إن الطبع في الإسلام شأنه شأن ذكاء الإنسان، منه ما هو فطري ومنه ما هو مكتسب. فالطبع الفطري ما طبع عليه الإنسان منذ نشأته وفطر عليه، والطبع هنا يعني مزاج الإنسان وحالته الوجدانية والانفعالية والنفسية؛ أما التطبع فهو المكتسب من خلال التربية والتنشئة واكتساب العادات.
فنحن لو نظرنا مثلا إلى صفات مزاجية وانفعالية معينة مثل الحلم والأناة والحياء والحمق والغضب وسرعة الانفعال، وما شابهها نجد أن جانبا منها فطري، وجانبا منها مكتسب يتمثل في التحكم والسيطرة على الصفة المزاجية قدر المستطاع.
ويتعلق الطبع بالجانب الفطري الموروث في الإنسان وما يقوم به مطاوعة بدون تكلف.
وتعرف المعاجم اللغوية الطبع بأنه الخلق والجمع طباع. والطبيعة تعني السجية أو مزاج الإنسان المركب من الأخلاط والطبائع، وفلان مطبوع على كذا، أي أنه ذو موهبة واقتدار في فن أو مجال معين يعالجه بلا تكلف. والطبع والطبيعة من نفس المعنى ويعنيان السجية والمزاج.
ومما يدل على فطرية مثل هذه الصفات في طبع الإنسان ومزاجه ما ورد في حديث أشج عبد القيس ولفظه عند أحمد أن اْلوَزَّاعَ يَقُولُ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْأَشَجَّ الْمُنْذِرَ بْنَ عَامِرٍ،، وَمَعَهُمْ رَجُلٌ مُصَابٌ، فَانْتَهُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبُوا مِنْ رَوَاحِلَهُمْ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلُوا يَدَهُ، ثُمَّ نَزَلَ الأشَّجَّ، فَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، وَأَخْرَجَ عَيْبَتَهُ فَفَتَحَهَا، فَأَخْرَجَ ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ مِنْ ثِيَابِهِ فَلَبِسَهُمَا، ثُمَّ أَتَى رَوَاحِلَهُمْ فَعَقْلَهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يَا أَشَجُّ، إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ: الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ ” فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا تَخَلَّقْتُهُمَا، أَوْ جَبَلَنِي اللهُ عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: ” بَلِ اللهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا “.
قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خُلُقَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ وَرَسُولُهُ.[1]
ومن ناحية أخرى نجد قول الرسول ﷺ: “وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ، وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ، وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ»[2]“.
وعلى هذا فإنه يمكن أن نقول إنما الخلق بالتخلق، والطبع بالتطبع، وهذا القول يشير إلى الجانب المكتسب للطبع من خلال مداومة الإنسان على اكتساب العادة.
يقول الإمام الغزالي: “إن الخَلق والخُلق عبارتان مستعملتان معا، يقال: فلان حسن الخَلق والخُلق أي حسن الظاهر والباطن فيراد بالخَلق الصورة الظاهرة ويراد بالخُلق الصورة الباطنة، وذلك لأن الإنسان مركب من جسد مدرك بالبصر ومن روح ونفس مدركة بالبصيرة، ولكل منهما هيئة وصورة، إما قبيحة أو جميلة.
فالنفس المدركة بالبصيرة أعظم قدرا من الجسد المدرك بالبصر، ولذلك عظم الله أمرها بإضافتها إليه إذ قال تعالى: {إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر: 29] فنبه على أن الجسد منسوب إلى الطين، والروح من رب العالمين. والمراد بالروح والنفس في هذا المقام واحد، فالخلق عبارة عن هيئة في النفس راسخة عنها تصدر الأفعال بسهولة ويسر من غير حاجة إلى فكر وروية.”[3]“
وهذا يعني أن الخلق صار تطبعا في الإنسان. ومن المعروف أن التطبع أو تطبيع الإنسان يعني تعويده على عادات وطبائع جديدة.
متى يكون الخلق طبيعة أو مكتسبا؟
قد يكون الخُلقُ طبيعة، وقد يكون كسباً، بمعنى أن الإنسان كما يكون مطبوعاً على الخلق الحسن الجميل، وأيضاً يمكن أن يتخلق بالأخلاق الحسنة عن طريق الكسب والمرونة.
ولذلك قال الني ﷺ لأشج عبد القيس: “إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة”.
فهذا دليل على أن الأخلاق الحميدة الفاضلة تكون طبعاً وتكون تطبعا، ثم بالممارسة والرياضة تكون طبيعة ولذلك قال ابن القيم: في الفرق بين الصبر والتصبر والاصطبار والمصابرة:
الفرق بين هذه الأسماء بحسب حال العبد في نفسه وحاله مع غيره فإن حبس نفسه ومنعها عن إجابة داعي ما لا يحسن إن كان خلقا له وملكة سمي صبرا وان كان بتكلف وتمرن وتجرع لمرارته سمي تصبرا كما يدل عليه هذا البناء لغة فإنه موضوع للتكلف كالتحلم والتشجع والتكرم والتحمل ونحوها وإذا تكلفه العبد واستدعاه صار سجية له كما في الحديث عن النبي أنه قال “ومن يتصبر يصبره الله” وكذلك العبد يتكلف التعفف حتى يصير التعفف له سجية كذلك سائر الأخلاق”[4]
والقول بأن الأخلاق لا تكتسب على حد قول الشاعر:
يراد من القلب نسيانكموتأبى الطباع على الناقل
وقول آخر :
يا أيها المتحلى غير شيمتهإن التخلق يأتى دونه الخلق
مردود عليه بالحديث ” …وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ اللَّهُ وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ،…”.[5]
“والمزاولات تعطى الملكات ومعنى هذا أن من زاول شيئا واعتاده وتمرن عليه صار ملكه له وسجية وطبيعة قالوا والعوائد تنقل الطبائع فلا يزال العبد يتكلف التصبر حتى يصير الصبر له سجية كما أنه لا يزال يتكلف الحلم والوقار والسكينة والثبات حتى تصير له أخلاقا بمنزلة الطبائع.
قالوا وقد جعل الله سبحانه في الإنسان قوة القبول والتعلم فنقل الطبائع عن مقتضياتها غير مستحيل غير أن هذا الانتقال قد يكون ضعيفا فيعود العبد إلى طبعه بأدنى باعث وقد يكون قويا ولكن لم ينقل الطبع فقد يعود إلى طبعه إذا قوى الباعث واشتد وقد يستحكم الانتقال بحيث يستحدث صاحبه طبعا ثانيا فهذا لا يكاد يعود إلى طبعه الذى انتقل عنه”[6].
[1] – مسند أحمد ح: 54
[2] ـ المعجم الأوسط للطبراني، ح: 2663.
[3] ـ الغزالي / إحياء علوم الدين / دار المعرفة ـ بيروت 3 / 53.
[4] – عدة الصابرين ص20.
[5] – صحيح البخاري ، ح: 1469.
[6] – عدة الصابرين لابن القيم ص 21.