من شأن العبد أن يخطئ وتتسع دائرة الخطأ عنده بدءا من أصغر الصغائر إلى أكبر الكبائر، ومن رحمة الله تعالى بالخلق، وإحسانه إليهم أنه جل جلاله يفتح أبواب الرحمة والمغفرة، هذه الأبواب متسعة ومتعددة بعضها  أعمال وبعضها أدعية يطلب بها المسلم مغفرة الله تعالى وعفوه ومن هذه الأدعية ما جاء في حديث سيد الاستغفار، وسيأتي لفظه وشرح معانيه.

ومن هذه الأدعية ما جاء فِي ” الصَّحِيحَيْنِ ” عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو «أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي، قَالَ: قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» .

ومن أنواع الاستغفار أن يقول العبد: ” أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ “. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ قَالَهُ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ؛ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وفي كتاب عمل اليوم والليلة لِلنَّسَائِيِّ، «عَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ نَسْتَغْفِرُ؟ قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَتُبْ عَلَيْنَا، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ».

وفيه «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.» [جامع العلوم والحكم]

ويأتي في القمة من هذه الأدعية  قول النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ” قَالَ: «وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ» [صحيح البخاري]

كان هذا الدعاء سيدا للاستغفار لأنه جمع معاني التوبة وجمع بين حسن الثناء على الله تعالى والاعتراف من العبد بالضعف والحاجة وهذا أعلى درجات الاستكانة لله تعالى وطلب ما بين يديه من الخير، أورد الإمام البخاري هذا الحديث في فضل الاستغفار.

وللاستغفار فضائل كثيرة منها:

محو الخطايا وزيادة الأرزاق {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } [نوح: 10- 12]

{وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} [هود: 52].

وفي ” سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ ” قَالَ: النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «مَنْ أَكْثَرَ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ».

وتذكر للميثاق الذي بين الرجل و أهله  {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } [النساء: 20، 21]

  • في هذا الدعاء إظهار الضعف البشري وإقرار بالذنب لأننا نميل عن صراط الله تعالى المستقيم استجابة لنزغات الشياطين أو لداعي الهوى أو اتباعا لشياطين الإنس من رفقاء السوء أو سيرا مع ضغط العادات والتقاليد.
  • وفي قولنا (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)  اعتراف بالعجز عن القيام بحق الله تعالى، وإذا كان الخلق يعجزون عن الوفاء بحقوق خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم والمحسن إليهم في شأنهم كله والله تعالى يقبل معذرتهم  فما لنا لا يعذر بعضنا بعضا عند التقصير في الحقوق إن رائدنا في التعامل مع الناس قوله تعالى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]
  • (أعوذ بك من شر ما صنعت) يحتمي العبد بربه سبحانه وتعالى من شر ما جنت يداه من معاص تستجلب مقت الله تعالى وغضبه، فللسيئة شرورها التي تصيب صاحبها ومجتمعه والكون من حوله. {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [الروم: 41] {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ } [المائدة: 49]
  • (أبوء لك بنعمتك علي) إقرار بما لله تعالى من فضل وإحسان، فكل النعم الظاهرة والباطنة منه سبحانه، ليست من ذكاء الإنسان ومهارته، فكم من ذكي مقتر عليه في الرزق، وكم من صاحب ذكاء ضعيف مبسوط له في الرزق!
  • (وأبوء بذنبي) إقرار بالذنوب يكون سببا لمغفرة الله تعالى، قال الإمام ابن حجر: (يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مَنِ اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ غُفِرَ لَهُ وَقَدْ وَقَعَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ الطَّوِيلِ وَفِيهِ” الْعَبْدُ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَتَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ”) [فتح الباري]. هذا الاعتراف الذي يستكبر عن القيام به بعض الناس فلا يزالون يكابرون حتى يتفاقم الخطأ ويبتلعهم، وقد يقرون فيما بينهم وبين أنفسهم بما وقعوا فيه من أخطاءق، لكنهم لا يعترفون ابدا أمام الناس وهذا من جحد الحق، قال المناوي: إن اعتراف المرء يمحو اقترافه. . . كما أن إنكار الذنوب ذنوب.[فيض القدير]
  • (لايغفر الذنوب إلا أنت) ابتدأ الاستغفار بالثناء على الله وانتهى بالثناء على الله، فالله تعالى  واسع المغفرة، ورحمته جل جلاله وسعت كل شيء، بل إنه سبحانه وتعالى إذا رضي عن عبد أرضى خصومه الذين ظلمهم.
  • (من قالها حين يصبح) التكرار الذي يثبت المعاني في القلوب ويرسخها في النفوس، ويجعل من هذه الحقائق مسيطرة على السلوك الإنساني، وهذا الإعلان الذي يتكرر في الصباح والمساء يجدد في نفس المؤمن الالتزام بعهده مع ربه، ويحي في نفسه حسن الظن بالله تعالى أن ينال ما وعد الله تعالى به عباده الصالحين من العزة والنصر والتأييد والمعونة وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة.
  • (موقنا بها) اليقين فيما ندعو به وندعو إليه بعض الناس يحرك لسانه بكلمات من أعظم الكلمات لكن يقينه بها ضعيف أو غير موجود لذلك لاتجد لهذه الكلمات أثر في حياته ولا سلوكه اليقين الإيمان كله.

الاستغفار كما قدمنا يكون بالقول والفعل، فمن أساء للخلق عليه أن يرد الحقوق إلى أصحابها وأن يسترضي من أساء إليهم ويطلب من الله تعالى أن يطيب خواطرهم. نقل الإمام ابن الملقن عن أبي نعيم قوله: “الاستغفار يكفر الذنوب التي لا توجب على مرتكبها حكمًا في نفس ولا مال، وإن كان ذنبه من الكبائر، وأما من أوجب عليه في نفسه وماله حكمًا؛ لارتكابه ذلك الذنب، فالاستغفار لا يجزئه من دون إقامة ذلك الحكم والخروج منه” [التوضيح لشرح الجامع الصحيح]

ونبَّه الشيخُ شمس الدين الجَزَرِيّ على الفرق بين التوبة والاستغفار، بأنَّ التوبةَ لا تكون إلَّا لنفسه، بخلاف الاستغفار، فإنه يكونُ لنفسه ولغيره. وبأنَّ التوبةَ: هي الندمُ على ما فَرَطَ منه في الماضي، والعزمُ على الامتناع عنه في المستقبل. والاستغفارَ: طلبُ الغفران لِمَا صَدَرَ منه، ولا يَجِبُ فيه العزمُ في المستقبل.[فيض الباري على صحيح البخاري]

الاستغفار ليس عمل أصحاب الخطايا فحسب بل هو عمل الصالحين من عباد الله تعالى {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17- 18].