الرهن بمعنى المرهون، وهو المال المرهون لدى المرتهن في مقابل الدين الذي في ذمة الراهن إلى أن يوفي الدين وإلا سيكون الاستيفاء منه، والانتفاع بالرهن في فترة العقد يأتي على ضربين: الأول فيما يتعلق بانتفاع المرتهن بالرهن، والثاني فيما يتعلق بانتفاع الراهن بالرهن.
انتفاع المرتهن بالرهن
للمرتهن في الانتفاع بالمرهون حالتان:
الحالة الأولى: إما أن يكون الانتفاع مشروطا في العقد أصالة، وهذا لا يجوز، سواء في القرض – إجماعا[1]– أو غير قرض على الصحيح لدخوله في دائرة هدية المدين، أو شيئا متعارفا عليه لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا ومن ثم يأخذ حكم عدم الجواز.
الحالة الثانية: أن يكون الانتفاع بالرهن غير مشروط في العقد، ويمكن تصور الانتفاع هنا في عدة الصور، وهي:
1- الانتفاع بالرهن بلا إذن صاحبه
لا خلاف في عدم جواز تصرف المرتهن في المرهون دون إذن مسبق من الراهن، لأنه تصرف في ملكية الغير بغير حق، وإن رجحنا القول بأن الأصل في يد المرتهن أنها يد الأمانة، إلا في هذه الحالة صارت يد الضمان.
2- الانتفاع بالرهن بإذن الراهن
أما إذا أذن الراهن أن ينتفع المرتهن بالمرهون في غير القرض وله ذلك، وهذا أيضا موضع الاتفاق تقريبا بين أهل العلم بالفقه في الجواز، ويكون هذا من باب العارية.
3- الانتفاع بالرهن في القرض بإذن الراهن
إذا أذن الراهن للمرتهن الانتفاع بالمرهون الذي كان في القرض، فلا يجوز ذلك بحال ولا عبرة بإذن الراهن ولا رضاه، لأن هذا الانتفاع داخل في باب الربا، نظرا لجريان النفع بسبب القرض، والقاعدة تقول: “كل قرض جر نفعا فهو ربا”.[2]
4- الانتفاع بالرهن في مقابل تأخير مدة سداد الدين
لو طلب المرتهن من الراهن الانتفاع بالمرهون على أن يؤجل أجل الدين فلا يجوز ذلك، حتى لو كان بطلب الراهن ورضاه، لأنه داخل في القاعدة الربوية السابقة.
5- الانتفاع بالرهن في مقابل مؤنة المرهون
قد يكون المرهون مما يحتاج إلى الرعاية والنفقة والتكاليف، وفي هذه الحال ينظر فيما إذا أذن الراهن للمرتهن الانتفاع بقدر المؤنة بلا محاباة، فإنه يجوز الانتفاع حسب الخدمة كالمستأجر.
وأما إذا لم يأذن الراهن له الانتفاع به مع امتناعه عن القيام بذلك ولم يكن الدين في قرض فإنه يجوز للمرتهن الانتفاع به في نظير نفقته على المرهون، وإن كان الدين دينا قرضا لم يجز إلا أن يكون في المركوب والمحلوب على الصحيح لقوله عليه الصلاة والسلام: «الظهر يركب بنفقته، ولبن الدر يشرب إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته»[3].
تنبيه: وإذا ثبت أن المرتهن قد انتفع بالمرهون بغير حق فإنه يحسب من الدين بنحو ما استفاد من الرهن.
قال الإمام أحمد: يوضع عن الراهن بقدر ذلك لأن المنافع ملك الراهن، فإذا استوفى فعليه قيمتها في ذمته للراهن، فيتقاص القيمة وقدرها من الدين ويتسقاطان[4]
حكم انتفاع الراهن بالرهن
وفي انتفاع الراهن بالمرهون اتجاهان لأهل العلم من حيث الإجمال:
الاتجاه الأول: هو ما اتفقت عليه المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة، أنه لا يجوز انتفاع الراهن بالرهن
دليل القول: أن الغاية من الرهن هو الحبس الدائم لدى المرتهن إلى أجل سداد الدين.
ونقل الموفق ابن قدامة مستند هذا المذهب أنهم قالوا:” إذا أجر الراهن الرهن بإذن المرتهن، كان إخراجا من الرهن؛ لأن الرهن يقتضي حبسه عند المرتهن أو نائبه على الدوام، فمتى وجد عقد يستحق به زوال الحبس زال الرهن”.[5]
ثم اختلفت كلمة أصحاب هذا القول فيما إذا أذن المرتهن للراهن بالانتفاع به على القولين:
القول الأول: على الجواز في الانتفاع به، كما هو مذهب كلا من الحنفية والحنابلة.[6]
القول الثانى: على عدم الجواز، بل يعد ذلك من مبطلات الرهن، وبهذا القول قالت المالكية. [7]
الاتجاه الثاني: أنه لا بأس بالانتفاع به ما لم يؤثر في قيمة الرهن، وهذا قول الشافعية ومن وافقهم.[8]
دليل القول: تمسك الشافعية بظاهر حديث “الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونًا، ولبن الدَّر يُشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة”[9].
وحمل الإمام الشافعي الفاعل من قوله عليه الصلاة والسلام: «يُرْكَبُ» و«يُشْرَبُ» على أن يكون المراد هو الراهن صاحب الرهن، “فيجوز للراهن انتفاع لا ينقص المرهون كركوب وسكنى واستخدام ولبس وإنزاء فحل لا ينقصانه[10]
ولكن الصواب أن المراد بالفاعل من الحديث هو المرتهن وليس الراهن، لورود التصريح به في رواية أحمد بقوله: «إذا كانت الدابة مرهونة، فعلى المرتهن علفها، ولبن الدر يشرب، وعلى الذي يشربه نفقته، ويركب»[11] وفي الباب أيضا حديث «لا يغلق الرهن، له غنمه وعليه غرمه»[12]
واستدلوا أيضا بأن موضوع الانتفاع وعدمه” لم يدخل في العقد ولا يضر بالمعقود له فبقي على ملكه وتصرفه كخدمة الأمة المتزوجة..”[13] إذ المقصود من الرهن توثيق الدين إلى أجل السداد حيث يمكن الاستفاء منه عند عجز الراهن سداد الدين.
القول الراجح
فيما يبدو –والله أعلم– أنه لم يدل دليل واضح على عدم انتفاع الراهن برهنه وإنما تبقى القضية على البراءة الأصلية، ما لم يضر الانتفاع بقيمة المرهون كسكنى الدار ونحوه، وخاصة إذا رضي المرتهن وأذن له، ولذا نجد مذهب الشافعية فيه قوة وأقرب إلى الحق والصواب، لأن منع الراهن من الانتفاع بالرهن فيما لا يضر لا شك أن في ذلك فوات للمنفعة والاضرار بالراهن، والمقرر في الشرع أنه لا ضرر ولا ضرار.