اللغة ثم اللغة ثم اللغة، لماذا؟ لأنها الأداة الأكثر تأثيرًا في الفعل الإنساني. هل يمكننا القول بإن اللغة هي الفعل الأساسي والمعبر عن البشرية على مدار التاريخ ؟

نعم؛ فالخطاب اللغوي مهما اختلفت أساليبه وأغراضه وأهدافه إلا إنه في النهاية وسيلة تواصلية لأي قضية أو موضوع ما؛ لذلك كانت اللغة أداءة تواصلية عابرة لكافة الأشياء، سواء في عالم الإنسان أو غيره من المخلوقات .

اللغة فعل يستطيع الإنسان من خلاله ممارسة كافة ألوان الإبداع، ويمكن من خلالها الإعتراض والرفض لكافة مفردات الواقع .

من ذلك يبدو أن  ”  السؤال عن اللغة بمثابة السؤال في بُعدِها الرمزي و دلالاته المتعددة، و إذا كانت اللغة بوصفها ميزة إنسانية هي دلالات على وحدة الإنسان، فإن اختلاف الألسُن وتعدد مستويات الكلام هو ما يحيل على الكثرة فيه، فالإنسان من جهة كونه “حيوان رامز” على حد عبارة الفيلسوف الألماني (أرنست كاسيرير) يطمح إلى تشييد نظام رمزي يوسع من عالمه و يتسنى من خلاله بعدا جديدا و يتحد تحته من أجل تحقيق التواصل الإنساني في بعد الاجتماعي لاسيما وأن اللغة بنية رمزية نعني من خلالها العالم وهي تتوسط العلاقة مع الآخر إما وصلا أو فصلا حسب طرق توظيفها و تكشف وجودي للعالم ككينونة رمزية و وجود لغوي بحيث تتحول إقامة الإنسان من السكن في العالم الطبيعي إلى الإقامة في العالم الرمزي”[1]

اللغة أصبحت فاعل مؤثر ومحوري في كافة القضايا؛ فهي خطاب متعدد الأهداف والأغراض، اللغة يمكن لها أن تشكل وعي وتصورات عديد من الأفكار، اللغة هي الوعاء الوحيد الذي يمكن من خلال احتواء أي قضية والتعبير عنها .

فاللغة قد تكون وسيلة وقد تمارس سلطاتها علينا ونحن لاندري عندما تمارس عنادها وسلطاتها المتعددة التي تخرج من بنائها المفعم بالدلالة.

في ظل الرقمنة وتحول اللغة إلى أداءة فاعلة في العالم الرقمي، فإن اللغة يمكن أن تكون سلوكا إيجابيا أو سلبيًا يُمارِس سلطاته على الأجيال الصغيرة التي أصبحت وعاء لتلقي كافة ما يُلقَى عليها خصوصًا في الأمم المستهلكة – محل التجارب – .

إن الربط بين اللغة والسيكولوجي في ظل الرقمنة من المسارات التي لا يمكن الفصل بينها، فلا يمكن الفصل بين مخاطبة اللغة للعقل وبين تأثير تلك اللغة على العقل.

إن عقل الناشئة يواجه خطاب لغوي رقمي رهيب يعمل علي تشكيله وبناء مفرداته بصورة دقيقة في كافة الجوانب، قضايا سلوكية كالتوحد وتعديل السلوك والتخاطب كلها  نتاج لغة رقمية تفاعلت مع بنية العقل المسطح – الأبيض الفارغ – الذي لم يُنْقَش فيه أي شيء إلا هذه اللغة الرقمية. 

إذا كان هذا الواقع الذي يبدو من حولنا فإننا بحاجة إلى تحصين الأطفال والناشئة حيال الخطاب اللغوي الرقمي السلبي والخطأ الذي يسعى إلى هدم مجموعة من القضايا المهمة منها ما يتعلق بالقيم والأخلاق، ومنها ما يتعلق بالسلوك لدى هؤلاء الأطفال حيال أنفسهم وحيال المجتمع من حولهم .