يقول الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) سورة النساء .
يأمر الله تعالى عباده المؤمنين بأداء مختلف الأمانات التي أمّنهم الناس عليها واذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، وفي السُّنَنِ : عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ { الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ . فَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ. وَرَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ } رَوَاهُ أبو داود وغيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وَالْقَاضِي اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ قَضَى بَيْنَ اثْنَيْنِ وَحَكَمَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَ خَلِيفَةً أَوْ سُلْطَانًا أَوْ نَائِبًا أَوْ وَالِيًا ؛ أَوْ كَانَ مَنْصُوبًا لِيَقْضِيَ بِالشَّرْعِ أَوْ نَائِبًا لَهُ حَتَّى مَنْ يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْخُطُوطِ . إذَا تَخَايَرُوا . هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ظَاهِرٌ. (انتهى من مجموع الفتاوى 28/254 – السياسة الشرعية) وقال في موضع آخر : وَكُلُّ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَهُوَ قَاضٍ سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبَ حَرْبٍ أَوْ مُتَوَلِّي دِيوَانٍ أَوْ مُنْتَصِبًا لِلِاحْتِسَابِ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى الَّذِي يَحْكُمُ بَيْنَ الصِّبْيَانِ فِي الْخُطُوطِ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ الْحُكَّامِ (18/ 170 ) .
قال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله تعليقا على كلام ابن تيمية : ومراده : أنّ الصبيان إذا تكاتبوا في ألواحهم ليظهر أيهم أحسن كتابة ، ثم عرضوا عليك خطوطهم ، لتحكم بينهم بإخبارك أي الخطوط أحسن ، فقد جعلوك قاضيا لهم ، وحاكما بينهم في هذه المسألة ، فيجب عليك العدل والإنصاف ؛ فمن حاف وترك العدل فقد دخل في مسمى القاضي المذموم المتوعد بالنار؛ كما أن من عدل وأنصف له نصيب من الوعد المرتب على ذلك . (انتهى من الدرر السنية في الأجوبة النجدية – الرقمية – المكتبة الشاملة (14/ 232) .
فإذا كان الذي يفصل بين الصبيان في الخطوط إذا تخايروا يعده علماؤنا حاكما وقاضيا ويدخل في حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القضاة الثلاثة ويجب عليه العدل والإنصاف وأن يتقي الله تعالى في ذلك !! فما بالك بالذي يفصل بين الشاكي وبين موظف الدولة سواء كان إمام المسجد أو مدرسا أو طبيبا أو غيرهم ، فيفصل بقراره الاداري بينهم ، فدخوله في الحديث من باب أولى وأحرى ، لذا فعليه أن يتقي الله تعالى وأن يلتزم آداب القاضي وشروط الفصل بين المتخاصمين ومتى تُسمع أو لا تُسمع دعوة المدعي؟ وغيرها . وأن يجعل قول الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135) سورة النساء ، وحديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن القضاة الثلاثة ، أن يجعلهما نصب عينييه .