نشرت الباحثة الأمريكية في علم النفس جين ماري توينج مقالة على مجلة الأتلنتك الأمريكية تتحدث فيها عن تأثير الهواتف الذكية المدمر على الجيل الجديد اليوم.
تقول توينج : إن المراهقين باتوا يحبون هواتفهم الذكية أكثر مما يحبون الأشخاص من حولهم، فضلًا عن اقترابهم من أزمة صحية عقلية باتت تهدد حياتهم بشكل فعلي، ناهيك عن حالات الانتحار والإحباط، وغيرها من الأعراض الناتجة عن استخدام الأجهزة الذكية.
يقضي المراهقون والشباب اليوم أوقاتهم على هواتفهم الذكية دون أن يسعون إلى الحصول على رفقاء لهم. وعلى عكس الجيل القديم الذي كان يمضي ليالٍ كاملة مع العائلة في القيل والقال والأحاديث المختلفة، يتحدث الجيل الجديد حصرًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تطبيق “سناب شات” الذي يتيح للمستخدمين إمكانية إرسال الصور والفيديوهات. يحرص الشباب اليوم على استخدام تقنية “سناب ستريك” التي تظهر لهم عدد الأيام المتتالية التي يتواصلون فيها مع بعضهم البعض. وفي بعض الأحيان، يرسلون لأنفسهم صورًا سخيفة للغاية ويشاركونها بين الأصدقاء بغرض الابتزاز.
أجريت لقاءات مع بعض الفتيات وصدمت لهذا الإدمان على استخدام الهواتف الذكية. قالت لي إحدى الفتيات وتدعى “أثينا” (13 عامًا) إنها أمضت غالبية أوقاتها في العطلة الصيفية لوحدها في غرفتها برفقة هاتفها الذكي، وأكدت لي أن كل صديقتها على المنوال ذاته. وقالت أيضًا: “لم يكن لدينا خيار لمعرفة الحياة دون أجهزة آيباد أو آيفون… أعتقد أننا نحب هواتفنا أكثر مما نحب الناس الحقيقيين.. إننا نتحدث إلى بعضنا البعض دون النظر إلى وجوه بعضنا… جل ما نفعله هو البحث في الهواتف”.
لقد أجريت أبحاثًا عن الاختلافات بين الأجيال لمدة 25 عامًا، ووجدت بأن خصائص كل جيل تختلف عن الجيل الآخر بشكل تدريجي وبسيط، إلا أن معتقدات وسلوكيات الجيل الحالي تختلف بشكل لافت للانتباه؛ فهو جيل فردي للغاية، غير قائم على مبدأ العائلة والجماعة على عكس الأجيال السابقة. لاحظت عام 2012 تحولات مفاجئة في سلوكيات المراهقين وحالاتهم العاطفية؛ فالكثير من الصفات العامة التي اتصفت بها الأجيال السابقة من عام 1930، اختفت في هذا الجيل. وجدت كذلك في أبحاثي أن المراهقين اليوم يختلفون في وجهات نظرهم حول العالم متأثرين باستخدامهم للهواتف الذكية، وبالكم الهائل من المعلومات التي يتعرضون لها بشكل يومي.
تحدثت إلى أعداد كبيرة من المراهقين ودرست سلوكياتهم ونزعاتهم الفردية، وأصبح من الواضح جدًا أن هنالك جيل تشكّل بالهواتف الذكية وبمواقع التواصل الاجتماعي. لنأخذ على سبيل المثال، الجيل الذي نشأ ما بين 1995 و2012، سنجد بأنه ترعرع على الهواتف الذكية، ولا يتذكر الأوقات التي سبقت الإنترنت. لم يدرك الناس في البداية الآثار الضارة للهواتف الذكية، ولكن بعد دراسات معمقة لسلوكيات المراهقين سيعرف العالم أضرارها على الصحة العقلية لهذا الجيل.
