عادة ما تكون الشحنات الروحية والعبادات وبركات الصيام في شهر رمضان سببا في هدوء الإنسان وسكينته، فكيف فكيف بإمكانه الإلتزام بهذا الهدوء والمحافظة على هذه السكينة وعدم الانسياق وراء العصبية بعد رمضان مثلما كان في رمضان؟ ماذا يمكن فعله حتى لا يعود المسلم إلى الغضب بعد رمضان حتى وإن كان سريع الغضب لدرجة أنه يضايق من حوله بعصبيته المتكررة.

مما لا شك فيه أن الغضب مفتاح الشرور، ومدخل الشيطان، غير أنه ليس كل الغضب مذموم، بل إن منه ما هو محمود، ألا وهو غضب المسلم لله عز وجل، عندما تنتهك محارمه، وهي “غضبة لله.

وقد امتدح الله تعالى‏ أناسا كظموا غيظهم لله، فقال تعالى: ‏(والكاظمين الغيظ‏ ‏والعافين عن الناس‏ والله يحب المحسنين)،‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 134‏]‏. وجملة (كظم الغيظ) التي عبر القرآن الكريم بها عن عملية السيطرة على النفس أثناء الغضب تشير إلى أهمية كظم الغيظ أو الغضب ومنع استطالته وكبح جماحه، حتى لا يطفح.

وقد سجلت لنا كتب الحديث الكثير مما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الباب ومن ذلك:
1- قوله صلى الله عليه وآله وسلم: “‏من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء”‏‏.‏

2- وقوله للرجل الذي قال له‏:‏ أوصني، فقال‏:‏ ‏”‏لا تغضب‏”‏، فردد عليه مراراً، قال‏:‏ ‏”‏لا تغضب‏”‏‏.‏

3- وفى حديث آخر أن ابن عمر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا يبعدني من غضب الله عز وجل‏؟‏ قال‏:‏ ‏”لا تغضب‏”.

4- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏”‏ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
ومن المعلوم أن الناس من الغضب على ثلاث أحوال:‏ إفراط، أو تفريط، أو اعتدال، ولا خير في الإفراط أو التفريط، أما الاعتدال فهو الوسط المطلوب‏.

الناس في الغضب أربعة

وقسم بعض العلماء الناس من حيث الغضب إلى أربعة أنواع :

  • 1- بطيء الغضب بطيء الفيء (الرجوع).
  • 2- بطيء الغضب سريع الفيء.
  • 3- سريع الغضب بطيء الفيء.
  • 4- سريع الغضب سريع الفيء.

ألا إن أفضلهم (بطيء الغضب سريع الفيء)، وإن أقلهم فضلا (سريع الغضب بطيء الفيء).

وقد روى البخاري ومسلم رضي الله عنهما قالا: استبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدُهما يسبُّ صاحبَه مُغضباً قد احمَرَّ وجهُه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “إني لأعلمُ كلمةً، لو قالها لذهبَ عنه ما يجد، لو قال: أعوذُ بالله من الشيطان الرجيم.

وقال صلى الله عليه وآله وسلم لأشج بن قيس‏‏‏:‏ ‏”إن فيك خلقين يحبهما الله ورسوله‏:‏ الحلم والأناة”‏‏‏.‏ كما روي أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “ما كظم عبدٌ لله إلا مُلِئَ جوفُه إيماناً”.

أول العلاج الاعتراف بالمرض

إن أول بشائر العلاج أن يعترف المريض بمرضه، وأول شرائط التوبة أن يقر العاصي بذنبه، فجزا الله خيرا كل إنسان على اعترافه بذنب اقترفه، ونسأل الله أن يكتبه له في ميزان حسناته. وحتى لا يعود الغنسان لحالة الغضب بعد رمضان ننصحه بالآتي:

1-اللجوء إلى الله والاستعانة به على الغضب، بأن يتوضأ ويصلي ركعتين من دون الفريضة، ثم يرفع أكف الضراعة إلى الله في الليلتين الباقيتين من شهر رمضان، أو حتى بعد رمضان، ويسأله أن يصرف عنه هذا المرض (سرعة الغضب).

2-البعد عن الأماكن والأشخاص والمواقف التي تثير غضبه، قدر الاستطاعة.

3-تعويد النفس وحملها على الصبر، وتذكيرها بأجر الصابرين، والكاظمين الغيظ، والعافين عن الناس، فإن الإنسان لو بان له أجر ما يفعل لأقدم عليه بنشاط وجد.

4-المسارعة إلى الوضوء في حال وقوع الغضب؛ لأن الغضب من الشيطان والشيطان من النار، ولا يطفئ النار إلا الماء.

5-تغيير الحال التي يكون عليها لحظة الغضب، فإن كان جالسا فليقم وإن كان واقفا فليجلس وهكذا.

6-اعلم أن الوقت جزء من العلاج، فلا تتعجل وخذ نفسك الهوينا، وإن شاء الله ستتخلص من غضبك وستعود بفضل الله أكثر هدوءا.

7- في لحظات الرضا والهدوء اطلب من غيرك أن يتحملك لحظة غضبك، قل له إنك تعاني من هذه المشكلة، وإنك لا تدري لحظة الغضب بما تقول، واطلب منه أن يصفح عنك، وأن يساعدك على التخلص من هذا الوباء، وثق أنه سيساعدك وأنه لن يؤاخذك بعدها بما تقول في حال الغضب.

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يقينا شر الغضب، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


الاستاذ خالد روشه – 2010/09/16