قال الله تعالى : { وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بالغدو والآصال وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ } (الأعراف: 205 ) ، هذه دعوة من الله لعباده بأن يكثروا من ذكره على كل حال وفي كل وقت في السر والعلن، فعبَّر عن اختلاف الأحوال بالتضرع والخيفة، وعبر عن الوقت بالغدو والآصال، وعبَّر عن الكيفية بخفض الصوت وكونه دون الجهر من القول، ثم حذر الله من الصفة المقابلة للأمر وهي الغفلة.

وقد جاء الخطاب في الآية للرسول صلى الله عليه وسلم والأمة داخلة في الخطاب، وإنما خصَّ النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب تنبيهاً للأمة على فضيلة الذكر وشرفه، وأنه لا غنى لأحد ولو كان النبي عن ذكر الله، رغم شدة قربه ومكانته من الله، ومن ثَم فأفراد المسلمين أولى بهذا الأمر لما فيهم من التقصير والخطأ.

و في ذكر الغدو والآصال خاصة حكمة وفائدة: وهي أن المقصود أن يكون التسبيح مع الحركة، بحيث يربط الإنسان حركته في الحياة بخالقه سبحانه وتعالى؛ لأن الله هو خالق الأشياء، وهو الذي أودع فيها سرَّ استخدامها، ويَسَّرَ الانتفاع بها، فكأنَّ ذكرَ الله مع الحركة إليها استعانةٌ بخالقها على تيسير أمرها للإنسان في الحياة، لأن الأشياء تنفعل باسم الله ، ولهذا قال الله تعالى: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } الجمعة:10 .

لهذا ربط الله تحقيق الفلاح بالحركة والانتشار في الأرض مع الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، ولما كان الغدو دالا على الحركة والانطلاق ناسب أن يكون معه الذكر، لأن في ذكر الله عند الحركة افتقاراً إلى الله وتذكيراً للمسلم أنه من الله وبالله، فلا يغتر بما يحصله، ولا يتعالى بما يتعاطاه حينما يرجع في وقت الأصيل الذي هو ما بين العصر إلى غروب الشمس.

الدكتور عبد الخالق الشريف