الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

هذه خاطرة وتأملات اكتبها لنفسي في البداية قبل بيانها للناس وهي عن واقع نعيشه لحظة بلحظة وزمن نقضيه من عمرنا المحدد في هذه الحياة، ألا وهو متابعة مواقع التواصل عبر أجهزتنا الذكية، فمهما أردنا الاستفادة والإفادة من خلالها إلا وتعترضنا منغصات باستمرار بسبب ما يُعرض في بعض الحسابات من مقاطع محرمة من صور مخلة أو موسيقى حتى الموضوعات التي تسيئ للإسلام وللعقيدة السليمة، أو من خلال الدعايات التي تأتي بين فينة واخرى والمرتبطة بتطبيقات التواصل، وكثير من تلك المشاهد قد يستسهل البعض أمرها، بل قد يصل الأمر على تداولها بعد مشاهدتها بذريعة أنها تتضمن فكرة بريئة وهادفة، أو أن فيها من المعلومات الضرورية التي تبيح المشاهدة وإعادة الإرسال وغض الطرف عما تتضمنه من مخالفات شرعية، متناسين قول الله تعالى: { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا } (الإسراء:36) فمعنى الآية وتفسيرها أن الإنسان مسئول عن سمعه، وعن بصره، وعن فؤاده، هل استعمله في طاعة الله، أو في محارم الله.

فالواجب على كل مسلم أن يصون سمعه عما حرم الله، وأن يصون بصره عما حرم الله، وإن خطر تكرار هذا العمل قد يجعله مألوفاً وغير مستهجناً، وهو ما قد يوقع المسلم في أمرين: فهو إما أن يكون قد أحل ما حرم الله إن كان يرى أن هذه المشاهد والكتابات مباحة لا شيء فيها , وإما أنه يصر على مشاهدتها رغم علمه بحرمة ذلك، ويصبح من باب الإصرار على الذنب الذي يجعل من الصغيرة كبيرة ففي استمراء المعصية بهذه السهولة دليل على الاستهانة بالله وأوامره والغفلة عن شدة بطشه وعقوبته ومكره بالظالمين.

وقد قال ابو حامد الغزالي عن إلف الناس بعضَ المعاصي بعد بغضها حتى تصل إلى كونها كأي مباح من المباحات “فإن مشاهدة الفسق والمعصية على الدوام تزيل عن قلبك كراهية المعصية، وتهوّن عليك أمرها، ولذلك هان على القلوب معصيةُ الغيبة لإلفهم لها، ولو رأوا خاتما من ذهب، أو ملبوسا من حرير على فقيه لاشتد إنكارهم عليه، والغيبة أشد من ذلك .

 فلا نستهين بما نعمل طوال العمر من هذه الأمور ونستصغر ذنوبنا فإن كل صغير وكبير مستطر وإن كان مثقال ذرة مدونة في سجل العبد  سوف نندم عليها يوم يقوم الحساب قال تعالى { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } (آل عمران: 30)، وما ينتح عن هذا الاستمراء من غضب الله والوقوع في كثير من الفتن ومرض القلب، فجاء عن النبي كما في الحديث: (تُعْرَضُ الفِتَنُ علَى القُلُوبِ كالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ سَوْداءُ، وأَيُّ قَلْبٍ أنْكَرَها، نُكِتَ فيه نُكْتَةٌ بَيْضاءُ، حتَّى تَصِيرَ علَى قَلْبَيْنِ، علَى أبْيَضَ مِثْلِ الصَّفا فلا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرْضُ، والآخَرُ أسْوَدُ مُرْبادًّا كالْكُوزِ، مُجَخِّيًا لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إلَّا ما أُشْرِبَ مِن هَواهُ) (أخرجه مسلم)

فيجب علينا المسارعة بالتوبة والإنابة إلى الله بالمحاولة في ترك هذه التطبيقات والمواقع وإيجاد حل للبديل عنها، وأن يكون هدفنا أن نصبح من المتقين الذين يحبهم الله قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلم يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ} (آل عمران:135-136)، اسأل الله العلي القدير أن يجنبنا المعاصي والفتن وان يرزقنا الهداية والإخلاص أنه سميع مجيب الدعوات.