دخلت المنافسة على تربية الأبناء حدها الأقصى في السنوات الأخيرة، فلم تعد المنافسة مقتصرة على الوالدين فقط، بل تعدى إلى مجموعات أخرى أكثر تأثيرا، في مقدمتها وسائل التواصل الإجتماعي وألعاب الفيديو الألعاب والخدم والأصدقاء الجدد. فهل ضعف دور الأم والأب في التربية؟ خاصة كثير من المتخصصين أصبحوا يتحدثون حاليا عن “استقالة” الأم والأب من وظيفة تربية الأبناء بعد فشلهما في المهمة.

من المعروف في مجالات التربية أن يحتفظ الأبناء بما يحاول الآباء تركه فيهم وزرعه بهم منذ الصغر، إذا استخدم الآباء طرق تربية صحيحة، إذ يمكن أن تؤثر بعض العادات الخاصة بالوالدين بشكل غير مباشر على تربية الأبناء، بغض النظر عما إذا كانت هذه العادات إيجابية أو سلبية.

لكن المشكلة الكبيرة في عصرنا الحالي، أن تأثير الأم والأب على الأبناء لم يعد له وجود. قديما كانت نتيجة الطفل أو الشاب تظهر مع تقدمه في العمر من خلال التعاليم التربوية والدينية الي يكون قد تلقاها من طرف والديه، أما اليوم فهناك مؤثرات كثيرة خارجية لا يتحكم فيها الأب ولا الأم، فأصبح تأثير الوالدين على أبنائهم ضئيل جدا، أو منعدما.

“استقالة” الأم والأب من وظيفة تربية الأبناء

لم يعد الكثير من الخبراء يقتنعون بمبررات أحد الوالدين، خاصة الأب، بمبرر الانشغال الزائد عن الحد والسعي لتوفير لقمة العيش والحياة الكريمة لأبنائهم، كسبب لضعف درجة الاهتمام بتربية الأبناء. فلم تعد مهمة تربية الأبناء مهمة خالصة للأبوين، وترك الأمر لتدخل عدة عوامل ومؤثرات أخرى خارجية، أصبحت تتحكم بأكثر 70% في مسألة التربية، لدرجة أن أحد الوالدين على الأقل، أو كليهما، قدم استقالته نهائيا من الوظيفة، وترك الأمر لهذه المؤثرات التي أصبحت تتحكم في تشكيل شخصية الطفل وثقافته وميوله وتربيته بشكل عام. والنتيجة في غالب الأحيان انحراف الأبناء وسيرهم في ركب آخرين يجدون عندهم الاهتمام.

هؤلاء “الآخرين” قد نجدهم في وسائل التواصل الاجتماعي، في شخصيات الفيديو أو الجنسيات المختلفة للخدم، ونوعية من البشر ينشطون عادة في مجال صناعة المحتوى، بغض النظر عن هذا المحتوى ما إذا كان مناسبا للطفل أو لا، من حيث عمره وتقاليده ودينه.

عندما نلقي نظرة على حال الأبناء في البيوت والمدارس والشوارع، ندرك جيدا أن الآباء والأمهات قدموا استقالاتهم منذ زمن، وتركوا الأبناء بلا قدوة في ظل تيارات فكرية عدة يستقونها من خلال البرامج الكرتونية الموجهة التي لها تأثيرات سلبية فيهم، وصناع المحتوى، وتطبيقات الفيديو التي أصبح من المستحيل مراقبتها أو منعها.

العولمة ..أصدقاء الموبايلات و”جيم وول”

يرى خبراء في التربية أن الأصدقاء هم أكثر تأثيرا في الأبناء، لأن التقنية الحديثة التي غزت البيوت لا يحصل عليها الولد إلا من خلال أصحابه، لجهل الآباء بتلك التقنية. ويشيرون إلى أن تواجد الأصحاب مع بعضهم بعضا يزيد مساحات التفاهم بينهم أكثر من وجودهم داخل الأسرة مع الوالدين، خاصة ان المراهق يبحث عن الاستقلالية.

