سورة الملك من السور المكية الخالصة، ومن السور ذات الأسماء المتعددة، قال الآلوسي: وتسمى “تبارك” و”المانعة” و”المنجية” و”المجادلة”. وذلك لما ثبت لها من فضائل كثيرة مأثورة من أحاديث النبي ﷺ. وسميت سورة الملك لافتتاحها بتقديس وتعظيم الله نفسه الذي بيده الملك- ملك السموات والأرض، وله وحده مطلق السلطان، والتصرف في الأكوان كيفما يشاء، يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويغني ويفقر، ويعطي ويمنع. وتسمى السورة أيضا «الواقية» و «المنجية» لأنها تقي وتنجي من عذاب القبر وتشفع لصاحبها . وكان ابن عباس يسميها «المجادلة» لأنها تجادل عن قارئها في القبر.
وكان نزولها بعد سورة «المؤمنون» وقبل سورة «الحاقة» .. وعدد آياتها إحدى وثلاثون آية في المصحف المكي.. وثلاثون آية في غيره.
مناسبتها لما قبلها
وجه تعلق هذه السورة بما قبلها من وجهين:
- وجه عام: وهو أن هذه السورة تؤكد مضمون السورة السابقة في جملتها، فالسورة المتقدمة تبيّن مدى قدرة الله وهيمنته وتأييده لرسوله محمد صلّى الله عليه وسلّم في مواجهة احتمال ظهور تآمر امرأتين ضعيفتين من نسائه عليه، وهذه السورة توضح بصيغة عامة أن بيد الله ملك السموات والأرض ومن فيهن، وأنه القدير على كل شيء.
- وجه خاص: وهو أنه تعالى ذكر في أواخر «التحريم» مثالين فريدين متمثلين بامرأتي نوح ولوط للكافرين، وبامرأة فرعون المؤمنة، ومريم العذراء البتول للمؤمنين، وهذه السورة تدل على إحاطة علم الله تعالى وتدبيره وإظهاره في خلقه ما يشاء من العجائب والغرائب، فإن كفر امرأتي نوح ولوط لم يمنع اتصالهما بنبيين كريمين، وإيمان امرأة فرعون، لم يضر به اتصالها بفرعون الطاغية الجبار العنيد، كما لم يزعزع إيمان مريم حملها غير المعهود بعيسى عليه السلام.
ما اشتملت عليه سورة الملك
سورة الملك كسائر السور المكية تعنى بأصول العقيدة الأساسية وهي إثبات وجود الله، وعظمته، وقدرته على كل شيء والاستدلال على وحدانيته، والإخبار عن البعث والحشر والنشر.
بدئت بالحديث عن تمجيد الله سبحانه، وإظهار عظمته، وتفرده بالملك والسلطان، وهيمنته على الأكوان، وتصرفه في الوجود بالإحياء والإماتة (الآيات: 1- 2) .
ثم أكدت الاستدلال على وجود الله عز وجل بخلقه السموات السبع، وما زيّنها به من الكواكب والنجوم المضيئة، وتسخيرها لرجم الشياطين ونحو ذلك من مظاهر قدرته وعلمه (الآيات: 3- 5) مما يدل على أن نظام العالم نظام محكم لا خلل فيه ولا تغاير.
ومن مظاهر قدرته تعالى: إعداد عذاب جهنم للكافرين، وتبشير المؤمنين بالمغفرة والأجر الكبير، وذلك جمع بين الترهيب والترغيب على طريقة القرآن الكريم (الآيات: 6- 12) .
ومن مظاهر علمه وقدرته ونعمه: علمه بالسر والعلن، وخلقه الإنسان ورزقه، وتذليل الأرض للعيش الهني عليها وحفظها من الخسف، وحفظ السماء من إنزال الحجارة المحرقة المدمرة للبشر، كما دمرت الأمم السابقة المكذبة رسلها، وإمساك الطير ونحوها من السقوط، وتحدي الناس أن ينصرهم غير الله إن أراد عذابهم (الآيات: 13- 20) .
وأردفت ذلك في الخاتمة بإثبات البعث، وحصر علمه بالله تعالى، وإنذار المكذبين بدعوة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وتحذيرهم من إيقاع العذاب بهم، وإعلان وجوب التوكل على الله، والتهديد بتغوير الماء الجاري في الأنهار والينابيع دون أن يتمكن أحد بإجرائه والإتيان ببديل عنه (الآيات: 25- 30)
والخلاصة: أن السورة إثبات لوجود الله تعالى ووحدانيته ببيان مظاهر علمه وقدرته، وإنذار بأهوال القيامة، وتذكير بنعم الله على عباده، وربط الرزق بالسعي في الأرض ثم التوكل على الله تعالى.
فضل سورة الملك
وردت أحاديث كثيرة في فضل هذه السورة، منها: ما أخرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن الأربعة :
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، عن أبي هريرة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إن سورة في القرآن ثلاثين آية شفعت لصاحبها، غفر له: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» .
ومنها: ما أخرجه الطبراني والحافظ الضياء المقدسي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «سورة في القرآن خاصمت عن صاحبها حتى أدخلته الجنة: تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» .
ومنها: ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس في تسمية سورة الملك بالواقية والمنجية، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر» (حديث غريب)
المصدر :
كتاب التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج المؤلف : د وهبة بن مصطفى الزحيلي الناشر : دار الفكر المعاصر – دمشق الطبعة : الثانية ، 1418 هـ