إن ابتهاج نفوس المؤمنين وامتلاءها بالمحبة والسرور ترحيبا بقدوم شهر رمضان من تعظيم شعائر الله العظيم:{وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. وانتظار عودة الغائب الحبيب يجعل المشاعر تزداد في الشوق مع كل شروق الشمس وغروبها عند العد التنازلي وقرب أجل الاستقبال، فحلول رمضان لحظة من لحظات ربيع العمر العزيز،{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس: 58] ومن خلال هذه المناسبة المعنوية الشريفة يتبادل المسلمون رسائل الترحيب بشهر رمضان، والتي تحتوي بعض النصوص الشرعية وخاصة الأحاديث النبوية التي تدل على مشروعية التهنئة بقدوم شهر رمضان، ويبثونها عبر منابرهم ومواقعهم ورسائلهم دون التبصر لدرجاتها، ومن تلكم الأحاديث ما يأتي:

1- حديث “اللهم بلغنا رمضان”. حديث ضعيف ضعفه البيهقي وغيره

وقد روي عن أنس أن النبي كان يدعو ببلوغ رمضان فكان إذا دخل رجب حين يقترب قدوم رمضان يقول: “اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان[1].

2 – حديث «اللهم أهله علينا باليمن » قال أبو داود: ليس عن النبي في هذا الباب حديث مسند صحيح[2]

روي عن طلحة بن عبيد الله، أن النبي كان إذا رأى الهلال قال: “اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام، ربي وربك الله”[3]

3 – حديث «هَذَا شَهْرُ رَمَضَانَ يَسْتَقْبِلُكُمْ» حديث منكر [4]

وروي عن أنس بن مالك أنه قال:خرج علينا رسول الله في آخر يوم من شعبان وأول ليلة من شهر رمضان فقال: أيها الناس هل تدرون ما تستقبلونه وهل تدرون ما يستقبلكم؟ فقلنا: يا رسول الله هل نزل وحي أو حضر عدو أو حدث أمر؟ فقال: «هذا شهر رمضان يستقبلكم وتستقبلونه ألا إن الله ليس بتارك يوم صبيحة الصوم أحدا من أهل القبلة إلا غفر له» فنادى رجل من أقصى الناس  فقال يا طوبى للمنافقين، فقال رسول الله : «علي بالرجل ما لي أراك ضاق صدرك؟» فقال: يا رسول الله ذكرت أهل القبلة والمنافقون هم من أهل القبلة فقال: «لا ليس لهم ههنا حظ ولا نصيب ألا إن المنافقين ليس هم منا ولا نحن منهم إن المنافقين هم الكافرون»[5]

4 – حديث «أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله » حديث ضعيف[6]

وروي عن أبى هريرة -وغيره- أنه يقول: قال رسول الله : «أظلكم شهركم هذا بمحلوف رسول الله، ما مر بالمؤمنين شهر خير لهم منه، ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه، إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخله، ويكتب إصره وشقاءه من قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة، ويعد المنافق اتباع غفلة الناس، واتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر»[7]

5 – حديث: «أتاكم رمضان، شهر بركة » حديث موضوع كما قال الشيخ الألباني[8]

روي عن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال يوما، وحضر رمضان:« أتاكم رمضان شهر بركة، فيه خير يغشاكم الله فينزل الرحمة ويحط فيها الخطايا، ويستحب فيها الدعوة، ينظر الله إلى تنافسكم ويباهيكم بملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرا، فإن الشقي كل الشقي من حرم فيه رحمة الله»[9]

6 – حديث «هذا رمضان قد جاءكم»، لا يصح بهذ اللفظ. قال النسائي: هذا الحديث خطأ، ولم يسمعه ابن إسحاق من الزهري.

روي عن عن أنس بن مالك، أن رسول الله قال: «هذا رمضان قد جاءكم تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتسلسل فيه الشياطين»[10]

7 – حديث «قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك» حديث منكر كما قال أبو حاتم[11]

روي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قال: خطبنا رسول الله – في آخر يوم من شعبان، فقال:” أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم، شهر مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعا، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء “قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟!، فقال: ” يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة، أو شربة ماء ن أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال، خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما،فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله، وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنها: فتسألون الله الجنة، وتعوذون به من النار، ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة [12]

8 – حديث « إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول»حديث موضوع كما قال ابن الجوزي والشوكاني والألباني.

روي عن أبي مسعود الغفاري أنه قال: سمعت رسول الله ذات يوم وأهل رمضان فقال:” لو يعلم العباد ما رمضان لتمنت أمتي أن تكون السنة كلها ” فقال رجل من خزاعة: يا نبي الله، حدثنا فقال:” إن الجنة لتزين لرمضان من رأس الحول إلى الحول، فإذا كان أول يوم من رمضان هبت ريح من تحت العرش، فصفقت ورق الجنة فتنظر الحور العين إلى ذلك، فيقلن: يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا “، قال: ” فما من عبد يصوم يوما من رمضان إلا زوج زوجة من الحور العين في خيمة من درة مما نعت الله عز وجل: {حور مقصورات في الخيام} [الرحمن: 72] على كل امرأة منهن سبعون حلة ليس منها حلة على لون أخرى، ويعطى سبعين لونا من الطيب ليس منه لون على ريح الآخر لكل امرأة منهن سبعون ألف وصيفة لحاجتها، وسبعون ألف وصيفة مع كل وصيفة صفحة من ذهب فيها لون طعام يجد لآخر لقمة منها لذة لم يجده لأوله، لكل امرأة منهن سبعون سريرا من ياقوتة حمراء على كل سرير سبعون فراشا بطائنها من إستبرق فوق كل فراش سبعون أريكة، ويعطى زوجها مثل ذلك على سرير من ياقوت أحمر موشحا بالدر، عليه سواران من ذهب هذا بكل يوم صامه من رمضان سوى ما عمل من الحسنات “[13]

