ثمة أساليب كثيرة يمكن أن يتبعها المسلم في دعوته إلى الإسلام، وفي البرهنة على أنه الدين الخاتم الذي رضيه الله تعالى لعباده، وتكفَّل بحفظ أصوله وثوابته، ليكون رسالته وحجته على العالمين إلى قيام الساعة.

و”الإعجاز العلمي” في القرآن الكريم والسنة النبوية، هو أحد أهم هذه الأساليب، خاصة إذا كنا بصدد مخاطبة الغربيين، الذين جرفتهم مادية الحياة المعاصرة، وصارت لغة الأرقام والحقائق هي الأثيرة لديهم.

وتنبع أهمية “الإعجاز العلمي” في القرآن والسنة، من كونه شاهدَ صدقٍ على ما بلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله سبحانه، وعلى أن هذا القرآن الذي بين أيدينا هو وحي من الله وكلمته الأخيرة للبشر؛ وهذا يأتي من خلال تحقق التوافق التام بين ما ورد في القرآن والسنة من إشارات علمية وبين حقائق العلم الحديث، حيث لم يكن باستطاعة النبي الأمي أن ينطق بذلك إلا أن يكون وحيًا من عند الله سبحانه.

أما عن كيفية الاستفادة من الإعجاز العلمي في نشر الإسلام، فيقول د. زغلول النجار: “إن فهم الإشارات الكونية في كتاب الله، على ضوء ما تجمع للبشرية اليوم من معارف، وتقديمها للعالم كواحد من الأدلة العديدة على أن القرآن الكريم هو كلام الله الذي أنزله بعلمه – والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، والذي حُفظ بحفظ الله، بنفس اللغة التي أُوحى بها، بدقائق حروفه وكلماته وآياته وسوره- يعتبر فتحًا جديدًا للإسلام، وإنقاذًا للبشرية من الهاوية التي تتردى فيها اليوم؛ بسبب تقدمها العلمي والتقني المذهل وتضاؤل روح الإيمان بالله، وانعدام الخشية من عذابه في نفوس القطاع الأكبر من الناس، خاصة في أكثر المجتمعات البشرية المعاصرة أخذًا بأسباب التقدم العلمي والتقني”([1]).

ونستطيع أن نفصل أهمية “الإعجاز العلمي” في الدعوة إلى الإسلام، فيما يلي:

 – إثبات أن القرآن الكريم وحي من عند الله سبحانه

كما ذكرنا، فإن التوافق التام بين ما ورد في القرآن الكريم وبين حقائق العلم، في وقت لم يبلغ فيه العالم، هذا المستوى الراقي من العلم، يدل على أن القرآن الكريم وحي من عند الله سبحانه، يقول د. موريس بوكاي: “الذي يدهش فكر من يواجه مثل هذا النصِّ للمرة الأولى [أي نصوص القرآن الكريم بشأن الحقائق العلمية] هو غزارة الموضوعات المطروحة مثل: الخلق، والفلك، وعرض بعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وجنس الحيوان، والنبات، وتكاثر الإنسان؛ تلك الأمور التي نجد عنها في التوراة دون القرآن أخطاء علمية كبيرة، تحملني على التساؤل: إذا كان كاتب القرآن بشرًا، فكيف أمكنه في القرن السابع الميلادي كتابة ما ثبت اليوم أنه متفق مع المعارف العلمية الحديثة؟”([2]).

الترابط بين كتاب الله المقروء (القرآن الكريم) وكتاب الله المنظور (الكون الفسيح) ترابط وثيق؛ لأن مصدرهما واحد وهو الله تعالى فقد تعبّدنا الله بتلاوة القرآن كما تعبّدنا بالنظر في الكون

ولما سئل عالم ألماني عن سبب إسلامه، أجاب: “دعاني إلى الإسلام تلك الآية الجليلة: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ. بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ} (القيامة: 3, 4). هذه الآية تشير إلى بصمات الأنامل؛ والكشفُ عن حقيقة هذه البصمات لم يكن معروفًا إلا في عصرنا هذا، مما يدل على أن القرآن منزَّل من عند الله وليس من كلام البشر”([3]).

