صورة مقال التحذير من النفاقصورة مقال التحذير من النفاقإن النفاق من أخطر الصفات الذميمة التي قام الإسلام بالتحذير منها، وتحدث الله عنها في آيات كثيرة. وجاء ذكر المنافقين كثيرا في سورة البقرة والنساء والتوبة وسورة المنافقين، وغيرها. وذلك لما يترتب عليها من ضرر دنيوي وآخروي. حيث أن النفاق يؤدي إلى الكفر إن خامر عقيدة الإنسان وإيمانه. ومن المؤسف أن نرى وجود هذه الصفة في بعض المسلمين اليوم بدرجات متفاوتة، لاسيما نفاق الأعمال. وذلك لانتشار الجهل بالدين وضعف العقيدة وتضييع الأوقات في ملاهي الدنيا والبعد عن القرآن الكريم والعلم الشرعي. وربما بعضهم لا ينتبه لوجود هذه الصفة فيه، ويظن أنه على حق، بينما يكون ما هو فيه إستدراج له من الله تعالى لنفاقه ومعصيته. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) [النساء: 142].

وبيَّن أن كثرة النعم للعصاة قد تكون إستدراج من الله تعالى، حيث قال: (إذا رأيتَ اللهَ تعالى يُعطي العبدَ من الدنيا ما يُحبُّ، وهو مقيمٌ على معاصِيه؛ فإنَّما ذلك منه إستدراجٌ) [انظر: صحيح الجامع].

ولذا لا يأمن مكر الله إلا القوم الكافرون. فعلى المرء الإحتراس ومراجعة قلبه وعمله من حين إلى آخر. ثم التوبة والاستغفار، والإستعاذة من النفاق. وذلك لأن النفاق قد يكون خفي ودقيق ولا يتبين إلا لمن فتح الله قلوبهم لرؤية الحق، وتأهب ليوم الرحيل. وليعلم المسلم أن كثرة المعاصي قد تؤدي إلى النفاق. وكذلك الأمن من مكر الله والجهل وغيرها من المنكرات. قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية: 23].

وكان النبي يتعوذ من النفاق في دعائه. فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله كان يدعو يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الشقاق، والنفاق، وسوء الأخلاق)[*]. فإن تعوذ منه أشرف الخلق وأتقاهم كان من باب أولى بنا خشية النفاق والإستعاذة منه والبعد عن أسبابه. لاسيما مع إنتشار الفتن وكثرة المغريات.

أنواع النفاق

لقد ذكر العلماء نوعين متباينين من النفاق من حيث الشدة والعقاب الأخروي. وهما: 

نفاق الاعتقاد:

صورة مقال التحذير من النفاقصورة مقال التحذير من النفاقالنفاق العقدي هو أن يظهر المرء الإيمان ويبطن الكفر. وهو الذي يخلد صاحبه في النار وكثر ذكره في القرآن الكريم. وهو أخطر أنواع النفاق، وأصحابه هم أخطر أنواع أعداء الإسلام، لأنهم يكيدون للمسلمين في الخفاء ويساعدون الكفار عليهم. وإظهارهم الود للمسلمين وتملقهم يجعل المسلمين لا ينتبهون لخطرهم ليحترسوا منهم. وقد يستطيع هؤلاء المنافقين الحصول على أسرار وخطط المسلمين في الحرب والسلم، فيفشوا بها للأعداء مما يشكل خطر كبير على المسلمين. ولذا توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)[1].

ومن أمثلة هؤلاء عبد الله بن أبي سلول وهو من قادة الخزرج في المدينة، وكان يطمع في أن يتولى الحكم قبل هجرة النبي إلى المدينة وظهور الإسلام فيها. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، دعي له رسول الله ليصلي عليه، فلما قام رسول الله وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله وقال: أخر عني يا عمر، فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال: فصلى عليه رسول الله ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا، حتى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا}[2] إلى قوله {وهم فاسقون}[3] قال: فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله يومئذ، والله ورسوله أعلم)[4].

فيبين هذا أن المنافقين مرفوضين وفي وضع خطر إن ماتوا على النفاق دون توبة. بدليل نهي الله عن الصلاة عليهم. ووعدهم بدخول النار. وذلك لأن النفاق قد يكون أشد من الكفر أحياناً. فالكافر ربما يكون جاهلاً، أو مسالماًـ أو فقط لا يعبأ، بينما المنافق يعلم الحق وينفر منه، ويدس نفسه وسط المسلمين ويكيد لهم ليأذيهم. فهو خبيث النفس وأسود القلب. لا يحترم الله ولا يقدر له قدره. ولذا توعدهم الله بالدرك الأسفل من النار. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)[5].

نفاق الأعمال والرياء:

ويعني أن المرء يقصد بعمله الناس وينافي الاخلاص لله تعالى في النية. ومن أمثلته من يتصدق أو يصلي ليرضى عنه الناس. وهو حرام شرعاً وذنب كبير يجب التوبة منه. كما أنه يبطل الأعمال الصالحة ويُذهب أجرها. قال تعالى: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[6].

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)[7].

وقال : (إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عليكُمُ الشِّركُ الأصغرُ: الرِّياءُ، يقولُ اللهُ يومَ القيامةِ إذا جَزَى النَّاسَ بأعمالِهم: اذهَبوا إلى الذينَ كنتم تُراؤونَ في الدُّنيا، فانظُروا هل تَجِدونَ عِندَهم جزاءٍ)[8].

الفرق بين النفاق والرياء:

الفرق هو أن النفاق كفر ويخامر العقيدة ويخلد صاحبه في النار. فقلب المنافق يكذب بالله وبوعده. بينما الرياء ليس بكفر ولا يخامر العقيدة ولا يخلد صاحبه في النار كنفاق الإعتقاد، ولكنه مرض قلبي يمكن معالجته. وقيل إن الفرق بين النفاق والرياء “أن المنافق يظهر غير ما يسر وذو الرياء يبدي للناس خلاف ما يضمر”[9].

وقيل إن “الرياء مشتق من الرؤية وهو أن يعمل العمل ليراه الناس، وأما النفاق فهو فعل المنافق، وهو في الشرع إظهار الإيمان وإبطان الكفر، فكل منافق مراء يري الناس أنه مؤمن وهو ليس بذلك، وليس كل مراء منافقا يبطن الكفر ويظهر الإسلام”[10].

