اقرأ أيضا:
القرآن يا إخوة ويا أخوات إنما هو منهج حياة، وتكمن معجزته الجوهرية في قدرته على بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح والدولة الصالحة، هكذا أثمرت معجزته الباهرة في جيل الصحابة -رضي الله عنهم- فحوّلهم من أشتات يتنازعون على الماء والكلأ ويسجدون للحجر والشجر إلى أمة تنتج العلم وتصنع الحضارات، وتستقطب طاقات الجميع في أخوّة إيمانية لا مثيل لها، حتى تساوى بلال العبد الأسود مع أبي سفيان زعيم قريش بل وزاد عليه!
إن معايير الحق والباطل والصحيح والفاسد لم تعد تستند إلى المعتقدات النظرية المجردة، ولا الاستدلالات المنطقية والفلسفية بقدر استنادها إلى منظومة القيم ومخرجاتها الظاهرة في كل أمة أو فكرة
ربما نستطيع بسهولة أن نلقي باللائمة فيما يخص وضعنا الحالي على الأنظمة الحاكمة، والدوائر الخارجية “المتآمرة”، لكن الحقيقة الظاهرة أيضا أن الخلل بات يهددنا في داخل نفوسنا وفي أضيق علاقاتنا، حتى بين العاملين الذين نذروا أنفسهم للتغيير والإصلاح، فالتنابز بالألقاب وما يصحبه من تنافس وتباغض وتحاسد لم يعد سمة الأحزاب السياسية المتنافسة على فتات السلطة، ولا سمة الشركات التجارية المتنافسة على حطام المال، بل صار ظاهرة كذلك حتى بين المتحدثين عن الله!
إنني أقول لكم بوضوح: إن معايير الحق والباطل والصحيح والفاسد لم تعد تستند إلى المعتقدات النظرية المجردة، ولا الاستدلالات المنطقية والفلسفية بقدر استنادها إلى منظومة القيم ومخرجاتها الظاهرة في كل أمة أو فكرة، وإن العالم وهو يصرخ اليوم تحت وطأة الظلم والعنصرية والطبقية واستعلاء الإنسان على أخيه الإنسان بوحشية وعدوانية ليتطلع إلى النهج الذي يأخذ بيده نحو الخلاص.
إننا لو تمكنا اليوم من استجلاء قيم القرآن الكريم ومنهجه في إدارة هذه الحياة وطريقة استجابته لتحدياتها ومشكلاتها فإننا سنختصر الطريق كثيرا، وربما سنستغني عن خوض معارك “الشبهات”.
إن كتب التفسير على اختلاف مناهجها تعدّ ثروة معرفية ودينية ضخمة، لكننا نخطئ كثيرا حينما نحاول أن نقدّم القرآن الكريم للعالم من خلال تلك التفاسير، وسيكون خطأنا أكبر حينما نهمل تلك الثروة ونسارع وراء دعاة (التجديد) الفارغ، الذي يهدف إلى هدم الثوابت والتشكيك بكل ذلك التراث أكثر من قدرته على تقديم الحلول العملية لمشكلات هذا العصر.
إن المنهج الأسلم والأحكم والأنفع؛ أن نتدبّر القرآن الكريم باعتباره منهج حياة قبل كل اعتبار آخر، وأن نتدبّره باعتماد قواعد التدبّر العلمي المستندة إلى (النص+العقل+اللغة)، مستهدين بإضاءات المفسرين السابقين في كل تراثنا المجيد دون (تقديس) ولا (تبخيس)، ثم نصوغ ما نستنبطه ونستنتجه بلغة العصر وأسلوبه وأولوياته المعرفية والعملية، ونقول للعالم بكل ثقة وحب: هذا ما عندنا فأرونا ما عندكم، ويدنا على يدكم لنتعاون من أجل إنقاذ هذا الإنسان، ومن أجل أن نرسم معالم البهجة والسعادة في هذه الحياة.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين