اقرأ أيضا:
وللعامري عدد من المؤلفات -جلها مفقود وبعضها الآخر لم يزل مخطوطا- سردها في مفتتح كتابه (الأمد على الأبد) الذي دونه قبل وفاته بست سنوات، وهي تتوزع على النحو التالي:
وبالنظر في مصنفاته يمكن الاستنتاج أن العامري كان موسوعي الثقافة حيث صنف في فروع المعرفة المختلفة، ولم ينتهج نهج الفلاسفة في الاقتصار على العلوم الفلسفية وإنما جمع إليها الطبيعيات والإسلاميات، كما أنه عالج في كتبه قضايا فكرية ذات صلة بالواقع، وبعضها له صدى في عصرنا مثل قضية الصراع بين أهل الأديان، وعلاقة الدين بالعلم.
في كتابه الإعلام بمناقب الإسلام يحدد العامري الأديان التي يقارن بينها وعناصر المقارنة ومنهجه في التناول، أما الأديان التي وقع اختياره عليها فهي الأديان الستة التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وهي: ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة)، أما الأديان التي لم يرد لها ذكر في القرآن فلم يعتبرها، وهو ما يبرهن على انطلاقه من مرجعية إسلامية، وأما عناصر المقارنة فهي تشمل ما يسميه (أركان الدين) أي العناصر التي تشكل جوهر الدين والتي تشترك فيها جميع الأديان، وهي:
ولما كانت رؤية الدين لديه لا تقتصر على هذه النواحي الثلاث التي يتشكل منها وإنما يشمل التجليات التي أسفر عنها الدين في المحيط العام الذي طبق فيه، فقد شملت المقارنة أربعة عناصر إضافية هي: النظام السياسي، والنظام الاجتماعي، والنظام الثقافي الذي أنتجه، وكذلك الإسهام الحضاري لأتباعه.
ولا يكتف العامري بهذه العناصر وإنما وضع أسسا لضبط عملية المقارنة أثناء التناول، ومنها:
وإضافة إلى ما ذكره العامري فإننا يمكن أن نستنبط بعض خصائص منهجه التي لم ينص عليها، ومن أمثلتها: الالتزام بقواعد البحث العلمي الدقيق فهو يسعى من خلال المقارنة إلى الإجابة عن سؤال رئيس ألا وهو لماذا اعتنق الإسلام دون سواه من الأديان، وهو يدعو المسلمين إلى التفكر في شأن الدين وألا يرث المسلم دينه بل يختاره عن يقين وإيمان، والغاية من وراء المقارنة إثبات أفضلية (أشرفية) دين الإسلام عن بقية الأديان، وهو بهذا لا يخفي تحيزه وقناعاته وإنما يضبطها بقواعد صارمة لا تميز بين الإسلام وغيره وهو ما يجعل من النتائج التي يتوصل إليها موضوعية إلى حد بعيد، وهو يفتتح كل فصل بمقدمة نظرية تلخص مضمونه ثم يشرع في تناول البحث منتقلا بذلك من العموم إلى الخصوص، ويورد الأمثلة عند كل نقطة ليتضح مقصود كلامه ولا يصرف عن وجهه الصحيح، ويعنى بتعريف المفاهيم فضلا تقيده بلغة البحث الموجزة المحددة وعدم ميله إلى الإطناب والسرد، وهذه الخصائص وغيرها تثير تساؤلا لدى الباحث المعاصر فكيف استطاع العامري أن يستبق عصره ويتوصل إلى قواعد المنهج العلمي الصارمة ويتقيد بها في زمن لم تدون فيه هذه القواعد ولم تصبح واجبة الاتباع .
لما كان تتبع ما ذكره العامري من مقارنات أمرا يضيق عنه المقام فإنا نتخير قسما واحدا من هذه المقارنات ونتوقف عنده وهو المقارنة في مجال العبادات، ومن خلاله يتبين نهجه في إجراء المقارنة بصورة عملية.
يستهل العامري الفصل الخامس المعنون (القول في فضيلة الإسلام بحسب الأركان الاعتقادية) بمقدمة نظرية تشير إلى وجود علاقة ارتباطية بين التوسط والاعتدال وبين قابلية الدين للبقاء والاستمرار، فيقول “إن أحق الأديان بطول البقاء ما وجدت أحواله متوسطة بين الشدة واللين، ليجد كل من ذوي الطبائع المختلفة ما يصلح به حاله في معاده ومعاشه، ويستجمع له منه خير دنياه وآخرته، وكل دين لم يوجد على هذه الصفة بل أُسس على مثال يعود بهلاك الحرث والنسل فمن المستحيل أن يسمى هينا فاضلا”. وهو يتناول بالتحليل خصائص العبادات الإسلامية مقارنا بينها وبين ما يوازيها من عبادات في الأديان الخاضعة للمقارنة، وهي:
مما سبق يمكن النظر إلى أبي حسن العامري بوصفه أحد مؤسسي علم مقارنة الأديان، وذلك لأن جل العناصر التي وضعها للمقارنة والمنهجية التي اتبعها اعتمدت في أعمال من تبعوه كالشهرستاني وغيره، بل لا تزال محل اعتبار دارسي الأديان في العصر الراهن.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين