الأمور بمقاصدها قاعدة شرعية، من القواعد الفقهية الخمسة الكبار، يراد منها أن كل قول أو عمل إنما هو بالمقصد الذى يريد صاحبه أن يحققه، أو بالغاية التى يريد الوصول إليها من وراء قوله أو عمله. فإن تكلم أو تحرك فالعبرة من كلامه أو حركته بما يقصد أو يريد. وبعبارة أخرى أن تقاس الأعمال والأقوال بمقياس النوايا الحسنة أو السيئة للفاعل أو للقائل([1]).

وقد جاء فى مجلة الأحكام العدلية فى تفسير هذه القاعدة فى المادة الثانية، أن الحكم الذى يترتب على أمر، يكون على مقتضى ما هو المقصود من ذلك الأمر([2]).

وتأصيل هذه القاعدة من جهة الأدلة الشرعية، قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)([3]). وما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه قال: رجعنا من غزوة تبوك مع النبى صلى الله عليه وسلم، فقال (إن أقوامًا بالمدينة خلفنا، ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا فيه، حبسهم العذر)([4]).

التطبيقات العملية للقاعدة

توجد لهذه القاعدة الفقهية العديد من التطبيقات العملية فى المجالات الفقهية الجنائية، والمدنية، وكذلك فى مجال الأحوال الشخصية، ومن هذه التطبيقات ما يلى.

  1. من تطبيقات القاعدة فى مجال العقوبات:

القصاص، فإنه يتوقف على أن يقصد القاتل القتل، لكن الآلة المفرقة للأجزاء تقام مقام قصد القتل، لأن هذا القصد مما لا يوقف عليه، ودليل الشىء فى الأمور الباطنة يقام مقامه، ويتوقف على أن يقصد قتل نفس المقتول لا غيره. فلو لم يقصد القتل أصلاً، أو قصد القتل ولكن أراد غير المقتول فأصاب المقتول، فإنه لا يقتص منه فى شىء من ذلك بل تجب الدية، سواءً كان ما قصده مباحًا، كما لو أراد قتل صيد فأصاب إنسانًا محترم الدم. أو كان ما قصده محظورًا، كما لو أراد قتل شخص محترم الدم فأصاب آخر مثله([5]).

2. من تطبيقات القاعدة فى مجال المعاملات المدنية:

البيع والشراء والإجارة والصلح والهبة، فإنها كلها عند إطلاقها -أى إذا لم يقترن بها ما يقصد به إخراجها عن إفادة ما وضعت له- تفيد حكمها، وهو الأثر المترتب عليها من التمليك والتملك، لكن إذا اقترن بها ما يخرجها عن إفادة هذا الحكم، وذلك كإرادة النكاح مثلاً كانت نكاحًا، فيكون نقل المال من ذمة إلى ذمة أخرى مهرًا لأجل النكاح([6]).

3. من تطبيقات القاعدة فى مجال الأحوال الشخصية:

 ما أفتى به ابن تيمية رحمه الله، فى مسألة الطلاق المعلق، كمن يقول لزوجته إن فعلت كذا فأنت طالق، فإن الحكم ينبنى على قصده، فإن كان قصده من هذه الصيغة اليمين فحكمه حكم اليمين الذى يقع بصيغة القسم، إما إن كان قصده إيقاع الطلاق عند وجود المعلق عليه فيقع به الطلاق إذا وجد الشرط([7]).

وترجع أهمية هذه القاعدة إلى أنه من خلالها يُعلم أن أحكام الشريعة مبنية على علل وحِكم يجب الكشف عنها قبل تقرير هذه الأحكام، كما يجب الكشف عن مقاصد الشريعة فى جميع مسائل المعاملات التى تمثل النظام القانونى الإسلامى. ومن ناحية أخرى يمكن استثمار هذه القاعدة على حكم المستجدات الداخلة فى معناها والتوسع فى استنباط قواعد فرعية من تلك القاعدة لإمكان تطبيقها على فروع أخرى. ومن أهم القواعد الفقهية المتفرعة عن هذه القاعدة: قاعدة العبرة فى العقود بالمقاصد والمعانى لا بالألفاظ والمبانى، وقاعدة مقاصد اللفظ على نية اللافظ([8]).


([1]) مبادىء الفقه الإسلامى، يوسف قاسم.

([2]) مجلة الأحكام العدلية.

([3]) صحيح البخارى.

([4]) صحيح البخارى.

([5]) شرح القواعد الفقهية، أحمد محمد الزرقا.

([6]) شرح القواعد الفقهية، أحمد محمد الزرقا.

([7]) المهارة الأصولية، سعد الدين هلالى.

([8]) المهارة الأصولية، سعد الدين هلالى.