعرق، وجعل عرقك يتولد نوراً، فلو رآك أبو كَبير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره، قال: وما يقول يا عائشة أبو كبير الهذلي؟ فقالت: يقول:

وإذا نظرت إلى أسِرَّة وجهه

بَرَقت كبرق العارض المتَهَلِّل

قالت: فوضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كان في يده، وقام إليّ فقبّل ما بين عيني وقال: جزاك الله يا عائشة خيرا، ماسُرِرتِ مني كسُروري منكِ)( )

همسة

الحب الرومانسي؛ هو ذاك الحب الذي تنبعث آهاته من أَوْرِقة ذاك الكوخ الذهبي….هو ذاك الحب العظيم الذي يُعدّ بلسما شافيا في الحياة…إنه ذاك الحب العظيم الذي يأسر اللسان…حتى تخرج منه كلمة عِطْريَّة فوَّاحة…شذاها يَعْبِق من بعيد (إني أحبك يازوجي الغالي) فيرد بابتسامة وضَّاءة: (وأنا أيضا أحبك يازوجتي الغالية…)