ولد جورج هيجل، المعروف بالنسبة لأهله وأصدقائه باسم فيلهلم  في 27 آب/أغسطس 1770 في  – شتوتغارت – ألمانيا،.

درس هيجل في مدرسة النخبة الابتدائية “جيمناسيوم أيلوستر” في شتوتغارت، ثم ذهب للدراسة في معهد مدرسة الفن في جامعة ” توبنغن Tübing” لأن والده كان يحثه دومًا وبإصرار على الانضمام إلى السلك الكنسي لكي يمون من رجال الدين المسيحي، لكن صداقته مع بعض الطلاب المؤثرين  مثل زميله ورفيقه   ” فريدريك .و .ج. فون شيلينغ ” دفعت به إلى اتخاذ منحى خاص به  جعله قادرًا على التركيز على  البحث والنظر في بعض المواضيع المختلفة و المتنوعة ؛ التي بدأها بالأفكار الدينية بالإضافة إلى  المواضيع الاجتماعية، لكنه  سرعان ما أخذت ميوله تتجه نحو الإصلاح التعليمي، فابتكر فكرة  بناء نظام فلسفي متقدّم دمج بين التاريخ والأخلاق والحكومة والدين معتمدًا على المثالية السامية لإيمانويل كانط والآراء السياسية لروسّو، وبدأ بنشر أبحاثه الفلسفية التي اخذت بعدا عالميا مازال تأثيره مستمر في الاوساط العلمية والفكرية إلى اليوم.

ورغم موسوعية هيجل وعمق تفكيره إلا إنه لم يتخلص من عنصريته  الأوروبية المتعالية على باقي الشعوب والاجناس بناء على تشربه روح سمو وعلو الجنس الأوروبي الذي يمتاز عن باقي الشعوب بنقاء الجنس وتفرد وتميز العقل المُنتج في هذا الجنس السامي!!!.. وهو ما اخذه هيجل من أفواه من درسه العلوم وما اطلع عليه من تراث مكتوب من أسلافه المؤسسين لهذه الفكرة  التي جمعت بين عقيدتي المركزية و العنصرية وأصبحت سمة ضرورية يجب أن يتحلى بها أي باحث أو مفكر ينتمي لهذه الثقافة غالبا.

وهو ما عبر عنه  بكل وضوح وبطرق مباشرة ودون مواربة في سياقات تقييمه للحضارات والشعوب التي لا تنتمي إلي القارة الأوروبية؛ دون أن يقدم قرينة إثبات ناهيك عن دليل دامغ على اتهاماته التي تفتقر إلى أدنى مبادئ القواعد العلمية التي يجب أن يتحلى بها باحث مبتدىء يشق خطواته الأولى في دراسة فلسفة العلوم وطرق البحث العلمي. ناهيك عن باحث له مكانة لا يدانيه فيها إلا القليل من الراسخين في الدراسات والبحوث في العلوم الانسانية ولكنها العنصرية المقيتة التي تعمي البصائر قبل الأبصار .

وهذه النظرة العنصرية المركزية جعلت ” هيجل ” يصف شعوب القارات الأخرى من الزنوج والهنود والصينيين بصورة سيئة للغاية، فعلى سبيل المثال يقول : “لا يوجد في شخصية الأفريقي ما يشبه الإنسان ويذهب إلى انعدام القيمة الإنسانية إلى أبعد حد، أو أن الصين لا تعرف الشعور بالكرامة . وعندما لا تكون الكرامة يطغى الشعور بالضعف، والتي تؤدي ببطء إلى النذالة، وتربط بهذه الدونية لا أخلاقية عالية لدى الصينيين، إنهم معروفون بأنهم سيخدعون كلما أتيح لهم ذلك، الصديق يخدع صديقه، ولا أحد يأبه به عندما يعلم بذلك الخداع، والمراوغة هي من الطباع الرئيسة للهندي، الذي هو منهزم  ووضيع وسافل في تقديم ذاته للمنتصر والسيد، وقاسِ تجاه المقهورين والمرؤوسين”. [1]

وهو ما دفع الاستاذ ” علي عزت بيجوفيتش ” ذلك المفكر المسلم الأوروبي الأصيل للرد على هذه التصريحات ويأتي عليها من قواعد أصولها الواهية بقوله : ” في هذه التصريحات عنصرية واضحة، أو على الأقل مركزية أوروبية . إذ كان الشعور الأخلاقي هو امتياز لبعض الأعراق والشعوب ، فيصبح غير ما هو في الحقيقة، الفرد هو الذي يوصف بأنه أخلاقي أو غير أخلاقي وليس الشعب ولذلك فإن كل تعميم غير مقبول”.[2]

ويقوم هذا الموقف الذي انطلق منه وبنى عليه الاستاذ “عزت بيجوفيتش ” على قواعد الإسلام التي ترفض التعميم الظالم والقائم على عقائق أو مواقف عنصرية استعلائية موروثة و مؤصلة عبر برنامج تربوي وتعليمي ممنهج وعن قصد واصرار مسبق يعتمد على وسيلتي الافتراء والازدراء.

فهذا المبدأ الذي اعتقده ” بيجوفيتش ” وجعل منه قاعدة علمية وعقدية راسخة تكونت لديه؛ جاء من خلال القواعد الشرعية الاسلامية التي تمثلت في  نصوص متعددة في أكثر من سورة من القرآن الكريم الذي هو دستور كل مسلم في كل زمان وكل مكان من مشارق الأرض ومغاربها، ويجب على كل مسلم التقيد بأوامره التي لا تفرق بين عربي أو هندي أو صيني أو أوروبي أبيض أو أفريقي أسود.

هذا المبدأ الذي يرفض تعميم أي حكم على الشعوب والأمم والأقوام ويدعوا إلي نبذ العنصرية أو التمييز بين البشر قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾[3]. ويقول رسول الإسلام (إذا كان يوم القيامة أمر الله مناديا ينادي: ألا إني جعلت نسباً، وجعلتم نسباً، فجعلت أكرمكم أتقاكم، فأبيتم، إلا أن تقولوا: فلانٌ بن فلانٍ خيرٌ من فلانٍ بن فلانٍ، فاليوم أرفعُ نسبي وأضعُ نسبكم، أين المتقون)[4]

ومن خلال ما سبق يمكن مناقشة  المنبهرين بالحضارة الغربية الأوروبية وادعائهم بأنها حضارة علمية عالمية في مدى تقبل هذه الحضارة للإنسان المغاير لها  في الدين أو العرق أو اللون إلا أن يكون إما مجرد تابع هجين أو عبارة عن شيء يمكن الاستفادة منه في مجال يرفعها ويمكن استغلاله فقط .

بينما نجد الحضارة الاسلامية واسعة الرحاب متنوعة الأعراق والألوان والأجناس قابلة للتأثير والتأثر فاتحة أبوابها لكل البشر ولا فارق فيها بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى والناس فيها سواسية كأسنان المشط؛ فهي حضارة علمية عالمية خيرها موصول لكل البشرية، ولا تؤمن بمفهوم المركزية العنصرية الاستعلائية المقيتة.


  1- فلسفة التاريخ هيجل

  2- هروبي إلى الحرية, علي عزت بيجوفيتش

 3 – الحجرات 13

  4- المنذري في الترغيب والترهيب 4/61 بإسنادٍ صحيحٍ أو حسنٍ