– شرح حقائق الإسلام

يستطيع الإعجاز العلمي أن يسهم في “تقريب بعض المعتقدات والحقائق الدينية من أفهام أهل العصر، وتأييدها بمنطق العلم التجريبي نفسه؛ حتى إن أولى قضايا الدين وهي إثبات وجود الله تعالى، يستطيع هذا العلم أن يقوم فيها بدور بنَّاء في مواجهة الماديين والملاحدة، فيقيم الأدلة ويدحض الشبهات بواسطة فروعه المتعددة، كما رأينا ذلك في كتاب كريسي موريسون “العلم يدعو إلى الإيمان”، وكتاب “الله يتجلى في عصر العلم” لثلاثين عالمًا أمريكيًّا.. ورأينا مفكري المسلمين ينتفعون بذلك في نصرة العقائد الدينية، كما في كتاب ” قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن” للشيخ نديم الجسر، وكتاب “الإسلام يتحدى” للمفكر الهندي وحيد الدين خان، وقد جعل له مراجعه ومقدِّمه د. عبد الصبور شاهين عنوانًا فرعيًّا هو “مدخل علمي للإيمان”([4]).

– بيان الحكمة من تشريع بعض الأحكام

لقد جاءت الأحكام الشرعية لتؤكد مصالح الناس وتدرأ عنهم المفاسد؛ وفي بيان هذه المصالح والمفاسد بمكتشفات العلم الحديث، ما يزيد المؤمنين إيمانًا، ويضعف جانب المرتابين والمشككين في كمال الشريعة الإسلامية وصلاحيتها لكل زمان ومكان.

فعلم الطب مثلاً يستطيع أن يعطينا صورة واضحة لما تجنيه الخمر (أم الخبائث) على شاربيها ومدمنيها من أضرار جسمية تصيب الأفراد والأسر والمجتمعات، ماديًّا ومعنويًّا؛ وبهذا نتبين حكمة الإسلام في تحريم الخمر، وما جعله من عقوبة “اللعن” لكل من شارك في صنعها أو الاتِّجار بها أو تقديمها من قريب أو بعيد.

ومثل ذلك تحريم الإسلام للعلاقة بين الرجل والمرأة خارج إطار الزواج؛ تلك العلاقة التي جلبت على الإنسانية أخطر الأمراض التي تعاني منها، وهو مرض نقص المناعة (الإيدز)([5]).

– تأكيد الترابط بين كتاب الله المقروء والمنظور

الترابط بين كتاب الله المقروء (القرآن الكريم) وكتاب الله المنظور (الكون الفسيح) ترابط وثيق؛ لأن مصدرهما واحد وهو الله تعالى؛ ولذلك فقد تعبّدنا الله بتلاوة القرآن كما تعبّدنا بالنظر والتفكر في الكون.

ويشرح د. النجار هذا الترابط بين القرآن والكون، فيقول: “الكون صنعة الله، والقرآن هو كلام خالق الكون وواضع نواميسه، ولا يمكن أن يتعارض كلام الخالق مع الحقائق التي قد أودعها في خلقه، إذا اتبع الناظر في كليهما المنهج السليم والمسلك الموضوعي. فمن صفات الآيات الكونية في كتاب الله أنها صيغت صياغة معجزة، يفهم منها أهل كل عصر معنى من المعاني في كل آية من تلك الآيات الدالة على شيء من أشياء الكون، أو ظواهره، أو نشأته، أو إفنائه وإعادة خلقه؛ وتظل تلك المعاني تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكاملٍ لا يعرف التضاد؛ وهذا عندي من أعظم جوانب الإعجاز في كتاب الله. ومن هنا، كانت ضرورة استمرارية النظر في تفسير تلك الآيات الكونية، وضرورة مراجعة تراجمها إلى اللغات الأخرى بطريقة دورية”([6]).

