هبة الرفاعي

 

اكتظت وسائل التواصل الاجتماعي على اختلافها بشتى التعليقات الباعثة على الضحك، وليس ذلك في أمر مضحك فكاهي، بل في بلاء يستشري في العالم كما النار في الهشيم، وقرار بالحجر المنزلي. وبدلاً من استغلال الوقت بما ينفع النفس، وجد البعض في الملهيات والمنكرات الأنس! بل وحث عليها. ولأن لنا في نبينا عليه الصلاة والسلام أسوة حسنة؛ لنستعرض بعض السنن المهمة، عسى لو طبقت بهمة أن يرفع البلاء عن الأمة وتنزاح هذه الغمة.

في زمن الحجر المنزل والتزام البيت فسحة، لأعمال كثيرة وعديدة، ولقد أكرمنا الله بإكمال ديننا، فليس هناك تفصيل من تفاصيل الحياة اليومية إلا وقد أرشدنا إلى خير آداء له، ولا ثغرة إلا وسدها وخطّ حدودها. ولعل أبسط ما قد يقوم به المسلم في رحاب منزله هو سنة أن يخدم نفسه وذاته، مخففاً في ذلك حملاً كبيراً عن أهل بيته، فنبينا الكريم، عليه الصلاة والسلام، وهو خير عباد الله وأكرمهم، لم يتوانى عن خدمة نفسه فكان كما روت أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، بشراً من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه.

ولو شاء من شاء أن يرتقي في سلم تطبيق السنن؛ فله أن يتجاوز خدمة نفسه ليخدم نفسه وأهل بيته، فالنبي صلّ الله عليه وسلم “كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة؛ خرج إلى الصلاة”. وقد يقول قائل: “آه، وهل عاد هناك خطى تخطو نحو المساجد!”. ومن قال أننا لا نستطيع إقامة الصلاة جماعة في لب بيوتنا؟ جامعين أهل البيت كباراً وصغاراً، رجالاً ونساءً. وأضف أن لو تعذر الذهاب إلى الصلاة؛ فإن لنا في زيادة السنن سلواناً، لم لا نصلي الضحى في أول نهارنا؛ ليكفينا الله آخره؟ أم لم لا نؤدي قيام ليلنا، قال تعالى في سورة الذاريات: {كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18)} .

لعل ربنا لو استغفرنا أن يرحمنا، ويرحم ضعفنا وعجزنا، أمام خلق من أدق خلقه، لا تملك أبصارنا حتى رؤيته!

قد تمر عليك هذه الفترة بعض أيام تشعر فيها بأن البيت راكد ساكن، وأشبه ما يكون بمقبرة، لا بأس، فلك أن تتبع حينها سنة قراءة سورة البقرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم قالَ: “لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقابِرَ. إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ”. هي أيام ثقال لا سبيل لتجاوزها إلا باللطف واللين؛ فلا يغفلن أحدكم عن حديث النبي عليه السلام:”خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي”. و “أهله” هنا تشمل الجميع، الكبير والصغير، فقد كان نبينا عليه السلام يداعب الصغير ويسأل “أبا عمير” عمّا فعل “النغير”.

ولابد لنا من أن نعرج على قضية الطعام، فلا بأس لكم أن تتمتعون وتأكلون وتشربون، شريطة أن تتذكروا ” وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ”. وأنه “ما عاب النبي صلى الله عليه وسلم طعاما قط إن اشتهاه أكله وإن كرهه تركه. فلا تثقلوا على أهليكم، ولا تكدروا لهم خاطراً بكثرة نقد الطعام والانتقاص ممن حضّره، كما لا تخزنوه بكميات مهولة ولا تتوجهوا لأبواب الأسواق حيث الزحام، ومخالطة أفواج الأنام، ضاربين بعرض الحائط تعليمات ولاة الأمر بالحجر الصحي، متهورين بصحتكم وصحة أهلكم، بل وكل المجتمع القاطنين فيه، ملقين بهم جميعاً نحو التهلكة.

ما كان هذا إلا غيض من فيض السنن النبوية، ولكم أن تستزيدوا وتكثروا، ويبقى على الدوام “الله أكثر”، كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، من جاء لنا ليهدينا إلى ما فيه صلاح حالنا، وراحة نفوسنا وبالنا، وخير دنيانا وآخرتنا. ولو تعذر علينا تطبيق سنن كثيرة وعديدة، فلنحرص في أدنى الأحوال على الاستغفار؛ ففيه ضرورة ما بعدها ضرورة، وقد قال الجليل في محكم التنزيل: “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ”. وورد عن عمر وعلي رضي الله عنهما أنهما قالا: “قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لله تعالى أمانين في الأرض أنا أولهما، والثاني الاستغفار، فاستكثروا من الاستغفار؛ فإنه أمان من النار”.