لقد غيّر الهاتف الذكي حياة المراهقين بشكل جذري في كل جانب من جوانب الحياة؛ من طبيعة تفاعلاتهم الاجتماعية إلى صحتهم العقلية. لقد أثّرت هذه التغيّرات على حياة الشباب في كل بلد وكل أسرة. أصبح جميع المراهقين يعيشون حياتهم كاملة على هواتفهم الذكية، الفقراء والأغنياء، في جميع الدول والمدن والضواحي والبلدات، ومن جميع الأعراق والجنسيات. الهدف من دراسة الأجيال لا يكمن في الحنين إلى الأجيال القديمة؛ بل يكمن في أهمية فهم الطريقة التي يعيش من خلالها المراهقون اليوم. بعض التغيرات عبر الأجيال شهدت جوانب إيجابية، وبعضها سلبية، إلا أن جيل المراهقين اليوم يواجه معضلة رئيسة؛ وهي أزمة الصحة العقلية برغم كل الإيجابيات.
المراهقون اليوم أكثر ضعفًا من الناحية النفسية مقارنة بالأجيال السابقة، فقد ارتفعت معدلات حالات الإحباط والانتحار منذ عام 2011، وفي هذا مؤشر واضح إلى اقتراب الشباب من أزمة عقلية ضحلة، والسبب الرئيس وراء ذلك هو الهواتف الذكية وفقًا للأبحاث والدراسات التي أجريتها وأجراها غيري من الباحثين. لقد أحدثت الهواتف الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي زلزالًا لم نرَ مثله منذ وقت طويل، وهنالك أدلة دامغة على أن الأجهزة الذكية بحوزة أبنائنا تجعلهم غير سعداء وتسبب لهم ضررًا جسيمًا.
جاذبية الاستقلال التي ميزت الأجيال السابقة أصبحت أقل إغراء بالنسبة لمراهقي اليوم، فقد أصبحوا أقل احتمالًا للخروج من منازلهم دون آبائهم، وقد أثبتت الدراسات الأخيرة هذا الأمر بالتفصيل. المراهقون اليوم أقل رغبة بالخروج لمواعدة الأصدقاء، على عكس الأجيال السابقة؛ فقد أصبحوا يفضلون الرسائل النصية والدردشة والمحادثات الإلكترونية على التفاعل الاجتماعي الميداني. ووفقًا لدراسة أجريت عام 2015 فإن 56% فقط رغبوا في الخروج من المنزل لمواعدة الأصدقاء.
ومن بين الآثار الواضحة لهذه التغييرات انخفاض نسبة العمل في صفوف شباب اليوم. لقد أظهرت الأبحاث السابقة أن المراهقين في الماضي كانوا يعملون بجد من أجل تمويل حرياتهم وشراء احتياجاتهم اليومية، وكانوا يعرفون حقًا قيمة الدولار، أما الجيل الجديد اليوم -وفقًا للأبحاث- فيظهر اعتمادهم على آبائهم في دفع المصاريف اليومية. المراهقون اليوم يستغرقون وقتًا أطول لتحمل مسؤولياتهم، ويبدو واضحًا بأنهم راضون جدًا عن بقائهم في بيوتهم برفقة هواتفهم الذكية بدلًا من الخروج من المنزل ولقاء الأصدقاء؛ فقد انخفضت نسبة الخروج من البيت بنسبة 40% من عام 1990 حتى عام 2015.
وبرغم أن الصغار اليوم يمضون أوقاتًا أطول في المنزل مع آبائهم، إلا أن الأبحاث تؤكد انخفاض نسبة صلتهم بأمهاتهم وآبائهم مقارنة بالأجيال السابقة. المراهقون يتواجدون في منازلهم طوال الوقت، لكنهم لا يتحدثون مع آبائهم، بل يفضلون الهواتف على الناس من حولهم. إنهم لا يكترثون بأفراد العائلة بقدر اهتمامهم بالمحادثات الإلكترونية.
