نحن في هذه الحياة نحتاج إلى من تربطنا بهم علاقة تسمو على المصالح والمنافع، بحاجة إلى من نبث إليهم همومنا وشجوننا، وإلى من نأنس بهم، ونتمتع بمسامرتهم ولطفهم ومشاعرهم الدافئة، نحن في هذه الحياة في حاجة إلى من يقدمون لنا النصح والمشورة، ويطلعوننا على عيوبنا ونقائصنا، نحن في حاجة إلى من يتحمل أخطاءنا وهفواتنا، باختصار نحن في حاجة إلى من نستكمل به معاني إنسانيتنا، ونعيش بمساعدته حياة سعيدة وآمنة.

إنه الصديق والأخ في الله الذي تحدثت عنه كل الثقافات ووصفته كل الأمم. الصداقة أيها الإخوة والأخوات، أخذ وعطاء، وعلى مقدار ما نعطي نأخذ، ولا يمكن للصداقة أن تستقيم من غير تضحية، أي إنها تحتاج إلى فائض من الصبر والكرم واللطف، نقوم باستثماره فيها.

وقد أعجبتني النصيحة الثمينة التي قدمها الإمام الكبير محمد بن إدريس الشافعي إلى يونس بن عبد الأعلى في التعامل مع الصديق حيث قال: (( يا يونس إذا بلغك من صديق لك ما تكرهه فإياك أن تبادره بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن القه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا وإياك أن تسمًي له المبلِغ فإن أنكر ذلك، فقل له : أنت أصدق وأبر، لا تزيدن على ذلك شيئاً، وإن اعترف بذلك، فرأيت له في ذلك وجهاً بعذر فاقبل منه وإن لم تر ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك، فإن ذكر ماله وجه من العذر فاقبل منه، وإن لم تر لذلك وجهاً لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة، ثم أنت بعد ذلك بالخيار، إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أقرب للتقوى، وأبلغ في الكرم لقول الله ـ تعالى ـ : (( وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله )) فإن نازعتك نفسك بالمكافأة ـ أي مقابلة السيئة بمثلها ـ ففكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعدها ثم اندر ـ أي أسقط ـ له إحساناً بهذه السيئة ولا تبخس باقي إحسانه السابق بهذه السيئة، فإن ذلك هو الظلم بعينه، يا يونس إذا كان لك صديق فشد يديك به ـ أي حافظ عليه ـ فإن اتخاذ الصديق صعب وفراقه سهل.

هذه النصيحة الغالية والعظيمة لو عملنا ببعضها لما خسرنا الكثير من الصداقات.

والأصدقاء بعد ذلك درجات، والواحد منا في حاجة إلى صديقين أو ثلاثة من الدرجة الأولى وعشرة من الدرجة الثانية وعشرين من الدرجة الثالثة، وعدد كبير من المعارف الذين يبادلهم التحية والدعاء.