النفاق الاجتماعي:

وهناك نوع أخر منتشر ومتفرع من الرياء وهو النفاق الاجتماعي. ومنه أن تجد أناس يقدمون رضى الناس وقبولهم على رضى الله، وعلى ذلك يبنون تصرفاتهم لمداراة البشر. وهو وإن كان أقل خطرا من نفاق الإعتقاد ولا يخلد صاحبه في النار، إلا أنه يدخل في الشرك الأصغر ويجب التوبة منه حتى لا يوقع صاحبه في المعاصي وارتكاب المحرمات لأجل الناس. كما أنه قد يؤدي إلى نفاق الإعتقاد إذا سيطر على الإنسان وعقيدته. ومن أمثلة ذلك أن تجد فتاة لا تلبس الحجاب حتى لا تخالف صديقاتها، ومنه من يكذب أمام أهل خطيبته ويوهمهم أنه غني ليقبلوا به، ومن يشرب الخمر عند ملاقاة ذوي المراتب العالية في المجتمع من غير المسلمين، ومن يضيع الصلاة لخجله من أن يصلى أمام غير المسلمين، ومن يصافح النساء لئلا يحرجهن، ومن تذهب لحفل زواج بنت جارتها ويكون به ما به من معاصي كالموسيقى والاختلاط ونحوه، فقط حتى لا تغضب منها، وغيرها من الأمثلة.

أسباب النفاق ودوافعه

للنفاق أسباب عادة ينتج منها. ومن أهمها ضعف الإيمان والجهل بالدين. وهناك أسباب أخرى، سنتناول بعضها بالشرح الموجز على سبيل المثال.

الجهل بالدين:

الجهل بالدين كثيرا ما يؤدي إلى النفاق. وذلك لأن من لا يعرف دينه لن يأخذه بجد ولن يعرف مدى أهمية التوبة وصلاح القلب. ولن يعرف مدى خطورة أمر الآخرة ليجدَّ ويجتهد في طلبها. بل غالباً ما تجد الجهل يقارنه الوهن وضعف الإيمان والتهاون في العبادة والغفلة وتقديم الدنيا على الأخرة.

قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[11].

وقال: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[12].

وقال : (يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها، قيل: يا رسولَ اللهِ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ؟ قال لا، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ)[13].

فالذي لا يعرف دينه ولا ربه لن يتمكن الخوف والرجاء من قلبه ويكون بذلك عرضة للنفاق. ولذا أمرنا نبينا الكريم بتعلم الدين وفهم القرآن والعناية به وبنشر أحاديثه ، فقال: (إنَّ أفْضَلَكُمْ مَن تَعَلَّمَ القُرْآنَ وعَلَّمَهُ)[14].

وأثنى الله تعالى على العلماء ووصفهم بخشيته في قوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[15]. ولذا كان حريا بكل مسلم السعي في تعلم الدين وتعليم أولاده. فذلك أحصن لدينه وقلبه.

الأمن من مكر الله:

الأمن من مكر الله يمكن أن يؤدي إلى النفاق. لأنها صفة لا تتفق مع الإيمان الحق ومعرفة الله عز وجل ومعرفة صفاته وأسمائه. ومن يتأمل في عواقب الأمم السابقة وما آلت إليه، ومن يتمعن في آيات الله وسنة نبيه وما جاء فيها من التخويف من عذاب الله لا يمكن أن يأمن من مكر الله. كذلك الإيمان بأن العبرة بالخواتيم والإيمان بقدر الله تعالى وأنه لن ينجو أحد بعمله، بل برحمة الله تعالى، كل ذلك وغيره يجعل المسلم دائم الحال بين الخوف والرجاء إلى أن يلقى الله عز وجل، وعندها فقط يفرح بوعد الله وثوابه. وكل هذا لا يأتي مع صفة الأمن من مكر الله. ومن يكن به هذه الصفة كثيرا ما يخالط قلبه النفاق. حيث يشعر بأن الأمر هين وليس هناك خوف عليه فيقدم الدنيا ومصالحها على الآخرة، مما قد يوقع به في بحور النفاق. قال تعالى: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ ۚ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ)[16].

كثرة المعاصي والمجاهرة بها:

كثرة المعاصي والذنوب قد تؤدي إلى النفاق. ولابد أن يحذر المسلم ولا يتمادى في الذنوب إعتماداً على عفو الله. فالله غفور رحيم، ولكنه أيضاً شديد العقاب ويمهل ولا يهمل، ويمكر بأعدائه بتزيين المعاصي في أعينهم ليزدادوا إثماً جزاءاً لعنادهم وتكبرهم على خالقهم وتماديهم في المعاصي. قال تعالى: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ)[17].

وليحذر المسلم من المجاهرة بالمعاصي لأنها بمثابة مبارزة لله. فالله يرخي ستره على المسلم ليعطيه فرصة للتوبة والرجوع والإستغفار، ويأتي العاصي فيفضح نفسه ويجاهر بذنوبه وكأنه يتحدي الله جل جلاله. وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (كُلُّ أُمَّتي مُعافاةٌ، إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ الإجْهارِ أنْ يَعْمَلَ العَبْدُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فيَقولُ: يا فُلانُ قدْ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عنْه)[18].

وذكر الألباني: (إنَّ الرجلَ ليُذنبُ الذنبَ فيُنكتُ في قلبِه نُكتةٌ سوداءُ، ثم يُذنبُ الذنبَ فتُنكتُ أخرى حتى يصيرَ لونُ قلبِه لونُ الشاةِ الرَّبداءِ)[19] وفي رواية (نُكْتةً سوداءَ من نفاقٍ في قلبِهِ)[20].

وفي هذا دليل على أن تكرار المعاصي قد يؤدي إلى النفاق وسواد القلب. هذا غير العقاب الآخروي الذي ينتظر صاحبها. فالأحرى بالعصاة التوبة والإقلاع قبل أن يختم الله على قلوبهم ويتمكن النفاق منها وتصعب التوبة بعدها.

إهمال العبادات والصلاة:

الإهمال المستمر للعبادات، لاسيما الصلاة قد يؤدي إلى النفاق. لأنه قد يؤدي إلى سواد القلب وعدم الاكتراث بأمر الآخرة. فالقلوب تصفى بالعبادة وتصدأ بتركها. وترك الفرائض من كبائر الذنوب التي قد توقع صاحبها في الكفر كما في حال الصلاة. وأكثر ما يكون ذلك في إهمال العبادات الأساسية وأركان الإسلام. فهو كثيرا ما يجعل المرء غائباً تماما عن استحضار أمر الآخرة والتصديق بها. قال تعالى: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[21].

الرياء ومداراة الناس على حساب الدين:

الرياء يختلف عن النفاق، حيث أن النفاق درجة أبعد في المعصية ويقارن بالكفر. والرياء معصية قلبية قد يطرأ على المسلم دون أن يدخله في دائرة المنافقين. وقد وضح ابن العثيمين – رحمه الله – أن الرياء الذي يطرأ على المسلم بعد قيامه بعمل صالح لا يضره إن شاء الله ما دامت أصل نيته في العمل سليمة. ورغم ذلك فإن التمادي في الرياء ًوالإصرار عليه قد يؤدي إلى النفاق. فمن يجعل مراءاة الناس والحرص على رضاهم همه الشاغل، ودافعاَ له في لعمل الصالحات دون أن ينظر إلى رضى الله وما أعده من الأجر من السهل أن يقع في النفاق. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[22].

صفات المنافق الخالص ومن به خصلة من النفاق

لقد بين لنا النبي الفرق بين المنافق الخالص ومن به خصلة من النفاق في حديثه: (أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر). وهذا بفضل الله فيه تخفيف على الناس، حيث لا يعتبر المرء منافقاً خالصاً إلا بإجتماع خصال المنافقين الأربع وهي: الكذب، وخلف الوعد، وغدر العهد، والفجور في الخصومة.

كثرة الكذب:

الكذب من آفات اللسان التي نهى عنها الإسلام، وجعلها من الذنوب التي تؤدي إلى عذاب القبر، إن لم يتب منها صاحبها. كما أنه يهدي إلى الفجور. وقد جعله النبي من علامات النفاق وحذر منه أمته في حديثه: (إيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وما يَزالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الكَذِبَ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذّابًا)[23]. والكذاب لا يخاف من عذاب الله بل يهمه رضى الناس ويقدمه على رضى الله ولذلك يعتاد على كذب.

كثرة إخلاف الوعد:

إن إخلاف الوعد صفة سيئة ومنهي عنها في الإسلام. وهو إحدى علامات المنفاق، كما أنه قد يؤدي إلى النفاق إذا تكرر وقوعه. والذي يوعد الناس ثم يخلف وعده بإستمرار دون عذر غالباً ما يكون لا ورع له ولا وازع ديني يحكمه. فهو لا يكترث بخلفه للوعد ولا بالخوف من النفاق. وقال تعالى عن عقاب المنافقين الذين أخلفوا وعدهم لله: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[24].

وقد تطرأ على الإنسان ظروف أحياناً تجعله يضطر لإخلاف وعده. ففي هذه الحالة حري به أن يخبر من وعده ويستسمحه ويشرح له ظروفه. فهذه حالات عابرة الكثير يمر بها. وأما من يجعل خلف الوعد ديدنه في الحياة فذلك به صفة من النفاق وعليه تركها والتوبة منها.

كثرة الفجور في الخصومة:

ومن مظاهر الفجور في الخصومة التمادي فيها دون وجه حق، والظلم والجور عن الحق والزيادة في العداء والشر وعدم التنازل أو المسامحة ونحوها. وقد عدها النبي من صفات المنافق. وذلك لأن قلبه أسود ولا يهمه أمر الآخر وعفو الله. فالمؤمن الحق عادة يكون هين لين وسهل، يسامح الناس لاسيما إن اعتذروا إليه. ولا يكبر الأمور ويجعل من الصغائر مشاكل وخصومات كبيرة. وقد رأينا في المدارس كيف أن النشء يحتاجون للتوعية في هذا الباب.

فنجد طلاب المدارس يتمادون في الأذى عند الخصام والشجار دون توقف. وقد سمعنا بحادثة من أحرقوا صاحبهم وهو حي. فهذا غاية في الفجور في الخصومة ولا رحمة ولا دين لمن يرتكب هذه الأفعال الشنيعة. وهي تنتج عن التمادي في الغضب ومتابعة الشيطان. وقد نهانا النبي عن الغضب. فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: (أتى النبي رجل، فقال: مرني بأمر، ولا تكثر علي حتى أعقله، قال: لا تغضب، فأعاد عليه: لا تغضب)[25].

وقد وعد الله تعالى الكاظمين الغيظ أجرا عظيماً، حيث قال: (الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[26]. وهناك طرق أرشدنا إليها النبي لدفع الغضب. فقد قال : (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)[27].

وقوي الإيمان هو من يستطيع التحكم في نفسه ويملك ذمامها عند الغضب. وما تحدث الجرائم وسفك الدماء إلا من جراء الغضب. قال : (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)[28].

كثرة نقض العهد:

لقد حرم الإسلام نقض العهد وأمر المسلمين بالوفاء بالعقود. قال تعالى: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ ۖ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[29].

وبين أن نقض العهد من علامات النفاق. ونقض العهد يفقد ثقة الناس في الناقض، فلا يقبلوا منه بعد ذلك صرفاً ولا عدلاً، مما يسبب ضرر بالغ له. وذلك خلافاً عن العقاب الآخروي وربما العقاب بالإصابة بالنفاق. قال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا)[30].

ووفاء المسلم بعهده أسلم له ولا يعرضه للمشاكل والنقد وفقد ثقة الناس فيه.

سمات أخرى تكثر في المنافقين

وهناك علامات أخرى وسمات كثيرا ما تظهر على المنافقين. ورغم دقتها وخفائها، إلا إنها كثيرا ما تظهر للمؤمنين خاصة الذين يعرفونها بما جاءهم في القرآن الكريم والسنة النبوية من صفات المنافقين. ورغم ان هذه الصفات كثيرا ما ترتبط بالنفاق، إلا أنها قد توجد أحيانا في غير المنافقين ايضا. ومنها:

يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان:

أكثر صفة تميز المنافقين، لاسيما في نفاق الإعتقاد هو أنهم يقولون ما ليس في قلوبهم، ويظهرون الإيمان ويضمرون الكفر. قال تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ)[31].

