لئن تفاخرت الأممُ من حولنا بأيامها وأعيادها ، وسعادتها الموهومة ، فإنما هي تتخبّط في ضلال ، وتسعى في تيهٍ وانحلال ، ويبقى الحقُ والهدى طريق أمة محمد ، فالحمد لله الذي هدى أمة الإسلام سبيلها ، وألهمها رشدها ، وخصها بفضلٍ لم يكن لمن قبلها .

والأمة الإسلامية تستعد في هذه الأيام لاستقبال مناسبةٍ عظيمة من مناسباتها ، وهي عيد الأضحى المبارك ، وهو العيد الثاني في الاسلام

كما ثبت ذلك في حديث أنس رضي الله عنه : أن النبي  لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين ، فقال : ” كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما ، يوم الفطر ، ويوم الأضحى ” رواه أبو داود والنسائي.

وهاهنا وقفاتٌ إيمانية وتربوية  ، نذكّر بها أنفسنا وأهلنا وأولادنا :

فأولا : لا بد أنْ يَعلم الأهلُ والأولاد أنّ العيد شعيرةٌ من شعائر الإسلام ، وشريعةٌ من شرائعه ، ومظهرٌ من مظاهر العبادة لله تعالى ، تهاون به بعض الناس ، وقدّموا الأعياد المحدثة عليه ؟! فترى بعض المسلمين من يستعد لأعياد الميلاد ؟! وأعياد الأم ؟ وغيرها الأعياد المخترعة ، ويستعد هو وأهله وأطفاله لقدومها ، ويصرف الأموال لإحيائها ، وتوزيع الحلوى فيها ..

 أما أعياد الإسلام فلا يهتم لها ؟! بل ربما تمر وهو معرضٌ عنها غير ملتفتٍ إليها ؟! وهذا خلاف ما ذكر الله تعالى من صفات قلوب الصالحين وأحوالهم ، قال تعالى : ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب ) الحج :32. فتعظيم يوم العيد ، والاستعداد له ، بالغسل والطيب ، والملبس الجميل ، من تعظيم المسلم لدينه ، وأوامر ربه سبحانه وتعالى .

 ثانيا : يوم العيد ، يومُ فرحٍ وسرور ، وتوسعة على الأهل والعيال ، كما في قوله عليه الصلاة والسلام السابق : ” كان لكم يومان تلعبون فيهما ، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما ، يوم الفطر، ويوم الأضحى ” . وكان الحبشة يلعبون في مسجده عليه الصلاة والسلام بالحراب ، وهو ينظر إليهم ، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم من ورائه . فلا بأس بالألعاب المباحة ، والترفيه عن النفس ، البعيد عن المعاصي ، كالمعازف المحرمة ، والاختلاط بالنساء .

ثالثا : لا بد من العلم أنّ العيد الحقيقي ، ليس لمن لبس الجديد ، وتفاخر بالعدد والعديد ، إنما العيد لمن قام بالفرض والنفل لرب العبيد ، وخاف يوم الوعيد ، واتقى ذا العرش المجيد . وأن أعظم الفرح ، إنما هو بآداء الطاعات ، وتقديم القربات ، وحصول الرفعة في الدرجات ، وحط السيئات ، قال عز وجل : ( قُلْ بفضلِ اللهِ وبرحمته فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مّمَّا يَجْمَعُونَ ) يونس :58.

 رابعا : لا بدّ من المحافظة على الآداب الإسلامية في العيد ، والبعد عما حرّم الله تعالى في كل وقتٍ وحين ، فالعيد في الإسلام طاعة وقربة ، لا كما يتصوره البعض ، ركضاً وراء الشهوات ، أو حلاً لزمام الأخلاق ، أو تفسخاً على شواطئ البحر ، بل هو عبادة وطاعة من الطاعات . وليس العيد في الإسلام ، تركاً للواجبات ، ولا إتياناً للمنكرات ، بل هو استمرار ودوام على الطاعات لله تعالى .  وقد قيل : منْ أراد معرفة أخلاقَ الأمة ، فليراقبها في أعيادها.

 خامسا : في العيد تمتد مشاعر الإخاء إلى أبعد مدى ، حيث يبدو أهل الإسلام في العيد متماسكون متعاونون متراحون ، كأسرة واحدة ، تخفق فيه القلوب بالحب والود والبر والصفاء. وهو أيضا مظهر من مظاهر قوة الأمة ووحدتها .

وقد كان النبي يخالف الطريق يوم العيد . أي : يذهب من طريق ، ويعود من آخر ، لأجل تكثير السلام على أهل الطريقين ، كما ذكر أهل العلم .

سادسا : لا بد في العيد من البعد عن الأشر والبطر ، والفخر والخيلاء ، فمن الناس من تطغى عليه فرحة العيد ، ولبس الجميل والجديد ، فتنسيه واجبَ الشكر والاعتراف بالنعم ، والخضوع للمنعم ، وتدفعه إلى الزهو بالجديد ، والإعجاب بالنفس ، حتى يبلغ درجة المخيلة والتباهي ، والكبر والتعالي .

 وهو مما حذّر الله تعالى منه في كتابه فقال ( ولا تَمْشِ في الأرضِ مَرحاً إنك لنْ تخرقَ الأرضَ ولن تبلغَ الجبالَ طُولاً ) الإسراء : 37 . وقال ( ولا تَمْشِ في الأرضِ مَرحاً إنْ الله لا يُحبُ كلّ مختالٍ فخور ) لقمان : 18 .

 سابعا : لابد أن نذكر أنفسنا وأهلينا بإخوان لهم مسلمين في نواحي الأرض ، يأتي العيد عليهم ، وقد ذاقوا من البؤس ألواناً ، بعد رغد العيش ، وتجرعوا من الشقاء كؤوساً ، بعد وفرة النعيم ، فاستبدلوا الفرحة بالبكاء ، وحل محل البهجة الأنين والعناء ، فنسأل الله تعالى لهم العفو والعافية ، والفرج والرزق . ولا ننساهم بشيء من الصدقات والإحسان ، والدعاء بظهر الغيب .

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وفرج همومنا ونفس كربنا اللهم يسرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى إنك كريم رؤوف رحيم