يُقال إن “العين مرآة الروح”، غير أن ثمة أبحاثًا جديدة تشير إلى أنها قد تكون مرآةً للعقل كذلك. فقد توصلت بعض الدراسات والبحوث الجديدة إلى أن حجم حدقة العين يحدد مستوى الذكاء، وأن هناك ارتباطا مدهشا بين حجم حدقة العين وعدة مقاييس للقدرات الإدراكية والمعرفية لدى الشخص. وكأن هذه الدراسات تريد أن تبين كيف يكتشف الإنسان مدى ذكاء محدثه من عينيه.

نسمع أحيانا من يصف إنسان بأن عينيه بها لمعة، وعلى الرغم من أن من يقول ذلك يريد المبالغة أو شيء من هذا القبيل، إلا أن العلم كشف عن أنه يمكن بالفعل الاستدلال على مدى الذكاء من خلال النظر في عيني الإنسان، وقدم دلائل واضحة لذلك. فهل فعلا حجم حدقة العين يحدد مستوى الذكاء لدى الإنسان؟

إن كنت تفعل هذا يوميا فأنت من الأكثر ذكاء

وقالت وكالة “آنسا” الإيطالية أن حجم بؤبؤ العين يشير إلى مدى قوة القدرات العقلية لدى الإنسان، لذلك يعتبر حجم بؤبؤ العين مؤشرًا قويًا يمكن الاستدلال به على مدى ما يتمتع به الشخص من ذكاء، بحسب دراستها نشرتها الدورية العلمية “Cognitive Psychology”

وأجرى مجموعة من باحثي معهد  GIT دراسة على 512 فردًا أخضعوهم لسلسلة من الاختبارات الإدراكية لقياس مدى كفاءة قدراتهم العقلية مثل الذاكرة قصيرة المدى، كما قاموا بقياس قوة التفكير المنطقي والقدرة على حل المشاكل في مواقف مختلفة، وتبين وجود علاقة بين اتساع بؤبؤ العينين (المنطقة الملونة)، حيث كلما زاد اتساعه كلما زادت القدرات المعرفية والإدراكية أي كلما كان الشخص أكثر ذكاءً.

من حدقة عينيك أعرف مستوى ذكاءك

إن حدقات عيوننا لا تستجيب للضوء وحسب، بل تدلّ كذلك على الاستثارة أو الاهتمام أو الإرهاق الذهني أيضا، حتى إن اتساع حدقة العين مؤشر يستخدمه مكتب التحقيقات الفيدرالي لكشف محاولات التضليل، وحاليًّا تشير الأبحاث التي أجريناها في مختبرنا بمعهد جورجيا للتكنولوجيا إلى أن حجم حدقة العين يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفروق الفردية المتعلقة بالذكاء، فكلما ازداد حجم الحدقة، ارتفع مستوى الذكاء، وفقًا لقياسه بواسطة اختبارات الاستدلال والانتباه والتذكّر، ومن خلال ثلاث دراسات، في الواقع، تم اكتشاف أن الفرق بين حجم حدقة العين لدى الأشخاص الذين أحرزوا أعلى المعدلات في الاختبارات الإدراكية وحجمها لدى مَن سجلوا أدناها كان كبيرًا بما يكفي لرصده بالعين المجردة.

تم اكتشاف هذه العلاقة المدهشة لأول مرّة في أثناء دراسة للفروق في مقدار الجهد الذهني الذي يبذله الأفراد لإتمام المهمات المرتبطة بالذاكرة، حيث تم استخدام اتساعات الحدقة مؤشرًا على هذا الجهد، وهو نهج ساعد في تبسيطه للعامة عالِم النفس دانيال كانمان في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، عندما تم اكتشاف وجود علاقة بين حجم حدقة العين ومستوى الذكاء، لم يكن أحد من العلماء متأكدا مما إذا كانت هذه العلاقة حقيقية أم لا، أو حتى ما تعنيه.