ذهاب نور الإيمان:

فإن للمؤمن نور في وجهه لا يخفى على مسلم، ومحبة في قلوب الناس. ولقد حرُمِ المنافقين هذا النور ولا تجد لهم نفس القبول الذي يوجد بالمؤمن الحق. وذلك لأن النفاق يذهب بنور الوجه، ويجعل صاحبه مذبذب وكثير الخوف والتردد والتأثر بما يقوله الناس. لا يثبت على حال، فهو تارة مع المؤمنين وتارة مع الكافرين. وقد وصف لنا الله تعالى هذا في كتابه الكريم بقوله: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)[32]

في قلوبهم مرض:

المنافقون قلوبهم مريضة وبها شك وحيرة وريب وعدم استقرار وفهم. ولذا سمى الله تعالى تلك الحال بمرض، لأنها راحة لها ولا سكينة ولا طمأنينة بالإيمان. فهم في غيهم يتخبطون. قال تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[33].

الخوف من انفضاض الناس وتقديم مجاملتهم على تعاليم الشرع:

فتجد المنافقين يراقبون الناس ويراؤوهم في أعمالهم. ويقدمون مجاملتهم حتى ولو خالفت الشرع، وذلك خوفاً على فقد مناصبهم وذهاب جاههم. قال تعالى: (يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[34].

وقال: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا)[35].

وبعض الناس يخالفون شرع الله لمجرد مجاملة الناس والتماشي مع عادات المجتمع. ومن أمثلة ذلك الشاب الذي يدخن السيجار متابعة لأصدقائه، وذاك الذي يسهل بنطاله متابعة للمظاهر، والفتاة التي تصافح الرجال وتخالطهم لمتابعة عادات المجتمع. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[36].

المجاهرة بالمعاصي:

المجاهرة بالمعاصي صفى سيئة، وقد تكون علامة على النفاق. فمن يصدق في إيمانه ويعرف ربه ويعرف أنه شديد العقاب وأنه يمهل ولا يهمل وأنه يمكر بالكافرين والمنافقين لما تجرأ على مبارزته بالمعاصي. وروى أبو هريرة عن النبي قال: (كُلُّ أُمَّتي مُعافاةٌ، إلَّا المُجاهِرِينَ، وإنَّ مِنَ الإجْهارِ أنْ يَعْمَلَ العَبْدُ باللَّيْلِ عَمَلًا، ثُمَّ يُصْبِحُ قدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ، فيَقولُ: يا فُلانُ قدْ عَمِلْتُ البارِحَةَ كَذا وكَذا، وقدْ باتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، ويُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عنْه)[37].  فحتى لو أذنب المسلم عليه بستر نفسه والتوبة والإستغفار. والمجاهرة بالمعصية أمام الناس فيها سوء أدب وعدم خوف من الله تعالى … وذلك كثيرا ما يصدر من المنافقين.

لهم مظهر حسن وكلام خاوٍ:

المنافقون يبدون عادة بمظهر حسن، ومع ذلك كلامهم خاوٍ، لا قيمة له ولا مغذى. وذلك لفراغ قلوبهم من الإيمان والحكمة. قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)[38]. ومن هؤلاء تجد المغني والممثل ولاعب الكرة وأصحاب القنوات، وغيرهم، ممن لا يهتم إلا بمتابعيه. وتجدهم يهتمون بمظاهرهم وكلامهم كله عن الدنيا ومصالحها، دون أي مراعاة لحدود الله ومحارمه.

عمى البصيرة والتخبط بين الحق والباطل والهداية والضلال:

المنافقون يتصفون عادة بعمى البصيرة وقلة الهداية، وذلك لأن المنافق لا إيمان له يرجعه أو يردعه إلى الطريق المستقيم. ونور البصيرة هبة يعطيها الله للمؤمنين المخلصين من عباده. والمنافقين يفتقدون الإخلاص، ولذا تجدهم يتخبطون بين الحق والباطل دون هداية ولا دليل. قال تعالى واصفا حالهم: (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ)[39]. أي هؤلاء المنافقين الذين قبلوا الإسلام ظاهراً ثم أفسدوه بنفاقهم وفساد قلوبهم مثل الذين “يتخبطون في ظلماتِ ضلالهم وهم لا يشعرون، ولا أمل لهم في الخروج منها، تُشْبه حالَ جماعة في ليلة مظلمة، وأوقد أحدهم نارًا عظيمة للدفء والإضاءة، فلما سطعت النار وأنارت ما حوله، انطفأت وأعتمت، فصار أصحابها في ظلمات لا يرون شيئًا، ولا يهتدون إلى طريق ولا مخرج”[40].

ثم قال في نفس السورة: (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[41].  أي “أو تُشْبه حالُ فريق آخر من المنافقين يظهر لهم الحق تارة، ويشكون فيه تارة أخرى، حالَ جماعة يمشون في العراء، فينصب عليهم مطر شديد، تصاحبه ظلمات بعضها فوق بعض، مع قصف الرعد، ولمعان البرق، والصواعق المحرقة، التي تجعلهم من شدة الهول يضعون أصابعهم في آذانهم; خوفًا من الهلاك. والله تعالى محيط بالكافرين لا يفوتونه ولا يعجزونه”[42].

الجهل بالدين وتعاليم الإسلام:

المنافقين كثيرا ما يتصفون بالجهل ولا يفقهون شيء من الدين، ويحاولون إبداء غير هذا. وقد رُوِىَ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: (ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا. قال الليث: كانا رجلين من المنافقين)[43]. ولا عجب، فهم إن تعلموا الدين بتعمق لذهب عنهم النفاق، ولإستيقظت قلوبهم من الغفلة وآمنوا بالله واليوم الآخر والحساب والبعث. وكل ذلك يذهب النفاق، ولكنهم أهملوا تعلم الدين وتركوه، فأصابهم النفاق. قال تعالى: (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[44].

سوء الظن بالله وعدم التصديق بوعده:

فتجد المنافق لا يصدق بوعد الله لأنه لا يؤمن بالآخرة ولا بالجزاء والعقاب. وإن كان لديه إيمان فليس بإيمان كامل يوزعه لعمل الطاعات. قال تعالى: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)[45]. وقال في سورة الأنفال: (إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[46]. كما أن المنافق بعد ذلك يسئ الظن بالله. قال تعالى: (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)[47].

الكبر:

الكبر من صفات المنافقين. فكثيرا ما تجدهم يتكبرون على المسلمين، ويظنون أنه أفضل منهم إما لعرض دنيوي من مال أو منصب وجاه أو غيره. فلا يرون أن ما يتفاضل به الناس هو تقوى الله كما علمنا النبي الكريم. وقد ووصفهم الله بهذه الصفة في قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ)[48]. والكبر صفة ذميمة تمنع صاحبها من دخول الجنة. وقال : (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)[49].

تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى:

المنافقون لا يحبون بعضهم البعض، ولا تتآلف قلوبهم. فكل منهم يخاف على منصبه وأمواله. وعلى سبيل المثال عبد الله ابن أبي سلول كان يأمل أن يصير والي المدينة قبل أن الهجرة. فبعد أن هاجر إليها الرسول وصار هو الوالي، أصبح ذلك المنافق يضمر الشر ويظهر السلام. ولا يهمه أتباعه بقدر ما أهمه المنصب الذي فقده. قال تعالى: (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ)[50].

الخوف من ضياع المنصب والمال بفضحهم أمام المسلمين:

يخاف المنافقين على مناصبهم وأموالهم. ولذا تراهم يهابون المسلمين ويتملَّقوهم ويخافون الفضيحة أمامهم. قال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)[51]. وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا)[52].

حبهم أن يحمدوا بما لم يفعلوا:

من علامات المنافقين حبهم أن يحمدوا بما لم يفعلوا. وذلك لحبهم ثناء الناس والجاه بينهم. قال تعالى: (لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[53]. وروىأبو سعيد الخدري: (أن رجالا من المنافقين على عهد رسول الله كان إذا خرج رسول الله إلى الغزو تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله ، فإذا قدم رسول الله اعتذروا إليه، وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا، فنزلت: (لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا) الآية)[54].

التذبذب بين المسلمين والكافرين:

من علامات المنافقين التذبذب بين المسلمين والكافرين. قال تعالى: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ)[55]. أي “إنَّ مِن شأن هؤلاء المنافقين التردد والحَيْرة والاضطراب، لا يستقرون على حال، فلا هم مع المؤمنين ولا هم مع الكافرين”[56]. وقال بن باز – رحمه الله -: “والمعنى أنهم مترددون بين الكفار والمسلمين، تارة مع الكفار إذا ظهر الكفار وانتصروا، وتارة مع المؤمنين إن ظهروا وانتصروا، فليس عندهم ثبات ولا دين مستقيم ولا إيمان ثابت، بل هم مذبذبون بين الكفر والإيمان وبين الكفار والمسلمين”[57].

خوفهم من المؤمنين:

تجد المنافقين يجدون خوف ورهبة من المؤمنين. وذلك لأنهم لا يخافون الله، ولا يحسبون حساب إلا لما يرونه بأعينهم في الدنيا. فما في الآخرة لا يهيم ولا يؤمنون به. ولذ تجدهم كالقدر الخاوية التي تخشى كسرها في أي لحظة. قال تعالى: (لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ)[58].

من أفعال المنافقين

هناك أفعال يكثر وقوعها من المنافقين، وقد تصدر ايضاً من غيرهم. إلا وأن كثرة وقوعها قد تكون علامة على النفاق. منها ما يلي:

الاستهزاء بالقرآن وبالله ورسوله:

كثيرا ما يستهزأ المنافقون بالدين. وضد توعدهم الله لذلك بالعذاب الأليم ونهى المسلمين من الجلوس معهم عندما يقدموا على هذه الأفعال الكفرية. قال تعالى: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)[59].

وقال: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ)[60].

فمن يقوم بالإستهزاء بالله أو رسوله وهو يُبدي الإسلام، فلابد وأن يكون منافق، إذ كيف يتسنى له أن يقوم بهذه الكبائر إن كان مؤمن بوعد الله ووعيده.

الحكم بغير ما أنزل الله وعدم الرضى بشرع الله:

لقد انتشرت القوانين الوضعية والتي تخالف شرع الله والتي طبقت من قبل العلمانيين الذين لا يعيرون لرضاء الله بال وكثير منهم منافقون. وأصبح هذا هو المنتشر في بلاد المسلمين منذ سقوط الدولة الإسلامية. وذلك لإنتشار ضعف الإيمان وإعطاء الأمر إلى غير أهله. وتنتشر هذه الصفة في ضعاف الإيمان من موظفي الدولة. وذلك بحكم مناصبهم في تولى القضاء ووضع القوانين وتشريع الاحكام التي تفصل بين الناس وتتولى البت في الأمور القضائية. قال تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)[61].

وتجد المنافقين إذا داهمتهم مسألة جاءت فيها فتوى بتحريمها يبذلوا الجهد ليجدوا المداخل والطرقات الملتوية للخروج منها بتحليل ما حرم الله. فإذا نصحت أحدهم على سبيل المثال بعدم جواز خلع الحجاب أتوا بأدلة ما أنزل الله بها من سلطان لتحليل خلعه. وغيرها من الأمثلة التي المتفرقة. قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا)[62].

وقال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[63].

وقد انتقد الله من يبتغي حكم الجاهلية في قوله تعالى: (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[64].

وقال : (لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى يَكونَ هواهُ تبعًا لمَّا جئتُ بِهِ)[65].

ومن تعاليم ديننا طاعة ولاة الأمر. فهي واجبة ما لم يرى الناس كفراً بواحاً. وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دَعَانَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ، فَكانَ فِيما أَخَذَ عَلَيْنَا: أَنْ بَايَعَنَا علَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا، وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأمْرَ أَهْلَهُ، قالَ: إلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فيه بُرْهَانٌ)[66].

فإذا رأي المسلمين انحراف الإمام عن جادة الطريق بشكل كبير يصل لحد الكفر كان حريا بهم جمع أمرهم لتصويبه ورده إلى جادة الصواب وعدم متابعتهم ومداراتهم في تضييع حقوق الله.

موالاة الكفار ومداهنتهم:

من طباع المنافقين موالاة الكفار ومداهنتهم. وذلك لأنهم قوماً لا يهمهم سوى الدنيا وتحصيل عروضها. فهم لا يريدوا أن يخسروا مناصبهم وأموالهم ومزاياهم في المجتمع. فتراهم يداهنون الكفار ويكرموهم ويرفعوا شأنهم فوق المسلمين. وقد توعدهم الله بعذاب أليم نتيجة نفاقهم وأفعالهم المشينة. قال تعالى: (قال تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[67].

وقال: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ)[68].