وهذا الترابط بين القرآن والكون، جعل المسلمين يجدُّون في كشف أسرار الكون، وتسخير نواميسه في خدمة الإنسانية كلها، يقول بوكاي: “إن الإسلام ينظر إلى العلم والدين كتوأمين، وأن تهذيب العلم كان جزءًا من التوجيهات الدينية منذ البداية، وأن تطبيق هذه القاعدة أدى إلى التقدم العلمي العجيب في عصر الحضارة الإسلامية العظمى، التي استفاد منها الغرب قبل نهضته”([7]).

– مناسبة الإعجاز العلمي للعقلية الغربية

لقد كان لسيطرة الكنيسة على زمام الأمور في أوروبا، حتى فرضت رؤيتها على الحقائق العلمية، ووضعت سقفًا لا تتجاوزه تلك الحقائق([8]), أثرها السيئ على الإنسان الغربي في علاقته بالمسيحية، وفي نظرته إلى الأديان كافة. فأصبح العقل الغربي عقلاً ماديًّا، يؤمن بالحواسّ ولا يقيم وزنًا للغيبيات أو “الميتافيزيقا” كما يسميها.

ومن هنا، كان من الضروري مراعاة هذه العقلية عند خطابها ودعوتها إلى الإسلام؛ فمن الأفضل أن نقيم لهم الأدلة على صحة الإسلام، وسلامة القرآن من التحريف، من العلوم ذاتها التي برعوا فيها، وبلغوا منها غاية كبرى.

ولذلك يقول البروفيسور “عبد الله أليسون”: “إن الحقائق العلمية في الإسلام هي أمثل وأفضل أسلوب للدعوة الإسلامية، ولاسيما للذين يحتجون بالعلم والعقل”([9]).

ولما سئل الدكتور “جرينييه” الفرنسي عن سبب إسلامه قال: “إني تتبعت كل الآيات القرآنية، التي لها ارتباط بالعلوم الطبية والصحية والطبيعية، والتي درستها من صغري وأعلمها جيدًا، فوجدت هذه الآيات منطبقة كل الانطباق على معارفنا الحديثة، فأسلمت لأني تيقنت أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أتى بالحق الصراح من قبل ألف سنة، من قبل أن يكون له معلم أو مدرس من البشر. ولو أن كل صاحب فن من الفنون، أو علم من العلوم، قارن كل الآيات القرآنية المرتبطة بما تعلم جيدًا، كما قارنت أنا، لأسلم بلا شك، إن كان عاقلاً خاليًا من الأغراض”([10]).

“موريس بوكاي” أجرى دراسة علمية موثقة بين الحقائق العلمية كما وردت في القرآن والتوراة والإنجيل، وخلص إلى أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم تنله يد التحريف

– إبراز الفرق بين القرآن الكريم وغيره

إن المقارنة بين القرآن الكريم وغيره من الكتب السماوية– من حيث ما توصل إليه العلم الحديث من حقائق ثابتة- لتظهر لنا صدق القرآن الكريم وثبوت حفظه وتواتره، وتوضح لنا أيضًا مدى التحريف والتبديل الذي أُدخل على تلك الكتب الأخرى.

وفي هذا المجال، تبرز جهود الدكتور الفرنسي “موريس بوكاي” الذي أجرى دراسة علمية موثقة- من قبل أن يسلم- بين الحقائق العلمية كما وردت في القرآن والتوراة والإنجيل، وخلص إلى أن القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم تنله يد التحريف والتبديل، وأن ما جاء فيه من إشارات علمية تتطابق تمامًا مع الحقائق العلمية التي كشف عنها العلم الحديث وصارت مقطوعة بثبوتها، لا شك فيها.

وقد كان لهذه النتيجة، التي استخلصها بوكاي بعد دراسة عميقة، أثرها في تغيير موقفه من الإسلام، ليعلن دخوله في رحاب الدين الذي ارتضاه الله لخلقه إلى قيام الساعة، وحفظ أصوله وثوابته من التحريف أو التبديل أو التشويه.

