إن أمتنا الاسلامية اليوم تواجه تحديات جسيمة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتربوية وفي نظري إن التأثير علي هويتنا الاسلامية من خلال مايبث في الفضائيات او عبر شبكة الانترنت  هو أهم تحدٍ يلزمنا مواجهته لذلك نحن في امس الحاجة الي مسلم منسجم مع فطرته مدرك لسلوكه محافظ علي توازنه وفق معطيات المنهج الاسلامي لكي يستطيع مواجهة هذه التحديات .

من هذا المنطلق تكمن خطورة المفارقة بين الاقوال والاعمال تناقضا نراه علي مستوي الاسرة وعلي مستوي الدولة سواء بسواء

اب ينصح ابنه بانه يجب عليه ان يخفض صوته في حضرة امه وان يسمع لها ويطيع بينما هو يضرب زوجته التي هي ام اولاده  ان لم يجد الطعام حاضرا في موعده ومدير ينتقض موظفيه علي تباطؤهم في قضاء حوائج المواطنين بينما هو يمارس خلال وظيفته السلوك ذاته ورئيس يخطب في الناس عن الديمقراطية والحرية وافعاله قصف للمدن وحرق للارض وقتل للنفس  ورجل ينتقد السلطة علي ممارستها للاستبداد بينما هو لايشاور زوجته ولا يعتد برأي اولاده ولا يهتم بنصيحة زملاءه وجماعة رفاقه

ان المفارقة بين مايقوله انسان وبين ما يفعله ازدواجية اعتبرها الاسلام خداعا في السلوك الانساني وتلونا ذم الله تعالي به بعض عباده المؤمنين قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ) .

والمتأمل في ممارسات الناس اليومية يستطيع  ان يحصر لظاهرة ازدواجية السلوك سببين رئيسين اما عدم اقتناع حقيقي وصادق بما يقوله الانسان ويبشر به  بمعنى ان لسانه يناقض ما هو مقرر وراسخ في قلبه وهذا الحالة من الانفصام السلوكي حذر منها الاسلام في مثل قوله تعالى : ( وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا ۖ قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَّاتَّبَعْنَاكُمْ ۗ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ ۚ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) .

وإما انه مؤمن بما يقوله ويدعوا الناس اليه لكن ارادته ضعيفة امام الشهوات وهمته متدنيه امام الاهواء فلا يلتزم بما يقوله وقد حذر الله تعالي في كتابه الكريم من مثل هذه النمازج فقال تعالى : ( وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) .

وسواء كان سبب الازدواجية عدم اقتناع او ضعف ارادة فان كلاهما له اضراره علي مستوي الفرد حيث يفقد التناقض بين القول والعمل ثقة الانسان في نفسه فلا يستطيع ان يتحمل مسؤلية اي عمل يوكل اليه كالدعوة الي الله مثلا لانه يشعر ان ما يقوله لايطبقه علي نفسه فيمتنع عن التوصية  بمعروف او النصيحة بترك منكر فيحرم بذلك نفسه من الاجر ويحرم الاخرين من الارشاد علي مستوي المجتمع.

ما من مجتمع انساني الا وله مقومات ثلاثة تعارف وتفاهم وتكافل متي توافرت فيه كان متماسكا كالبنيان المرصوص فاذا ما ازدوجت السلوكيات فاصبح الرجل يقول في حق اخيه الغائب كلاما سيئا عنه وفي حضوره يقف له احتراما ويتواضع له ويلين بين يديه او يتقرب منه لأجل مصلحة شخصية فاذا ما انقضت ابتعد عنه كان لم يغن بالامس فحينئذ تنعدم الثقة بين افراد المجتمع الواحد وتهتز الصفوف وتمتلئ القلوب كراهية .

ان التناقض بين القول والعمل ظاهرة خطيرة حتي المشتغلين بالوعظ والتوجيه والتدريب وتنظيم حياة الناس وارشادهم من دعاة وكتاب ومفكرين لايسلمون من الوقوع فيها وكأنها فجوة في طريق مظلم ليس فيه مصباح منير وهذا غير صحيح فالاسلام قد بين معالم الطريق وارشد الي كيفية السير فيه كي لاتنزلق الاقدام وتنحرف عن الهدي المستقيم فلا تقولوا مالا تفعلون .