قال الإمام الحافظ شمس الدين ابن قيم الجوزية رحمه الله ، في كلامه عن الجزاء من جنس العمل  :

لذلك كان الجزاء مماثلا للعمل من جنسه في الخير والشر … فمن ستر مسلما ستره الله ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة  ومن أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة ، ومن تتبع عورة أخيه تتبع الله عورته ، ومن ضار مسلما ضار الله به ، ومن شاق شاق الله عليه ، ومن خذل مسلما في موضع يحب نصرته فيه خذله الله في موضع يحب نصرته فيه ، ومن سمح سمح الله له ،  والراحمون يرحمهم الرحمن وإنما يرحم الله من عباده الرحماء ومن أنفق أنفق عليه ، ومن أوعى أوعى عليه ومن عفا عن حقه ، عفا الله له عن حقه ومن تجاوز تجاوز الله عنه ومن استقصى استقصى الله عليه فهذا شرع الله وقدره ووحيه ، وثوابه وعقابه ، كله قائم بهذا الأصل ، وهو إلحاق النظير بالنظير ، واعتبار المثل بالمثل “انتهى !

فمن رحمته وفضله سبحانه أن جعل الجزاء من جنس العمل ، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا ، قال تعالى { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ } [سورة الرحمن : 60]، فمن أحسن عمله أحسن الله جزاءه، وقال الله تعالى:  { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } [سورة النجم : 31]

كما أنَّ جزاء الذين أحسنوا الحسنى، فإنَّ عاقبة الذين أساءوا السوأى كما قال تعالى: { ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى} [ سورة الروم : 10]

وقد أوضح سبحانه في كتابه العزيز جزاء المحسنين وأنه أعظم جزاء وأكمله، فقال تعالى: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ سورة يونس : 26]، وهذه الآية فسرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بما رواه مسلم في صحيحه : عن صهيب- رضي الله عنه- بأنَّ الحسنى الجنَّة ، والزيادة النظر إلى وجه الله عز وجل .

ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك العمل الذي هو الإحسان من المناسبة ، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه جعل جزاءهم على ذلك العمل النظر إليه عيانًا في الآخرة .

وعلى العكس من ذلك الكفار الذين طُبع على قلوبهم ، فلم تكن محلاً لخشيته ومراقبته في الدنيا ، فعاقبهم الله على ذلك بأن حجبهم عن رؤيته في الآخرة ، قال سبحانه { كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [ سورة المطففين : 15]

ولمكانة الإحسان في الإسلام ، وعظيم منزلته ، نوَّه سبحانه بفضله في كتابه ، وأخبر أنه يحب المحسنين وأنه معهم ، وكفى بذلك فضلاً وشرفًا ، فقال سبحانه: { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [سورة البقرة : 195] .

وقال : { وَإِنَّ اللَّـهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } [سورة العنكبوت : 69]