ربما نعتقد للوهلة الأولى أن المراهقين يمضون كل هذا الوقت على هواتفهم الذكية لأنها تجعلهم سعداء، ولكن على النقيض تمامًا؛ فقد أظهرت كافة البيانات والتحليلات عكس ذلك. وقد أظهر بحث أجراه المعهد الوطني الأمريكي للإدمان على المخدرات، بأن هنالك علاقة طردية ما بين انخفاض نسبة السعادة وانخفاض الساعات التي يمضيها المراهق على هاتفه الذكي؛ إذ كلما زاد الفرد من استخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي كلما ازدادت تعاسته وإحباطه. وفي المقابل، كلما مارس الفرد نشاطات مختلفة بعيدًا عن الأجهزة الذكية، كلما ازدادت سعادته بنسبة الضعفين. وعلى المنوال ذاته، أثبتت الأبحاث بأن النظر إلى الشاشات الذكية يسبب الإحباط الذي يقود في نهاية المطاف إلى المرض العقلي والانتحار. لقد ارتفعت معدلات الانتحار منذ عام 1990، وازدادت بشكل أكبر منذ مجيء الأجهزة الذكية. تحوّل المراهقون إلى أشخاص لا يخرجون إلى الحفلات، ولا يمضون أوقاتًا مع أصدقائهم، بل باتوا يوثّقون صورًا على “إنستغرام” و”سناب شات” و”فيس بوك” لمجرد التوثيق، وهذا ما أدى بهم إلى الإحباط الشديد والاقتراب من أزمة صحية عقلية بعيدًا عن الحياة الطبيعية.
هنالك آثار أخرى مدمرة للهواتف الذكية؛ من بينها “البلطجة الإلكترونية” التي تتعرض لها الفتيات بشكل خاص، فيصبحنّ ضحايا للعلاقات الاجتماعية. تدرك شركات التواصل الاجتماعي تمامًا هذه المشاكل، ولكن حوافزها المعقدة تتجاوز المحددات الإنسانية. وقد أظهرت وثيقة مسربة من “فيس بوك” مؤخرًا بأن الشركة تمنح مطوري البرامج إمكانية قراءة المزاج العاطفي للمستخدمين، وبالتالي استهدافهم بإعلانات وفقًا لحالاتهم العاطفية.
وفي بحثي الأخير في جامعة سان دييغو، أدركت جيدًا بأن الهواتف الذكية سبب رئيس في الحرمان من النوم. قال المستطلعون إنهم ينامون وهواتفهم الذكية إلى جانبهم على الفراش أو تحت الوسادة، أو حتى في قبضة يدهم. كما يتفقد هؤلاء حساباتهم الشخصية مباشرة عند الاستيقاظ وقبل النوم وفي كل وقت، حتى في منتصف الليل. ووفقًا لنتائج البحث، تناقصَ عدد ساعات نوم الفرد بنسبة 22% من عام 2012 إلى عام 2015، وهذا في غاية الخطورة. لقد أصبح الهاتف كل شيء في حياة الفرد وهذا ما نسميه “الإدمان” الخطير.
إنني أدرك تمامًا بأن تقييد التكنولوجيا أمر غير واقعي أبدًا، ولا يمكن فرض القيود على جيل من الأطفال الذين اعتادوا على نمط واحد من السلوك وفي جميع الأوقات، ولكنني أدركت بنفسي مدى خطورة هذه التكنولوجيا على حياة أطفالنا؛ فقد باتوا يواجهون أزمة حقيقية في صحتهم العقلية وفقًا للبيانات والتحليلات كافة. ولكن لا بد من حثهم على استخدام هواتفهم بطريقة مسؤولة ومعقولة، ولا بد من غرس هذه المخاطر في أدمغة أبنائنا وتشجيعهم على الاعتدال في استخدام الهواتف الذكية. لقد تحدثت مع أبنائي الصغار ورأيت بصيصًا من الأمل في إدراكهم بأن مشاكلهم الشخصية الحالية مرتبطة بهواتفهم الذكية.