ويعتقد هؤلاء الخبراء أن العولمة غيرت مفهوم الصواب والخطأ من خلال وسائلها التكنولوجيا المتعددة، فمجتمعاتنا العربية والإسلامية تشهد حاليا مجموعة من القيم والمؤثرات الثقافية المتداخلة بتعدد الجنسيات الموجودة بالداخل، لها آثار مدمرة في العلاقات الاجتماعية.

فكيف يمكن الوقوف أمام لعبة مثل “الجيم وول” وهي تعلم الطفل السرقة وتحطيم للسيارات، وكيف يهرب من الشرطي، فإن نجح فهو الفائز في النهاية؟ لقد أصبحت هذه الألعاب الكرتونية تضيف عبئا على الآباء والأمهات الذين انشغلوا عن أبنائهم، إما لتوفير حياة كريمة لهم، أو لعجزهم على مواجهة هذه المؤثرات القوية، والتي طال تأثيرها حتى الآباء والأمهات أنفسهم.

لقد ظهرت ألعاب الفيديو والألعاب الإلكترونية منذ أكثر من 30 سنة، لكن تأثيرها لم بهذه القوة، خاصة على الأطفال والشباب والمراهقين، لأنها كانت حينها مجرد وسيلة تسلية يمارسها الآباء قبل الأبناء. لكن مع تقدم التقنية ودخول هذه الألعاب عالما افتراضيا لا نهاية له، أصبحت أقرب إلى العالم الحقيقي بسبب المحاكاة والتفاعل البصري والتأثير الصوتي والحركي، فجذبت الكثيرين إليها لدرجة الإدمان، فأصبح لها رواد ومدمنون وتحولت مجالات التسلية إلى مستشفيات ومرضى ومصحات،واتضح أنأضرارها خطيرة للغاية:

  • قلة الحركة والسمنة
  • انحناء في العمود الفقري
  • إجهاد العينين
  • الإصابة بالتوحد
  • الإدمان
  • السلوك العدواني والعنف
  • الأرق ومشاكل في النوم
  • قلة الانتباه والتركيز
  • التوتر والتهور

فكيف يمكن للآباء والأمهات مواجهة كل هذه الأمراض، وفي الوقت نفسه تلقين أبنائهم العلوم والرياضيات وتوجيههم نحو الثقافة الدينية الصحيحة.  

عجز خبراء التربية

ومما يضاعف من حدة الخطر مستقبلا، أن خبراء التربية عجزوا هم أيضا عن تقديم حلول عملية ملموسة لإنقاذ ألآباء والأبناء على السواء مما هم فيه من ضيالع. فكثير منهم يشخصون العلل ويفككون المرض ولا يصفون الدواء المناسب لمواجهة هذه الظواهر.

البعض يطالب بالتعاون بين الأم والأب وتنظيم وقتهما حتى تكون هناك فرصة للجلوس من الأبناء ومعرفة مشاكلهم، والعودة الى القيم والمبادئ التي تربوا عليها، مما يجعل الأبناء ينأوون بأنفسهم عن الخارج ويفضلون الجلوس مع الوالدين والاستماع اليهما.

والبعض يدعو لاختيار الوالدين لأصدقاء أولادهم، واحترام عقلياتهم وطلباتهم التي أصبحت لا حدود لها، وأن تضع الأسرة رغبات الأبناء محل اهتمام وتناقشهم فيها بطريقة تجعلهم يستمعون ويعملون بالنصيحة، على ان يكون الاتفاق قبل الدخول في مناقشة معهم ضرورة اقناع طرف للآخر. ويوضحون ان احترام الوالدين للطفل الرضيع يختلف عن احترامهما للطفل الكبير، الذي يختلف ايضا عن احترام المراهق.

والبعض الآخر يصر على أن تعريف الأبناء بالصواب والخطأ يكون في البداية من خلال الأب والأم بشرط أن تكون العلاقة بينهما قوية حتى تستقر القيمة المطلوب ترسيخها لدى الأبناء الذين يتقبلون الكلام ويعملون به. ويؤكدون أن قيام الوالدين بفعل عكس ما يحاولان ترسيخه لدى الأبناء يجعلهما في حالة تناقض في القول فيفقدان قيمتهما لدى أولادهما الذين ربما لن يسمعون لهما بعد ذلك، ويتوجهون لاستقاء المعلومات من وسائل التقنية المتعددة والتحول لأصدقاء على النقيض الطبيعي للحياة وبالتالي ضياعهم وعدم قبولهم للنصيحة.

والسؤال هنا: هل يمكن للآباء والأمهات أن يتخلوا عن هواتفهم المحمولة و”لبتوباتهم” في سبيل إنقاذ أبنائهم من ما هم فيه؟ هل ضعف دور الأم والأب في التربية؟ إلى درجة أنهم أصبحوا شركاء ومساهمون في الوضع الذي يعيشه أبناؤهم.

الفجوة تتسع والخطر أكيد

مع ازياد التوغل التكنولوجي لوسائل الاتصال في العصر الحديث ازدادت الفجوة بين الآباء والأبناء، وأصبح الآباء والأمهات هم الحلقة الأضعف في التربية أمام هذه الوسائل، وجاء في بعض الدراسات أن تأثير الوالدين في سلوك الأطفال تراجع من 70% إلى 40% في عصرنا الحالي، بسبب انتشار الانترنت ودخوله إلى كل بيت من دون استثناء. وعلى سبيل المثال: كان الأب والأم في السابق هما المصدر المعرفي الوحيد لأبنائهم فكانوا يلقنوهم الأدب والأخلاق الحميدة واحترام الآخرين ومراعاة حرمة الجوار…وغيرها من القيم.  أما اليوم وقد اختلف الواقع بدأت هذه القدوة بالاضمحلال شيئاً فشيئاً وأصبحت سلطة الأهل على الأولاد تتراجع باستمرار، لدرجة أن بعض الأولاد لم يعودوا يهتموا حتى بدراستهم بسبب الجلوس الطويل على الهواتف والألعاب الالكترونية مثل “البوبجي” وغيرها.

ماذا يفعل الآباء مع أبنائهم؟

حتى يمكن الإجابة على السؤال: هل ضعف دور الأم والأب في التربية؟ وفي مواجهة هذه الظواهر المختلفة والمتداخلة، ينصح بعض الخبراء والمختصين، باتباع خطوات محددة كمحاولة لتوعية الآباء بضرورة الإسراع في إنقاذ أبنائهم من الأخطار المحدقة بهم:

  • تنبيه الآباء والأمهات لتخصيص جزء من وقتهم لمتابعة أبنائهم، والحديث معهم، والاستماع لمشاكلهم.
  • توعية الأهل أن هذا الزمان مختلف عن زمانهم السابق فينبغي التعامل مع الأولاد بحذر وحكمة، وفق تغير المعطيات في عصرنا الراهن.
  • ينبغي للآباء والأمهات أن يعينوا أولادهم على طاعتهم.
  • إخضاع الآباء والأمهات أولادهم لدورات تعليمية ورياضية لملئ أوقاتهم والتخفيف من استخدامهم لهذه الوسائل.
  • على الآباء التفطن لأضرار هذه الوسائل: إجهاد الدماغ، وحب الطفل للانطوائية والعزلة، وصعوبة التأقلم مع الآخرين، وقد يؤدي ادمان الجلوس عليها للأطفال في سن مبكرة إلى التوحد.
  • على الآباء والمربين الاهتمام بتثقيف أبنائهم من خلال: تثقيف سمع الطفل: باستماعه للفن الراقي.تثقيف بصره: برؤية القصص الملونة والمفيدة والتي تزيد مخزونه اللغوي. تثقيف الطفل باللعب: من خلال ألعاب الذكاء: (المكعبات-الرسم والتلوين-الشطرنج).
  • علينا ابتكار أساليب تربوية جديدة تتناسب مع عصرنا الحالي، لأن الأساليب القديمة لم تعد تجد نفعا في زماننا.