بغض الصحابة وتكفيرهم:

من علامات النفاق بغض الصحابة وتكفيرهم. ومعلوم أن من العقد الصحيح سلامة الصدر لأصحاب رسول الله وتوحيد صف المؤمنين. ومع ذلك تجد المنافقين يتمادون في إيذاء الصحابة ويتجرؤون على سبهم، وهم الذين اختارهم الله لصحبة نبيه ونصرته. قال تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). وقال : (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا، ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه).

وهذه شهادة من النبي صلى الله عليهم وسلم ففضل الصحابة وعلو منزلتهم. وقال علي – رضي الله عنه -: (والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي إلي: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق)[69].

وروى البراء بن عازب عن النبي أنه قال في الأنصار: (لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله)[70]. وقال أيضاً: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار)[71]. ولا تجد مؤمن كامل الإيمان يبغضهم ويتكلم عنهم بسوء أو يكفرهم.

تقديم المال والمصالح الدنيوية على الدين وقبول الرشوة:

ونجد في المسلمين اليوم من يتنازل عن اتباع تعاليم دينه لأجل تحصيل مصلحة دنيوية من مال او منصب وغيره. ومثاله كمن يقبل الرشوة لتسهيل على المخالفين الفارين من ضبط النظام لهم. ومنه المعلم الذي يعطى درجات لطالب بغير وجه حق لتحصيل اكرامية من والده ومن يعطي رشوة لإستخراج مستند حكومي لا يحق له، ونحو ذلك. قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[72].

وقال: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)[73].

وقد تنبأ نبينا الكريم عن ظهور فئات من الناس سيبيعون دينهم بأعرض الدنيا، وقد حدث كثيرا في زماننا هذا. وفعن أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: (بادِروا بالأَعمالِ فِتَنًا كقِطَعِ اللَّيلِ المُظلِمِ؛ يُصبِحُ الرَّجُلُ مُؤمِنًا ويُمسي كافِرًا، ويُمسي مُؤمِنًا، ويُصبِحُ كافِرًا، يَبيعُ دينَه بِعَرَضٍ مِن الدُّنيا قَليلٍ)[74].

الاستهانة بالطاعة والتخلف عن الجهاد:

من صفات المنافقين الإستهانة بالطاعة والتخلف عن الجهاد. وقد بين الله تعالى في قوله: (لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)[75].

وقوله: (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ)[76].

عدم قبول الحق والمراء في الجدال:

المنافقين عادة لا يقبلون الحق، ويتمارون في الجدال والحجج الواهية. وقد وصفهم الله تعالى بوصف بليغ، وهو أنهم صم عن سماع الحق، وبكم عن النطق به. قال تعالى: (* صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)[77]. قال : (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتو الجدال)[78]. وقال: (الجدال في القرآن كفر)[79].

اتباع الشهوات والدعوة إلى الفاحشة والمعاصي:

متابعة الشهوات دون وازع ديني أو حد من صفات المنافقين الواضحة. وكثيرا ما نرى هذه الصفة فيمن يسمون بأهل الفن في هذا الزمان. فتجدهم لا يتهاونون من إرتكاب الفواحش واتباع الشهوات لأجل عمل فيلم أو مسلسل تلفزيوني. فتجد المال والشهرة عندهم أهم من رضى الله تعالى. قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَىٰ عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَىٰ سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَىٰ بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)[80].

وكذلك تجد هذه الأفلام بها دعوة للفاحشة والمعاصي دون أي إعتبار لتعاليم الدين. والجيل الذي يتربى على مشاهدة هذه الأفلام يرى الإختلاط والحب الحرام وشرب الخمر والقتل والسرقة والغدر وبيع الهوى وغيرها من الفواحش أمور عادية وذلك لتكرار عرضها في هذه الأفلام وتخزين صورها في عقولهم الباطنة حتى أصبحت أمر عادي أو معتاد المشاهدة. قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[81].

التكاسل عن الصلاة:

ومن ذلكتفويت الصلاة عن وقتها لاسيما صلاتي الصبح والعشاء أو تركها بالكلية. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[82].

وقال : (ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، لقد هممت أن آمر المؤذن، فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلا من نار، فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد)[83].

وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنهما – قال: لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه، أو مريض، إن كان المريض ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله علمنا سنن الهدى، وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه)[84].

والصلاة أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة. فلا يتركها إلا من ضعف إيمانه وتصديقه باليوم الآخر.

البخل ونهي الناس عن الإنفاق:

المنافق يستخسر الصدقة في الفقراء ويبخل بها، بل وينهى غيره عنها. وذلك لأن قلبه مريض وليس به إيمان بالآخرة. فينظر فقط إلى صرف المال في الصدقة بينما ينسى أو يتناسى الأجر العظيم المترتب عليها في الآخرة. ولا يؤمن بأن الله سيعوضه لأنه لا يؤمن بالله أساساً أو لا يصدق بوعده. قال تعالى: (هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّوا ۗ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ)[85]

وقال: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[86].

شهادة الزور والسكوت عن الحق:

شهادة الزور كبيرة من الكبائر التي قد تشير الي وجود النفاق. فشاهد الزور لا يهمه مراقبة الله عز وجل له مثل ما يهمه أمر الدنيا. وقال أنس بن مالك: (ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الكَبَائِرَ -أوْ سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ- فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ)[87].

وشاهد الزور ظالم، فهو بكذبه يظلم الناس أو يظلم نفسه. ويركب كبيرة من الكبائر قد توقعه في نار جهنم إن لم يتب منها. ودوافع شهادة الزور قد يكون الطمع، أو الحقد، أو النفاق. وكلهم قبيح. قال تعالى: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)[88].

ومدح الله تعالى الذين يجتنبون شهادة الزور في قوله: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا)[89].

حفظ القرآن للدنيا:

ونرى اليوم اعداد من حفظة القرآن الذين لا يحفظونه لوجه الله ولا هم لهم سوى الشهرة. وقد تنبأ بظهورهم النبي حين قال: (تخرُجُ خارجةٌ من أُمَّتي، ليس صلاتُكم إلى صلاتِهم بشيءٍ، ولا صيامُكم إلى صيامِهم بشيءٍ، ولا قراءتُكم إلى قراءتِهم بشيءٍ، يَقرَؤونَ القُرآنَ يَحسَبونَ أنَّه لهم، وهو عليهم، لا يُجاوِزُ حَناجِرَهم، يَمرُقونَ منَ الإسلامِ كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّميَّةِ …)[90].