9 – حديث «أتاكم سيد الشهور»حديث منكر. في سنده جهالة ونهشل بن سعيد القرشي متروك الحديث.

روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أن رسول الله  قال «أتاكم شهر رمضان، أتاكم سيد الشهور، فمرحبا وأهلا بشهر مصحة وأجر وخير، وهو شهر الصبر، تغل فيه الشياطين، وتنزل فيه الرحمة، وتبسط فيه التوبة، وتغلق فيه أبواب النار، وتفتح فيه أبواب الجنة»[14]

10 – حديث «تبشير النبي أصحابه بقدوم شهر رمضان» وفيه علة الانقطاع كما رجحه الدارقطني[15]

روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشر أصحابه: «قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، يفتح الله فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» [16]أشار إليه الدارقطني بالانقطاع.

11- وكل حديث يدل على أن من بلغ غيره بقرب شهر رمضان يحرم عليه النار، فهو كذب محض ولا يحويه شيء من كتب الحديث فضلا أن يعرف له إسناد.

وكذا كل حديث ورد بلفظ ” جاءكم شهر رمضان أو.. هذا رمضان… أو أظلكم شهر رمضان ونحوه” مما يشعر بالبشارة وبالتهنئة بحلول شهر رمضان، وكل ما جاء بهذه الصيغ لا يكاد يخلو من مقال ونظر.

وقد قال الشيخ عبد الله السعد: وكل ما ورد أن رسول الله كان يبشر أصحابه لا يصح فيه شيء”[17]

وعليه ينبغي لكل ناشر الحديث النبوي – قوليا كان أو فعليا أو تقريريا – أن يتذكر قوله عليه الصلاة والسلام:”  ” إن كذبا علي ليس ككذب على أحد، من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”[18]

وأن لا ينشر الحديث إلا بعد التأكد من درجته قبولا أو ردا بغض النظر عن موضوعه.

هل تجوز تهنئة الناس بعضهم بعضا بقدوم رمضان؟

ما تقدم من الكلام يؤكد على أن الأمة الإسلامية أمة اختصها بالإسناد، أمة تدين الله الأدلة في جميع شؤونها ما صغر منها وما كبر، وإذا تقرر أنه لم يرد نص صحيح صريح في التهنئة الخاصة بقدوم شهر رمضان، إلا أن التهنئة بمواسم الخيرات وأوقات الطاعات من العوائد والعادات التي الأصل فيها الإباحة والجواز، بل الفرح بحلول شهر رمضان وتبادل التهاني والتبريكات من علامات الإيمان ولا ينبغى الحمل على من اعتاده بالتودد بين الناس كقول بعضهم لبعض:” رمضان كريم وكل عام وأنتم بخير” ونحو ذلك من العبارات السائدة أو بتبادل المراسلات دون أي اعتقاد معين وراءه.

قال الإمام ابن رجب رحمه الله بعد ذكره لحديث أبي هريرة السابق – كان النبي يبشر أصحابه يقول:” قد جاءكم شهر رمضان شهر مبارك “- فقال الحافظ ابن رجب:” قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان، كيف لا يبشر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟!

كيف لا يبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟! كيف لا يبشر العاقل بوقت يغل فيه الشياطين؟![19]

وقوله:” قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة الناس” لا يقصد به الصحة بل من باب عموم الإشارة إلى أصل الفعل بصرف النظر عن ضعفه، وعلى كل حال فتهنئة الناس بعضهم بعضا بقدوم رمضان وغيره أمر فيه السعة كما قرره غير واحد من أهل العلم قديما وحديثا.


[1]  رواه أحمد (2346)

[2]  سنن أبى داود (5093)

[3]  المصدر السابق (1397)

[4]  كما قال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب 1/ 15

[5]  مسند الشاميين (153)

[6]  ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (921)

[7]  روا أحمد (8870)

[8]  ضعيف الترغيب والترهيب  1/150

[9] مسند الشاميين (2238)

[10]  رواه النسائى (2424)

[11]  ينظر: العلل 1/ 249

[12] رواه ابن حبان (1887)

[13]  شعب الإيمان (3361)

[14]  جزء بانتخاب أبي طاهر السلفي (18)

[15]  رجح طريقة أبى قلابة عن أبى هريرة رضي الله عنه ولم يسمع منه أبو قلابة. ينظر : العلل11/218

[16]  المخلصيات (826)

[17] البدر التمام في بيان حكم بعض ما ورد في فضل رمضان ص:34

[18] رواه البخاري (1229)

[19]  لطائف المعارف. ص: 148