وفي تقرير نشرته مجلة “موي إنتريسنتي muy interesante” الإسبانية، تقول الكاتبة سارة روميرو إن هناك عوامل عدة تؤثر في اتساع حدقة العين مثل مشاعر الدهشة والانبهار، أو تناول بعض الأدوية، أو طبيعة الإضاءة من حولنا، ولكن دراسة علمية حديثة أوضحت أن حجم الحدقة قد يساعدنا على تحديد نسبة الذكاء البشري.

وللإجابة على السؤال هل حجم حدقة العين يحدد مستوى الذكاء؟ خلصت الدراسة التي أجراها باحثون من معهد جورجيا للتكنولوجيا بالولايات المتحدة إلى أن الحجم الطبيعي لحدقة العين قد يكون مرتبطا بـ”الذكاء السائل” (fluid intelligence)، وهو القدرة على حل المشكلات والتكيف مع المواقف الطارئة دون الاعتماد على المعارف المكتسبة سابقا.

وتشير الدراسة إلى أن حجم بؤبؤ العين يرتبط ارتباطا وثيقا باختلاف درجة الذكاء بين شخص وآخر. يعني ذلك أنه كلما كان حجم الحدقة أكبر زاد معدل الذكاء، وهو ما خلصت إليه نتائج عدد من اختبارات التفكير والانتباه والذاكرة.

اهتمام علمي بكشف العلاقة بين العين والذكاء

أثارت هذه العلاقة اهتمام العلماء، ما دفعهم إلى إجراء عدة دراسات واسعة النطاق شارك فيها أكثر من 500 شخص من مدينة أتلانتا تتراوح أعمارهم بين 18 و35 عامًا، وتم قياس حجم حدقة العين لدى المشاركين بالاستعانة بجهاز تتبُّع العين، وهو جهاز يلتقط انعكاس الضوء عن حدقة العين والقرنية باستخدام كاميرا عالية القدرة وحاسب آلي، وعلى وجه التحديد، وتم قياس حجم حدقات المشاركين وهم في وضع الراحة في أثناء تحديقهم في شاشة حاسب آلي فارغة لمدة تصل إلى أربع دقائق، كان جهاز تتبُّع العين يسجل حجم الحدقة طوال هذه المدة، ثم تم حساب متوسط حجم الحدقة لدى كل مشارك، مستخدمين جهاز تتبُّع العين.

وتوخيا للإيضاح، المقصود بحجم حدقة العين هو قطر الفتحة الدائرية السوداء الواقعة في مركز العين، يمكن أن يتراوح هذا الحجم من مليمترين اثنين إلى 8 مليمترات تقريبًا، تحيط بالحدقة المساحة الملونة المعروفة باسم القزحية، وهي المسؤولة عن التحكم في حجم الحدقة، تضيق حدقة العين استجابةً لعوامل منها الضوء الساطع، لذلك تم ابقاء المختبر معتمًا عند التعامل مع جميع المشاركين.

في الجزء التالي من التجربة، أتمّ المشاركون سلسلةً من الاختبارات الإدراكية المصممة لقياس “الذكاء السائل”، الذي يعبّر عن القدرة على إيجاد حلول منطقية للمشكلات المستجدة، و”قدرة الذاكرة العاملة”، التي تعني القدرة على تذكر المعلومات لفترة من الزمن، و”التحكّم في الانتباه”، ويشير إلى القدرة على تركيز الانتباه وسط عوامل التشتيت والتشويش.

كان من نماذج اختبار التحكّم في الانتباه مطالبة المشاركين بمقاومة الرغبة في الالتفات إلى نجمة واضحة تومض في أحد جوانب شاشة الحاسوب والنظر بسرعة في الاتجاه المعاكس لتمييز أحد الحروف، يختفي الحرف في غضون ثوانٍ، لذا فإن مجرد طرفة عين نحو النجمة الوامضة قد تؤدي إلى تفويت ملاحظته، وتجدر الإشارة إلى أن البشر مهيأون للاستجابة للأجسام التي تمر عبر مجال رؤيتهم المحيطية -وهي قدرة سمحت لنا في الماضي بأن نرصد وجود الضواري أو الفرائس- لكن هذه المهمة تطلبت من المشاركين تحويل تركيزهم من النجمة الوامضة إلى الحرف.