فهؤلاء أجهدوا أنفسهم في الحفظ ولكن لم تصلح نواياهم، فأضاعوا أوقاتهم وجهدهم وليس لهم في الآخرة أجر ولا ثواب. وسيجدون أعمالهم كسراب لا يمكن تحصيله أو نيل شيء منه؛ وذلك نتيجة نفاقهم وعدم إخلاصهم لله تعالى. وقد كان حريا بهم ان يستفيدوا من الآيات التي حفظوها ويخلصوا النية لينجوا من النار وينالوا الأجر العظيم في الآخرة. ولذا أمر النية من أهم الأساسيات التي يجب إصلاحها في قلب كل مسلم. حتى ينجو وينار ثمرة تعبه في الدنيا. وقال : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)[91].

كما قال: (المؤمن الذي يقرأ القرآن ويعمل به: كالأترجة، طعمها طيب وريحها طيب، والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن، ويعمل به: كالتمرة طعمها طيب ولا ريح لها، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن: كالريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن: كالحنظلة، طعمها مر – أو خبيث – وريحها مر)[92].

الفتوى الكاذبة والقول على الله دون علم:

المنافقين لا يتورعون من القول على الله دون علم. وتراهم يطلقون الفتاوى والأحكام دون روية ولا معرفة. فهم لا يخافون من القول على الله دون علم. بالرغم من أنها كبيرة حذر نهانا عنها القرآن في أكثر من موضع، وتوعد مرتكبها بالعذاب. قال تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)[93].

كما أن منهم من وضع الأحاديث الكاذبة ليصل لمبتغاه وينال العطايا ويتقرب لموظفي الدولة. وقد حذر النبي من ذلك وتوعد فاعله بعذاب النار، وذلك في قوله: (ومن كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)[94].

يسخرون من المؤمنين:

وتجد المنافقين يسخرون من المؤمنين، كما حدث عندما سخروا من صدقاتهم البسيطة لفقرهم، ونسوا أن الله تعالى يقبلها بيمينه إن خلصت. فالله لا يحتاج صدقاتنا قلت أو كثرت وإنما يهمه التقوى والنية فيها. قال تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[95].

وعن أبو مسعود عقبة بن عمرو- رضي الله عنه – قال: (ما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل، فجاء أبو عقيل بنصف صاع، وجاء إنسان بأكثر منه، فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة هذا، وما فعل هذا الآخر إلا رئاء، فنزلت: {الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم}[96] الآية)[97].

محاولة أذى المسلمين وإشعال الفتن بينهم:

من علامات المنافقين أنهم يميلون لإشعال الفتن بين المسلمين. فتراهم ينقلون القيل والقال ويزيفون الحقائق وينقلون الأكاذيب والخباثات ليوقعوا بين المسلمين. قال تعالى: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)[98].

فتراهم يركزون على نشر أي شي يمكن أن يسبب بلبلة. وقد رأينا قنوات كاملة مفتوحة لهذا الغرض.

يتعلمون العلم الشرعي للدنيا:

ومنهم من يتعلم العلم الشرعي للدنيا. وقد توعد الله تعالى من يفعل ذلك بالنار. قال : (لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو تماروا به السفهاء، ولا لتحبروا به المجلس؛ فمن فعل ذلك فالنار النار) [99].

وقال: من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)[100].

يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف:

وقد وصفهم الله تعالى بأنهم يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف. قال تعالى: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[101].

خطر النفاق وعواقبه

دخول الدرك الأسفل من النار:

لقد توعد الله المنافقين بدخول النار وكرر هذا الوعيد في مواضع عدة من القرآن. بل قال انهم سيدخلون الدرك الأسفل من النار وأنهم سيخلدون فيها والعياذ بالله. قال تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)[102]. وقال: (لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[103].

الختم على القلب:

من مخاطر النفاق الختم على القلب. ولذا على المسلم أن يتعهد قلبه من النفاق ويحرص على تزكيته بالتوبة والإسغفار والصلاة، حتى لا يختم عليه. قال تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[104].

نسيان الله:

من عقوبات النفاق هو نسيان الله. قال تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[105]. والمعنى “نسوا الله فلا يذكرونه، فنسيهم من رحمته، فلم يوفقهم إلى خير”[106].

اتباع الدجال:

يُخشى على المنافقين من متابعة المسيح الدجال. وذلك لقوله : (يَجِيءُ الدَّجَّالُ، حتَّى يَنْزِلَ في ناحِيَةِ المَدِينَةِ، ثُمَّ تَرْجُفُ المَدِينَةُ ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ كُلُّ كافِرٍ ومُنافِقٍ)[107]. وربما وذلك لضعف إيمانهم وحرصهم على الدنيا وزينتها.

عدم الثبات عند السؤال في القبر:

من خطر النفاق أنه قد يؤدي إلى سوء الخاتمة. وذلك لأن الله عليم بما في القلوب. وعلى سرائر الناس يختم لهم عند الموت. قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[108].

وقال : (العبد إذا وضع في قبره، وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم، أتاه ملكان، فأقعداه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد ؟ فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال: انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة، قال النبي : فيراهما جميعا، وأما الكافر – أو المنافق – فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس، فيقال: لا دريت ولا تليت، ثم يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه، فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين)[109].

الصد عن سبيل الله وعن الدعوة إلى الله:

يصد المنافقين عن سبيل الله والدعوة إلى الله. قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا)[110].

عدم قبول التوبة:

من خطر النفاق أنه قد يؤدي إلى عدم قبول التوبة. قال تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)[111].

وقال: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ)[112].

وروى عبد الله بن عمر: (ما توفي عبد الله بن أبي، جاء ابنه إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أعطني قميصك أكفنه فيه وصل عليه، واستغفر له. فأعطاه قميصه، وقال: إذا فرغت منه فآذنا فلما فرغ آذنه به، فجاء ليصلي عليه، فجذبه عمر فقال: أليس قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين، فقال: {استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}[113] فنزلت: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره}[114] فترك الصلاة عليهم)[115].

الهزيمة والخزي والخذلان في الدنيا:

وخلاف عذاب النار في الآخرة، لقد توعدهم الله بالخذلان في الدنيا أيضاً. قال تعالى: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)[116].

ذهاب النور يوم القيامة:

يذهب النور من المنافقين يوم القيامة. قال تعالى: (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلَاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)[117].

