يقصد بـ التعليل بيان أوجه الحكمة والمصلحة التي تترتب على أحكام الشريعة الإسلامية، وبما أن الأحكام في التشريع الإسلامي تستنبط في الأصل من نصوص الوحيين القرآن الكريم والسنة النبوية، كانت النصوص هي أساس جميع التشريع، والتعليل وسيلة للتوصل إلى الإرادات التشريعية من الأحكام وإظهار جدواها وبراهينها في الواقع.

التعليل وسيط مهم بين النص والحكم، بل طريق صحيح لفهم الشارع ومقاصده ممن وضع الأحكام للبشرية، لهذا السبب كانت عادة الشارع بيان الأسباب والغايات المتعلقة بسن الأحكام وتشريعها.

وتلك العادة التي استقرت عليها شرائع الإسلام من التعليل تشير إلى عدة حقائق من أبرزها:

التسهيل على المتلقي

أن التعليل يسهل على المتلقي امتثال الأحكام، فالمسلم يلتزم بالحكم ويسعى لتطبيقه حين يفهم الحكمة الكامنة وراء الحكم، مثل المرغبات التي تترتب على امتثال الأوامر الشرعية من الطاعات، يقول الله تعالى: (فَمَن كَانَ يَرۡجُواْ ‌لِقَآءَ ‌رَبِّهِۦ فَلۡيَعۡمَلۡ عَمَلٗا صَٰلِحٗا وَلَا يُشۡرِكۡ بِعِبَادَةِ رَبِّهِۦٓ أَحَدَۢا) [الكهف: 110]، ويقول كذلك:  (مَنۡ عَمِلَ صَٰلِحٗا مِّن ذَكَرٍ أَوۡ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ ‌فَلَنُحۡيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗۖ وَلَنَجۡزِيَنَّهُمۡ أَجۡرَهُم بِأَحۡسَنِ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ) [النحل: 97].

يعين العالم على الفهم

أن التعليل يعين العالم أو المجتهد على فهم النصوص الشرعية ونفسير دلالاتها من أجل الاستنباط منها للحكم المسكوت عنه، أو المنطوق الذي يحتاج إلى البيان، ويحصل من ذلك أن يسلم الاجتهاد من الخلل والأخطاء، ومن الإصرار على ظاهر الآيات دون تحري المعاني والحكم، فحيث إن فهم ظاهر الآيات متقدم في الرتبة على معرفة أسرارها ومقاصدها والعلل المستخرجة منها يقول الغزالي: “فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية كثر غلطه، ودخل في زمرة من يفسر بالرأي، وعلى هذا فلا بد إلى جانب اللغة العربية من السماع والنقل في ظاهر التفسير أولا ليتقي به موضع الغلط ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط [إحياء الدين: 1/291].

ولجانب من هذه الفوائد دعا القرآن الكريم إلى التدبر بل جعله مقصد التنزيل فقال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) [ص: 29]، والتدبر يقع بفعل التفكر والتعقل في معاني القرآن والبحث عن مرادها ومؤداها، يقول ابن عاشور: ” فجعل القرآن للناس ليتدبروا معانيه ويكشفوا عن غوامضه بقدر الطاقة فإنهم على تعاقب طبقات العلماء به لا يصلون إلى نهاية من مكنونه ولتذكرهم الآية بنظيرها وما يقاربها، وليتذكروا ما هو موعظة لهم وموقظ من غفلاتهم.”[1]

ويلاحظ أن القرآن الكريم يسلك منهجا واضحا في التعليل تأكيدا على مكانة التدبر حتى لا نكاد نجد قضية شرعية محورية إلا وأفصح عن أسباب وجود حكمها والعلل المرتبطة بها، بل يعد منهج القرآن الكريم في التعليل من أوضح المناهج وأحكمها وأبدعها، لم يفرق بين بيان العقائد وقصص الأولين، كما لم يسر في التعليل طريقا واحدا ولكن كان يغاير في الأسلوب والطرق، من وصف مرتب عليه الحكم، أو سبب رتب عليه الحكم، أو بيان الحكم بحرف من حروف التعليل، أو يذكر مصلحة الحكم في الأوامر، أو بذكر المفسدة التي تترتب على المنهيات[2].

ومن صور ذلك ما يأتي:

  1. أن يأتي التعليل وصفا مرتبا عليه حكما، فيفهم السامع أن هذا الحكم يدور مع ذلك الوصف أينما وجد، من ذلك قوله تعالى: ﴿‌ٱلزَّانِيَةُ ‌وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ﴾ [النور: 2] ويقول الله تعالى: ﴿‌وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ﴾ [المائدة: 38].
  2. التعليل بحرف السببية، حيث يذكر حكما مقروونا معه حرف من حروف السببية، نحو قوله تعالى: ﴿‌أُذِنَ ‌لِلَّذِينَ ‌يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمۡ ظُلِمُواْۚ﴾ [الحج: 39]، وقوله تعالى: ﴿‌فَبِظُلۡمٖ ‌مِّنَ ‌ٱلَّذِينَ ‌هَادُواْ حَرَّمۡنَا عَلَيۡهِمۡ طَيِّبَٰتٍ أُحِلَّتۡ لَهُمۡ وَبِصَدِّهِمۡ﴾ [النساء: 160].
  3. التعليل بأمر ويردفه بوصفه بأنه أطهر أو أزكى، من ذلك: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ ذَٰلِكَ ‌أَزۡكَىٰ لَهُمۡۚ﴾ [النور: 30].
  4. تعليل الحكم بحرف من حروف التعليل، ويدخل تحت هذا النوع صور كثيرة من التعليل بحروف التعليل وتتعد المثل: نحو قوله تعالى: ﴿رُّسُلٗا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ‌لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى ٱللَّهِ حُجَّةُۢ بَعۡدَ ٱلرُّسُلِۚ﴾ [النساء: 165]. ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا ‌لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ﴾ [الأحزاب: 37]، ومنه كذلك: ﴿وَصَلِّ عَلَيۡهِمۡۖ إِنَّ صَلَوٰتَكَ ‌سَكَنٞ ‌لَّهُمۡۗ﴾ [التوبة: 103]، وأيضا قوله تعالى: ﴿وَلَا تُطِعۡ كُلَّ حَلَّافٖ مَّهِينٍ ١٠ هَمَّازٖ مَّشَّآءِۭ بِنَمِيمٖ ١١ مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ عُتُلِّۭ بَعۡدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ١٣ أَن ‌كَانَ ‌ذَا ‌مَالٖ وَبَنِينَ﴾ [القلم: 10-14].

أما التعليل بالمصالح فذلك أن يأتي حكم وتذكر معه مصلحته للعباد، ومنه قوله تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ‌ٱلۡخَمۡرُ ‌وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [المائدة: 90]، وقوله تعالى: ﴿‌وَلَا ‌تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ كَذَٰلِكَ﴾ [الأنعام: 108].


[1]  التحرير والتنوير (23/252).

[2]  شلبي، محمد مصطفى، تعليل الأحكام (15).