لماذا أصحاب حدقة العين الكبيرة أكثر ذكاء؟

وهكذا تم اكتشاف أن كِبر حجم حدقة العين كان مرتبطًا بمستوى أعلى من الذكاء السائل والقدرة على التحكّم في الانتباه، في حين كان مرتبطًا بدرجة أقل بقدرة الذاكرة العاملة، الأمر الذي يشير إلى علاقة مذهلة بين الدماغ والعين، من المثير للاهتمام أن حجم حدقة العين كان مرتبطًا ارتباطًا سلبيًّا بالسن، فحدقة العين لدى المشاركين الأكبر سنًّا كانت عادةً أضيق وأصغر حجمًا منها لدى غيرهم، لكن باستبعاد عامل السن، ظلت العلاقة بين حجم الحدقة والقدرات الإدراكية قائمة.

ومع التقدم في السن، تميل الحدقة إلى أن تكون أصغر حجما وأكثر ضيقا، ولكن بغض النظر عن أعمار المشاركين، وجد الباحثون علاقة واضحة بين حجم الحدقة والقدرات المعرفية.

ومع ذلك، يقول مؤلفو الدراسة إن هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لاستكشاف أبعاد هذه النتائج وتحديد سبب ارتباط حدقة العين بالذكاء السائل.

لماذا يرتبط حجم الحدقة بالذكاء؟

للإجابة عن هذا السؤال، نحتاج إلى أن نفهم ما يجري داخل الدماغ، حيث يرتبط حجم الحدقة بنشاط في منطقة الموضع الأزرق، وهي عبارة عن نواة توجد في جذع الدماغ العلوي وتربطها بباقي أجزاء الدماغ روابط عصبية بعيدة المدى، يفرز الموضع الأزرق مادة النورإبينفرين التي تعمل كناقل عصبي وهرمون في الدماغ والجسم، كما تنظّم عمليات مثل الإدراك والانتباه والتعلُّم والتذكُّر، علاوةً على ذلك، تُسهم هذه المادة في المحافظة على التنظيم الصحي لأنشطة الدماغ بحيث تتعاون المناطق البعيدة في الدماغ معًا لتنفيذ المهمات والأهداف الصعبة، لذلك، ارتبط الخلل الوظيفي للموضع الأزرق، وما يترتب عليه من تدهور النشاط الدماغي المنظّم، بعدة حالات مرضية، منها داء ألزهايمر واضطراب نقص الانتباه مع فرط الحركة، في الواقع، يُعتبر هذا التنظيم للنشاط الدماغي من الأهمية بحيث يكرس الدماغ أغلب طاقته في سبيل الحفاظ عليه، حتى حينما لا نفعل أي شيء على الإطلاق، كوقت تحديقنا في شاشة حاسوب فارغة لمدة دقائق متواصلة.

تذهب إحدى الفرضيات التي تفسر هذا الارتباط إلى أن الأشخاص أصحاب الحدقات الأكبر حجمًا في وضع الراحة يتمتعون بقدرة أكبر على تنظيم النشاط الدماغي الذي يؤديه الموضع الأزرق، وهو ما يصبّ في أدائهم الإدراكي ووظائف أدمغتهم في وضع الراحة، ثمة ضرورة لإجراء المزيد من الأبحاث من أجل دراسة هذا الاحتمال وتحديد السبب وراء ارتباط الحدقات الأكبر حجمًا بمعدلات أعلى من الذكاء السائل والتحكّم في الانتباه، ختامًا، من الواضح أن العين تحمل في طياتها أسرارًا أكثر مما تكشف لنا.

وأثبتت نتائج هذه الدراسات أن أولئك الذين لديهم حجم حدقة أكبر حققوا أداء أفضل في اختبارات الانتباه والذاكرة والتفكير. ويشير هذا إلى وجود صلة قوية بين الدماغ والعين، وهو الأمر الذي يأمل الباحثون دراسته بصورة أعمق مستقبلا.