يطرح الإمام ابن القيم في كتابه “الروح” عدة مسائل تتعلق بموت الأرواح ولقائها، ويقدم إجابات على أسئلة عديدة حول هذه القضايا. في هذا المقال، نستعرض بعضًا من تلك المسائل التي تتناول لقاء أرواح الأموات بأرواح الأحياء في المنام، وهل تموت الأرواح كما تموت الأجساد، وما هو شكل الأرواح بعد الموت في عالم البرزخ. وقد حافظت على التسلسل الذي سار عليه الإمام ابن القيم في كتابه “الروح” حتى يمكن للقارئ أن يعود إلى النص الأصلي فلا يغني هذا الاستعراض عن قراءة الكتاب.

لقاء أرواح الأموات بأرواح الأحياء في المنام

ذكر الإمام ابن القيم في المسألة الثالثة من كتاب الروح أن تلاقي أرواح الأحياء والأموات في المنام تشهد له الأدلة الكثيرة، منها:

  1. الحس والواقع.
  2. ما نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما عند تفسير قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42]. وقد رجح ابن القيم أن النفس التي يرسلها الله هي روح الحي تعود إلى جسده في الدنيا حتى يحين أجله، وأن النفس التي يمسكها الله تعالى هي روح الميت.

كما قدم ابن القيم أدلة على تلاقي أرواح الأحياء والأموات، منها:

  • رؤية الحي للميت في المنام وسؤاله عن أمور فيجيبه الميت إجابة تطابق الواقع بإذن الله مثل:

1- أن يوصيه بعمل صالح وأن يدله على أفضل الأعمال عند الله.

2- معرفة سبب بلوغه المنازل العالية عند الله تعالى. وذكر أن سؤال الحي للميت عندما يلقاه في المنام أمر لا يستنكره فقهاء عصر ابن القيم ،لأنه ممكن الوقوع، ولا نُكذّب من يخبر بذلك إلا إذا كان في الرؤيا ما يخالف الأحكام الشرعية.

وذكر أخبارا عن من سأل الله تعالى أن يريه من مات لكي يسأله عن أمور يحتاج معرفتها.

ثم أجاب من لم تقبل نفسه بتصديق هذه المنامات لأنها غير معصومة، بأن دعاهم إلى تأمل حال من رأى ميتا فأخبره الميت بأمر لا يعلمه أحد إلا صاحب الرؤيا، أو حذره من أمر أو بشره بخير يقع مستقبلا، وأن هذا الأمر الذي يخبر به الميت وقع كما أخبر به الميت. وأن هناك منامات وأخبارا لا يحصيها العد وقعت للناس في الشرق والغرب وعلى مر العصور تدل على ذلك وأن الناس رأوا من ذلك عجائب.

وقد أشار ابن القيم إلى أن سؤال الحي للميت عندما يلقاه في المنام أمر لا يستنكره الفقهاء، لأنه ممكن الوقوع ولا يكذّب من يخبر بذلك إلا إذا كانت الرؤيا مخالفة للأحكام الشرعية.

ثم تناول ابن القيم أنواع الرؤيا وقسمها إلى:

  1. حديث نفس أو صورة يتخيلها النائم.
  2. رؤيا من الله.
  3. رؤيا من الشيطان.

وقسم الرؤيا الصحيحة إلى أقسام منها: إلهام من الله، عروج الروح إلى الله، دخول الروح للجنة، مثل يضربه الملك الموكل بالروح، والتقاء روح النائم بأرواح الموتى.

ويذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن للرؤيا الصادقة ملكاً يطلعه الله تعالى على الغيب المتعلق بصاحب الرؤيا أو غيره، فتارة يبشره بخير أو يحذره من شر يمكن أن يدفعه بالأسباب، وقد كانت هذه الرؤى الصالحة الصادقة سببا لتوبة الكثير من الخلق، أو دلالة على باب من أبواب الغنى، ودلل على ذلك بأدلة منها: رؤيا عبد المطلب جد النبي للكنز المدفون في زمزم.

هل تموت الروح كما يموت البدن؟

هذه هي المسألة الرابعة في كتاب الروح، ناقش ابن القيم انقسام العلماء حول مسألة موت الروح:

بعض العلماء يرون أن الأرواح تموت كما تموت الأجساد، مستدلين بقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} وقوله: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}.

أما الرأي الآخر فيذهب إلى أن الأبدان تموت والأرواح خلقت للبقاء، وموت الأرواح هو مفارقتها للأجساد، واستدلوا على ذلك بالأحاديث الدالة على نعيم الأرواح وعذابها  بعد الموت.

ويرى ابن القيم أن الصواب هو أن معنى موت الأرواح هو مفارقتها للأجساد وليس العدم، وهذا ما صرحت به النصوص من رد الأرواح إلى الأجساد.

وتساءل ابن القيم عن مصير الأرواح بعد النفخ في الصور وصعق من في السموات والأرض إلا من شاء الله، وذكر أقوال العلماء فيمن استثناهم الله تعالى من الصعق: الشهداء، الملائكة، أو الذين في الجنة والنار من الخزنة والمعذبين.

تمايز شكل الأرواح بعد الموت في عالم البرزخ

المسألة الخامسة: إذا انفصلت الأرواح عن الأبدان بالنوم أو الموت، فبماذا تتمايز؟ وهل تتشكل بشكل البدن الذي كانت فيه؟

يقول ابن القيم رحمه الله: “هذه المسألة لا تكاد تجد لها جوابًا في الكتب ولا سيما عند من يرى أن الروح مجردة عن المادة”. ويجيب بأن الروح ذات مستقلة عن البدن، وذكر عدة أدلة منها:

  1. أن الله تعالى سوى النفس {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } [الشمس: 7] كما سوى البدن {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7] بل تسوية البدن تابع لتسوية النفس فالبدن كالقالب بالنسبة للنفس، ولذلك تأخذ النفس من البدن صورة تتميز بها عن غيرها.
  2. خطاب الملك للنفس: “اخرجي أيتها النفس الطيبة” و”اخرجي أيتها النفس الخبيثة”.
  3. أرواح الشهداء في حواصل طير خضر: مما يدل على أن الأرواح تتحرك وتأكل وتشرب ولو بعد تمزق الأجساد.

ولمن يتعجب من تمايز الأرواح واختصاصها بحيث لا تشتبه بغيرها ، يزيل ابن القيم  رحمه الله هذا التعجب من خلال:

1- استدلاله بالواقع الذي يؤكد أن الأبدان تتشابه أما الأرواح فقليلا ما تتشابه.

2- ويستدل أيضا بأننا لم نشهد أجسام الأنبياء والصحابة ومن تبعهم من الصالحين ولكننا نعرفهم حق المعرفة بصفات أرواحهم التي قرأنا عنها في الكتب.

3- قد يتشابه بدن المؤمن والكافر والطائع والعاصي، وبين أرواحهما كما بين المشرق والمغرب.