وعد الله تعالى عباده المؤمنين وعداً كريمًا وبشّرهم في عدة آيات أن يجازيهم على إيمانهم أكرم الجزاء وأحسنه فقد بيّن الله سبحانه أن الصدق معه في العبادة والتصديق بلقائه ووعده، والإحسان في عبادته، وتقواه تعالى أنّ كل ذلك من أسباب هذا الفضل العظيم فقال عز وجل في شأنه: { وَٱلَّذِی جَاۤءَ بِٱلصِّدۡقِ وَصَدَّقَ بِهِۦۤ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡمُتَّقُونَ • لَهُم مَّا یَشَاۤءُونَ عِندَ رَبِّهِمۡۚ ذَ ٰلِكَ جَزَاۤءُ ٱلۡمُحۡسِنِینَ • لِیُكَفِّرَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ أَسۡوَأَ ٱلَّذِی عَمِلُوا۟ وَیَجۡزِیَهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ ٱلَّذِی كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ} (الزُّمَرِ: 33-35).
قال ابن القيم رحمه الله: ” قال تعالى: {فإِذَا عزَمَ الأمْرُ فلَوْ صدَقُوا الله لكَانَ خيْرًا لهُمْ} ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل، فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله”. (الفوائد 266).
جزاء المحسنين
فتأمل أيها المؤمن وفقك الله هذا الوعد الجميل والثواب الجزيل الذي أعدّه تعالى للصادقين المحسنين المتقين، فقد بشّرهم ربهم بأن:
- لهم ما يشاءون عنده جزاء إحسانهم.
- ويكفّر الله عنهم أسوأ ما عملوا من السيئات.ثم بعد إزالة وحشة العمل السيء الذي فرط منهم تأتي البشارة الثالثة.
- وهي أن الله قد تفضّل عليهم بأن احتساب أجرهم على أحسن الذي كانوا يعملون، فيجعل ثواب أعمالهم على أحسنها وأكثرها ثواباً.
فوالله إنّ ذلك لهو غاية الجود والكرم والفضل العظيم!.
بشارة للصابرين
ثم ذكر تعالى هنا سبباً آخر لجوده وكرمه وعظيم إحسانه، وهو الصبر مع الإيمان والعمل الصالح، فقال تعالى: { مَا عِندَكُمۡ یَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقࣲۗ وَلَنَجۡزِیَنَّ ٱلَّذِینَ صَبَرُوۤا۟ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ • مَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَلَنُحۡیِیَنَّهُۥ حَیَوٰةࣰ طَیِّبَةࣰۖ وَلَنَجۡزِیَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُوا۟ یَعۡمَلُونَ } [النَّحۡلِ: 96-97]
- ففي هاتين الآيتين بشّر سبحانه الصابرين الذين عملوا الصالحات بجعّل ثواب أعمالهم على الأحسن منها كما سلف في الآية الأولى، وزادهم مع ذلك البشارة بالحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
- الموضع الثالث: بشّرهم الله أن يزيدهم من فضله مع تلك البشارات الكريمة فقال تعالى: { لِیَجۡزِیَهُمُ ٱللَّهُ أَحۡسَنَ مَا عَمِلُوا۟ وَیَزِیدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَرۡزُقُ مَن یَشَاۤءُ بِغَیۡرِ حِسَابࣲ}.[ النُّورِ: 38] فبشّر هنا بالزيادة على المجازاة بالأحسن، والرزق بغير حساب، فلا يُقدّر حده ولا يُحصى عدُه. قال سبحانه: { مَنۡ عَمِلَ سَیِّئَةࣰ فَلَا یُجۡزَىٰۤ إِلَّا مِثۡلَهَاۖ وَمَنۡ عَمِلَ صَـٰلِحࣰا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنࣱ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ یُرۡزَقُونَ فِیهَا بِغَیۡرِ حِسَابࣲ } . [سُورَةُ غَافِرٍ: 40]
- الموضع الرابع :في قول الله تعالى: { إِنَّ هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ یَهۡدِی لِلَّتِی هِیَ أَقۡوَمُ وَیُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱلَّذِینَ یَعۡمَلُونَ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرࣰا كَبِیرࣰا }.[سُورَةُ الإِسۡرَاءِ: 9] وقوله سبحانه:{ وَبَشِّرِ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ ٱللَّهِ فَضۡلࣰا كَبِیرࣰا }. [سُورَةُ الأَحۡزَابِ: 47] فأنّى للعبد الفقير الضعيف أن يشكر هذه العطايا الجزيلة والنعم الكبيرة من الرب الغني الكريم الوهاب؟!
- ثم تأتي هنا بشارة لصنف آخر،نال شرف التنويه به لاتباعه الذكر واهتدائه بالقرآن، واصطحابه الخشية من الله في السر والعلانية قال الله عزوجل : { إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ ٱتَّبَعَ ٱلذِّكۡرَ وَخَشِیَ ٱلرَّحۡمَـٰنَ بِٱلۡغَیۡبِۖ فَبَشِّرۡهُ بِمَغۡفِرَةࣲ وَأَجۡرࣲ كَرِیمٍ }[سُورَةُ يسٓ: 11].
فيا من استشعر هذه المنن العظيمة والبشارات الكريمة قابل هذه النعم ببذل غاية الجهد في تقوى الله وخشيته والإخلاص له سبحانه وشكره.
سبحانك اللهم وبحمدك، لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك.. اللهم إنّا نسألك كما هديتنا للإيمان أن تثبتنا عليه وأن تمنّ علينا بالصدق معك والإخلاص لك وتيسّر لنا العمل الصالح.
اللهم أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.