يقول بوكاي عن تلك المقارنة: “دون أية فكرة مُسبقة، وبموضوعية تامة أجدني أتوجه أولاً إلى الوحي القرآني باحثًا عن درجة التوافق بين نصّ القرآن ومعطيات العلم الحديث، وقد كنت أعرف من بعض الترجمات أن القرآن يسوق كل أنواع الظواهر الطبيعية، ولم أكن أملك منها إلا معرفة جزئية، ولكن بعد تدقيق النص العربي بإمعان شديد، قمت بجردة شاملة، استبان لي فيها أنه ليس في القرآن تأكيد يمكن أن يُنتقد من الوجهة العلمية في هذا العصر الحديث”.

وعلى عكس هذا التناغم الذي وجده بوكاي بين إشارات القرآن وحقائق العلم الحديث؛ فإنه رصد تناقضات بين هذه الحقائق وما ورد في العهد القديم والأناجيل؛ فيضيف بوكاي قائلاً: “قمت بالتدقيق ذاته للعهد القديم والأناجيل بالموضوعية نفسها، فلم يكن ثمة بالنسبة للأول- العهد القديم- ما يحوج الانتقال إلى أبعد من سفر التكوين للوقوف على تأكيدات مناقضة لمعطيات العلم المعترف بها في هذا العصر. ويغرق المرء دفعة واحدة عند فتح الأناجيل في نسب المسيح الذي يبدو من الصفحة الأولى في مشكلة مهمة، وهي أن نصَّ متى هو في هذه النقطة متناقض صراحة مع نصِّ لوقا، وأن هذا الأخير واضح التناقض مع المعارف الحديثة المتصلة بقدم الإنسان على الأرض”([11]).

أي أن الأناجيل لا تتناقض مع العلم الحديث فحسب، بل تتناقض مع بعضها البعض أيضًا.

تلك كانت أهم الجوانب التي يمكن الاستفادة فيها من خلال “الإعجاز العلمي” في القرآن الكريم والسنة النبوية، والذي يشهد- أي الإعجاز العلمي فيهما- على أن الإسلام هو وحي الله سبحانه المحفوظ بحفظه، وكلمته الأخيرة للبشرية التي لم تنلها يد التحريف والعبث.


([1]) د. زغلول النجار، “من أسرار القرآن”، مقال بالأهرام، 14/ 5/ 2001م، ص: 12.

([2]) د. بوكاي، “التوراة والإنجيل والقرآن والعلم”، ص: 114. دار الكندي، بيروت، ط1, 1978م, ترجمة نخبة من الدعاة.

([3]) محمد كامل عبد الصمد، “الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء”، 2/ 127، الدار المصرية اللبنانية، ط1، 1995م.

([4])د. يوسف القرضاوي “ربط الحقائق العلمية بالقرآن”، مقال بجريدة “عقيدتي”، عدد 441، ص: 11، 8/ 5/ 2001م.

([5]) المصدر نفسه.

([6]) د. النجار، من أسرار القرآن, الأهرام، 14/ 5/ 2001م، ص: 12.

([7]) د. بوكاي، مصدر سابق، ص: 14.

([8]) ذكر جارودي أنه وُجد بابا في القرن التاسع عشر الميلادي أدان التطعيم ضد الجدري، باعتباره عقابًا من الله ولا ينبغي للإنسان السعي للإفلات منه. نقلاً عن أبي المجد حرك: “جارودي.. رحلة الفكر والحياة”، ص: 100، دار الفتح للإعلام العربي، ط1، 1985م.

([9]) الجانب الخفي وراء إسلام هؤلاء، 1/ 117.

([10]) نقلاً عن د. عبد الحليم محمود، “أوروبا والإسلام”، ص: 87، 88، دار المعارف, ط2, 1982م.

([11]) د. بوكاي، مصدر سابق، ص: 13.