الإسراء هو السير ليلاً، والمعراج مفعال من العروج، وهي الآلة التي يصعد بها، والله أعلم بكيفيتها، والمقصود العروج به إلى السماء، وأهل السنة والجماعة يقولون: إنه كان يقظة، وكان بروحه وجسده، وهذا هو الصحيح.

وهذا الإسراء والمعراج معجزة من معجزات الرسول ، لكن من حكمة الله تعالى أن جعل فيها الإسراء الذي يستدل به عملياً على صدق الرسول في ذلك؛ لأن الله قادر على أن يعرج به من المسجد الحرام إلى السماء، لكن لو عرج به إلى السماء، وجاء الرسول في الصباح يقول: عرج بي إلى السماء، لقال المشركون: هذا مثل كقولك إنه ينزل عليك ملك! أي: أن هذا أمر غيبي لا يمكن أن نستدل به على صدق ما تقول، لكن من حكمة الله أن جعل الإسراء إلى بيت المقدس.

 ولهذا لما اعترض المشركون لم يعترضوا على العروج به إلى السماء، وإنما اعترضوا على الإسراء به إلى بيت المقدس؛ لأن هذه هي القضية المادية التي يرون أنها لا يمكن أن تتم في ليلة واحدة؛ ولهذا لما أخبرهم الرسول بذلك أنكرته قريش وأكبرته، وقالت: هذا شيء لا يمكن أن يتم ولا يمكن أن يقع، وبقية القصة معروفة.

لكن الرسول أخبرهم عن أشياء دلت على أن هذا وقع فعلاً، فأخبرهم عن العير، وماذا جرى لها، ومتى ستقدم، بل وأخبرهم عن تفاصيل دقيقة عن بيت المقدس، وهم يقطعون ويجزمون بأن الرسول ما ذهب إلى فلسطين، فإنه حين سأله المشركون عن المسجد الأقصى رفعه الله سبحانه وتعالى للنبي ، وصار كأنه ينظر إليه، فجعل عليه الصلاة والسلام يصفه وصفاً دقيقاً؛ حتى إن الواحد من المشركين قد يكون استقر في ذهنه جزئية بسيطة في المسجد، كالمدخل، والعتبة الفلانية، والمكان الفلاني، أما ماذا فيه من وصف فلا، فالرسول جعل يصفه وصفاً دقيقاً، لكن لو كان مناماً كما يزعم البعض ويقول: الإسراء والمعراج كان مناماً، فإنهم لا ينكرونها؛ لأن المنامات لا تنكر، فإذا جاء واحد وقال: رأيت في النوم أنني ذهبت إلى كذا وصعد بي وعرج بي إلى آخره، فسيكون هذا مناماً ليس بمستغرب، لكن قريشاً وهم كفار فهموا من قول الرسول إنه أسري بي، ثم عرج بي إلى السماء، أنه كان بروحه وجسده، يقظة لا مناماً.

بقي إشكال، وهو أنه في بعض روايات الإسراء أن الرسول ذكر فيه أنه استيقظ، وفي بعضها: أنه كان مناماً، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأنه لا يبعد أن الرسول كان يرى رؤيا ثم تقع مثل فلق الصبح، فقد يكون الرسول رأى رؤيا ثم بعد ذلك وقعت حقيقة، لكن ما أخبر به الرسول المشركين إنما هو إخبار بالإسراء بروحه وجسده، يقظة وليس مناماً.وأما كيف تم ذلك؟ فهذا علمه عند الله، والرسول أخبرنا عن البراق، وعن شيء من وصفه، وعن شيء من سرعته، وأخبرنا عما جرى له في السماوات، وكيف استفتح كل سماء، وكيف التقى ببعض الأنبياء، وكيف أنه بلغ سدرة المنتهى، وكيف أنه سمع صريف الأقلام، وكيف أنه رأى جبريل، وكيف أن الله كلمه في السماء، وخاطبه مباشرة بدون واسطة، وفرض عليه الصلوات الخمس إلى آخره.فنؤمن ونصدق بجميع ذلك، وهذا مثال فقط ذكره المصنف في بداية هذه القضية الكبرى، وهي الإيمان بكل ما صح عن رسول الله ؛ ولهذا قال: [وكان يقظة لا مناماً؛ فإن قريش أنكرته وأكبرته، ولم تنكر المنامات] .