كان أول الإسلام فى بيت النبوة، وأول الدعوة كانت فى بيت محمد عليه الصلاة والسلام ، وقد كان الذين يكونونه، وبلغوا حد الإدراك المميز للحقائق الدينية فى الجملة، هم هؤلاء الثلاثة خديجة بنت خويلد الزوجة الطاهرة الوفية الأمينة الحانية على زوجها وثانيهم على بن أبى طالب الذى كان فارسا، وهو الذى رباه النبي عليه الصلاة والسلام، وثالثهم المولى المخلص الذى أزال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عنه الرق، ورفعه إلى شرفه من ذؤابة قريش، حتى كان يقال زيد بن محمد حتى ألغى الله تعالى التبني، ولكنه ألغاه وزيد شريف بالإسلام والإيمان، وشريف بحريته واحترام نسبه الأصلي، الذى لم يرنق برق.

لقد آمنت خديجة منذ أن التقى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بروح القدس، جبريل عليه السلام، وعاد إليها يرجف فؤاده، وأخبرها ورقة بن نوفل بمكانة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه رسول هذا الزمان، وأنه لا نبى بعده.

امنت به منذ الابتداء، وكان إيمانها أمنا وسلاما، فقد كانت هي السكن الذى يأوى إلى ما فيه من رحمة وسط عنف المعارضة، وشدة المقاومة، وكما قال ابن هشام فى سيرته: «وازرته على أمره، وكانت أول من امن بالله وبرسوله، وصدق بما جاء به، فخفف الله تعالى بذلك عن نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم، لا يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له، فيحزنه ذلك، إلا فرج الله تعالى عنه بها إذا رجع إليها، تثبته وتخفف عليه، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس» رضى الله تبارك وتعالى عنها.

وإنها بذلك صارت لها منزلة فوق منزلة نساء الأنبياء أجمعين، بل صارت لها منزلة فى الذروة بين نساء العالمين حتى صارت ثالثة بين فضليات النساء فى الخليقة، وهى مريم العذراء التى خاطبتها الملائكة من السماء، وبضعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبضعتها، فاطمة الزهراء.

وقد أرسل الله تعالى لها تحية طيبة مباركة من السماء، فقد أمر الله تعالى نبيه أن يخبرها على لسان جبريل بأن الله تعالى يقرئها السلام، وروى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أمر بأن يبشر خديجة ببيت من قصب (والقصب هو اللؤلؤ المجوف) لا صخب فيه ولا نصب.

إنها أقامت بيتا للنبى عليه الصلاة والسلام فيه الهدوء والبركة والأمن والسلام يلقى فى خارجه غبار الصخب، وعناء النصب، فكتب الله تعالى لها بيتا فيه الراحة التامة، وفيه الرونق، وفيه الجمال، فيلتقى فيه جمال المنظر، بلطف الهدوء بعد اللغوب.

لقد أحست بمنزلتها عند الله تعالي، وخصوصا عندما أقرأها السلام بذاته الكريمة فقد ردت التحية فقالت مقال المؤمنة «الله السلام، ومنه السلام، وعلى جبريل السلام» فالتقى الإيمان الصادق، بالتنزيه لله، فجعلت الرد على جبريل، أما الله فهو السلام، وهو واهب السلام، فتعالت ذاته، ويقول فى التعليق على ردها شارح المواهب اللدنية «هذا من وفور فقهها، حيث جعلت مكان رد السلام على الله تعالى الثناء عليه، ثم غايرت بين ما يليق وما لا يليق» ومع كون هذا إدراكا سليما أقول إنه إحساس عميق وإيمان صادق بالله.