يحتاج المراهق للشعور بالاستقلالية في نفس الوقت الذي يحتاج فيه للشعور بالأمان والمتابعة، وهو ما يجعل تربية المراهق تتأرجح بين دفتي التفاوض والعواقب. فالتفاوض مع المراهق يعتبر دفة التحكم في مستقبل الأبناء.

أولا: التفاوض الفعال

التفاوض مع المراهق أو التفاوض الفعال عملية ذات طريقين، فهي تشجع كلا الطرفين على المشاركة في صنع القرار، وكذلك تمد كلا الطرفين (الآباء والمراهقين) بطريق لفهم بعضهما البعض، بما يتيح نمو العلاقة بينهما وحل أي خلاف.

التفاوض يساعد على خلق توازن معقول بين الأخذ والعطاء، فكل طرف يمكن أن يحقق مكاسب ويصل لبعض ما يريد عن طريق التفاوض، ويحدث التفاوض عندما يكون لدى كل من الآباء والمراهقين قدرة على تمييز الاحتياجات الحقيقية، ومصدر عدم ارتياحهم بوضوح وبانفتاح.

مراسي رحلة التفاوض 

التفاوض عملية مرحلية تتضمن مهارات أساسية: 

إعادة التفكير:

حاول فهم الموقف من وجهة نظر المراهق:

  • كيف يفكر ابني المراهق في هذا الأمر؟.
  • كيف يشعر في هذا الموقف تجاه هذا الأمر؟.
  • ما الاحتياج الذي يحاول الوصول إليه؟. 
  • بماذا كنت أشعر وأنا في مثل هذا الموقف عندما كنت مراهقا؟. 

إظهار العطف..

يمكنك أن تغضب دون أن تؤذي الطرف الآخر:

فكر:

  • هل يمكن أن أقول شيئا ما إيجابيا حول ابني في هذا الموقف على الرغم من مشاعري السلبية؟.
  • هل نبرة صوتي هادئة؟.
  • هل أتجنب النقد الجارح والاستهزاء؟.
  • هل يمكنني أن أستخدم حس الدعابة لأخفف من الموقف؟.
  • هل أركز فعليا في نقاشي وتعليقاتي على المشكلة وليس على الشخص (ابني)؟.

استخدام عباراتك بصيغة المتكلم “أنا” 

استخدم عبارات لتعبر عن الموقف: “أشعر… عندما… بدلا من “أنت… أنت…”، فقل: “أشعر بقلق شديد عندما تتأخر في الحضور ليلا” بدلا من “أنت ليس لديك إحساس بما يحدث لي عند تأخرك ليلا”.

الجملة الأولى تعبر عن مشاعرك أنت تجاه الموقف، أما الجملة الثانية فتشعر الطرف الآخر بالهجوم، وهو ما يعني حتمية الدفاع أو الهجوم أيضا من قِبَله.

محاولة الوصول لحل يحقق الارتياح لكل منكما 

أعلم أنك تستمتع كثيرا بصحبة أصدقائك، ولكني أشعر بالقلق الشديد عندما تتأخر ليلا، كيف يمكننا تحقيق الأمرين معا: صحبة أصدقائك، والأمان ليلا؟.

ولتصلا إلى ذلك قوما بتدوين كل الأفكار الممكنة:

– السهر داخل البيت.

– ذهابك لاصطحابه بعد جلسته مع الأصدقاء.

– العودة مبكرا.

واختارا الحلول المناسبة والمرضية نوعا ما لكل منكما لتربحا التفاوض.

بوصلات الإبحار في التفاوض

لتنجح في إدارة التفاوض مع المراهق راعِ البوصلات التالية:

  • – أخذ الوقت الكافي للتفكير في الأمر.
  • – الترتيب للنقاش بطريقة تضمن عدم المقاطعة.
  • – التواصل مع المراهق بوضوح.
  • – شرح موقفك للمراهق بهدوء وبساطة.
  • – الاستماع الجيد للمراهق، والتأكد من فهمك لوجهة نظره.
  • – الاستماع على خلفية عريضة من الاحترام والثقة المتبادلة.
  • – التروي في تمييز المشكلة وتحديدها بوضوح.
  • – الاجتهاد في البحث عن حلول من جهات عديدة.
  • – التعاون مع الطرف الآخر للوصول لحل يرضي الطرفين.
  • – الحفاظ على العلاقة؛ فلا تأمر أو تحاضر (إلقاء المحاضرات) أو تستحضر مناقشات قديمة، ركز على موقف التفاوض، وانسَ الخصومات القديمة.

نموذج لتطبيق ذاتي على مهارة التفاوض

بعد أن تعرفنا على مهارة التفاوض وأدواته وكيفية تطبيقه من خلال المقال السابق، حاول ممارسة هذه المهارة، واستخدم أدواتها في تخيل كيف يمكن أن تدير الموقف التالي مع ابنك: يريد ابنك المراهق الذهاب لرحلة، في حين أنه لديه العديد من الواجبات والمهام التي عليه أداؤها، كما أنك تقلق بشدة حال سفره، وهو ما يجعل الرفض أقرب إليك من القبول.

كيف تتفاوض:

  • 1. حدد المشكلة الحقيقية بالنسبة لك:
  • 2. حدد احتياج ابنك:
  • 3. عبِّر عن احتياجك وشعورك:
  • 4. اعترف بمشاعر مراهقك:
  • 5. فكرا معا في الحلول:
  • 6. اختارا معا الحل المناسب:

مثال عملي لموقف تدريبي على إدارة موقف تفاوضي:

بعد أن سجلت محاولتك لإدارة الموقف التفاوضي السابق، استرشد في تصحيح ما توصلت إليه من خلال الاطلاع على وقائع تفاوض أحد الآباء المشاركين في الدورة مع ابنك حول نفس الموقف السابق:

يقول الأستاذ عزيز العساوي في محاولة إدارة نفس التطبيق السابق:

1- الموقف:

يريد ابني الذهاب لرحلة، في حين أنه لديه العديد من الواجبات والمهام التي عليه أداؤها، كما أنني قلق بشدة حال سفره، وهو ما يجعل الرفض أقرب إليَّ من القبول.

 1-هذا الموقف هو صورة نفسية لحالة من الحالات التي نقع فيها، وهو ما يجعلني أقلق وأغضب، وابني يسعى لتحقيق حاجته، ويحتاج هذا الموقف إلى تفكير وتمحيص قبل البدء في التفاوض مع الابن والترتيب لنقاش فعال وتواصل أفضل، فالمشكلة الحقيقية بالنسبة لي تكمن في:

  • الخوف من طبيعة الرحلة، ومن نوع الأصدقاء فيها، ومن مكان الرحلة وبُعده…
  • الخوف من تصرف ابني، فليس له تجارب للخروج وحده أو مع الأصدقاء.
  • مشكلة مرتبطة بالواجبات والمهام، وهو ما يؤدي إلى إهمالها أو تأخيرها عن وقتها.

2- ابني يحتاج إلى:

  • الاستقلالية، والتعبير عن الذات.
  • الانتماء إلى جماعة الأصدقاء، وعمل علاقات جديدة.
  • الترويح والترفيه، واكتشاف المحيط والعالم الخارجي.

3- التعبير عن احتياجي وشعوري:

  • أشعر بقلق شديد في حال سفرك وحدك، ولمكان لا تعرف عنه شيئا.
  • يقلقني بشدة أن تلتقي بأصدقاء ليست لهم أخلاق طيبة، بينما أنت ما شاء الله أخلاقك جميلة، وتحافظ على واجباتك.
  • كم سأكون حزينا إذا لم تنجز واجباتك في وقتها، وسيمر عليك الوقت، ويتدنى تحصيلك.
  • لقد كنت مثلك عندما كنت في سنك، وتهاونت في أداء واجباتي، فيقلقني أن يحدث لك ما حدث لي.

 4- الاعتراف بمشاعر المراهق:

  • أعرف جيدا أنك تود الخروج في رحلة ترفيهية تتعرف فيها على أصدقاء جدد، وتقضي وقتا ممتعا، ولكن ألا ترى أن لديك واجبات ومهام تتطلب منك وقتا ومجهودا إضافيا؟.
  • أنت فعلا تحتاج إلى الترفيه والخروج مع أصدقائك، واكتشاف أشياء جديدة.

5- التفكير معا في الحلول.

  •  هذه من أهم النقاط التي يجب أخذها في الاعتبار في التفاوض مع الابن لإقناعه، وليشارك في الحل المُرضي له ولنا، ويبدو لي أنه يمكن أن يتم في مكان هادئ، مع إعارة الاستماع الجيد للطريقة الحوارية التالية:
  • أعلم أنك تود الاستمتاع برفقة أصدقائك والخروج معهم في رحلة، ولكن سأقلق بشدة إن لم تنجز واجباتك التي تحتاج إلى وقت وجهد كبير، ما رأيك أن تفكر في واجباتك أولا، ثم بعد ذلك نفكر معا في تنظيم رحلة لمدة يوم كامل لمركز الترفيه مع جيراننا في نهاية الأسبوع.
  • أشعر بحاجتك إلى الترفيه ومصاحبة أصدقائك في رحلة إلى…، ولكن عليك واجبات مهمة يجب أن تؤديها، ولو أننا فكرنا في شيء معا: حاول أن تدون حلولا بديلة، وأنا سأقوم باقتراح حلول بديلة أخرى، ثم بعد ذلك نتفق معا على ما يناسبنا جميعا، ما رأيك؟.

6- اختيار الحل المناسب معا:

هنا يبدأ المستوى الأخير من التفاوض، وهو الجلوس معا، وإطلاع كل طرف الآخر على مقترحاته والحلول البديلة، والاتفاق على حل يرضينا معا.

أرى أنك وجدت حلا يطابق الحل الذي اقترحته، ما شاء الله عليك، تفكير جيد، يبدو أنك مهتم بواجباتك ودراستك، وبعدها سنفكر في برنامج رحلتنا الأسرية في الأسبوع المقبل إن شاء الله.