تحكم الكفار في المنافقين والإستهتار بهم:

كثيرا ما تجد المنافقين محل سخرية الكفار. وقد حدث هذا بالفعل في أكثر من واقعة. ونتجنب ذكر الأسماء والأماكن، ولكن الأحداث صورت وعرضت في قنوات التواصل الاجتماعي من ذلك ما يمكن البحث عنه.

افتضاحهم أمام الله وأمام الناس:

والله تعالى يفضح المنافق أمامه وأمام الناس. وكثيرا ما تجد من يتملق الناس ويحاول إرضاءهم بكل الطرق حتى وإن تراخى في الفتوى وغيره، ولكن مع ذلك لا يجد قبول من الناس … بل يقابل بالنفور والصد والإعراض. وكأن الله تعالى يلقنه درساً في قدرته. وذلك بفضحه وفضح نواياه بين الخلائق. قال تعالى: (أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ)[118]. قال تعالى: (إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ)[119].

عدم قبول الأعمال الصالحة والصدقات:

سيجد المنافقين أعمالهم الصالحة كسراب يوم القيامة لا أجر له ولا فائدة. قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ). وقال: (قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ)[120].

بغض المسلمين لهم:

من عواقب النفاق مقت المسلمين للمنافقين وعزلهم وابعادهم. فيفقدون الصحبة الصالحة ويشعرون بجفاء من حولهم من المؤمنين وبغضهم لهم. وذلك لما يكشفه الله للمؤمن الخالص أحيانا من أحوال الناس بفراسة المؤمن. قال : (اتَّقوا فِراسةَ المؤمنِ فإنَّه ينظرُ بنورِ اللهِ)[121].

وقال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ)[122]. أي “بل أظنَّ المنافقون أن الله لن يُخْرِج ما في قلوبهم من الحسد والحقد للإسلام وأهله؟ بلى فإن الله يميز الصادق من الكاذب. ولو نشاء -أيها النبي- لأريناك أشخاصهم، فلعرفتهم بعلامات ظاهرة فيهم، ولتعرفنَّهم فيما يبدو من كلامهم الدال على مقاصدهم. والله تعالى لا تخفى عليه أعمال مَن أطاعه ولا أعمال من عصاه، وسيجازي كلا بما يستحق”[123].

تحريم الصلاة عليهم:‏ ‏

لقد نهى الله تعالى نبيه الكريم من الصلاة على ابن أبي سلول المنافق. فعن ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏رضي الله عنهم ‏ ‏أنه قال ‏ (‏لما مات ‏ ‏عبد الله بن أبي ابن سلول ‏ ‏دعي له رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏ليصلي عليه فلما قام رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏وثبت إليه فقلت يا رسول الله ‏ ‏أتصلي على ‏ ‏ابن أبي ‏ ‏وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا أعدد عليه قوله فتبسم رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏وقال أخر عني يا ‏ ‏عمر ‏ ‏فلما أكثرت عليه قال ‏ ‏إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من ‏ ‏براءة ‏ ‏ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ‏ ‏إلى قوله ‏ ‏وهم فاسقون ‏ ‏قال فعجبت بعد من ‏ ‏جرأتي ‏ ‏على رسول الله ‏ ‏ ‏ ‏يومئذ والله ورسوله أعلم‏).

قال ابن باز – رحمه الله- عندما سئل عن الصلاة على المنافق: “لا يصلى عليه؛ لقوله تعالى: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا)[124] إذا كان نفاقه ظاهرًا، أما إذا كان ذلك مجرد تهمة فإنه يصلى عليه؛ لأن الأصل وجوب الصلاة على الميت المسلم فلا يترك الواجب بالشك”[125].

الطرد والنبذ من المسلمين:

كثيرا ما يقع النبذ والطرد من المسلمين للمنافقين. وقال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا)[126]. أي “لئن لم يكفَّ الذين يضمرون الكفر ويظهرون الإيمان والذين في قلوبهم شك وريبة، والذين ينشرون الأخبار الكاذبة في مدينة الرسول عن قبائحهم وشرورهم، لنسلِّطنَّك عليهم، ثم لا يسكنون معك فيها إلا زمنًا قليلا. مطرودين من رحمة الله، في أي مكان وُجِدوا فيه أُسِروا وقُتِّلوا تقتيلا ما داموا مقيمين على النفاق ونشر الأخبار الكاذبة بين المسلمين بغرض الفتنة والفساد”[127].

وكثيرا ما يفضح الله تعالى المنافقين ويكشفهم أمام الناس. وذلك لأنهم كثيرا ما يحاولون إرضاء الناس بسخط الله. فيفضحهم الله وينشر مقتهم بين المسلمين. قال : (من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)[128].

النفاق من منظور القرآن الكريم

  • النفاق العقدي كفر وصاحبه مخلد في النار وهو ينافي مقصد إصلاح المعتقد.
  • النفاق يجعل الإنسان يظهر غير ما يبطن وهذا نوع من الكذب والمداهنة ويتنافى مع مقصد تهذيب الأخلاق.
  • النفاق يتعارض مع أخذ العبرة من قصص القرآن وعواقب المنافقين.
  • المنافقين يوالون الكفار ويداهنون الناس على حساب رضى الله وأمن الدولة المسلمة ويتنافى مع مقصد سياسة الأمة.

هل للمنافق توبة؟

نعم للمنافق توبة. فمن فضل الله ورحمته أن ترك باب التوبة مفتوح للجميع قبل الموت. الكافر والمنافق والمشرك والعاصي ومرتكب الكبائر وغيرهم. كلهم يمكن أن يتوبوا ويقبل الله توبتهم. فالحمد لله على هذه النعمة. قال تعالى: (إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)[129]. وقال: (غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[130]. فمن أصابه نفاق فليهرع إلى الله ويستعين به. ويستغفر ويتوب ويعمل على قلبه ليذهب عنه النفاق. فالله يقبل توبته إن أخلص فيها بإذنه تعالى. قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[131].

كيفية معالجة النفاق

قراءة القرآن الكريم:

تدبر آيات التخويف لا سيما قصار السور والمفصل وما جاء عن ذكر الجنة والنار والدار الآخرة. وما توعد الله به المنافقين. كل ذلك يوقظ القلب ويجعل المنافق يتوب ويرجع بإذن الله. قال تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)[132].

تعلم الدين:

تعلم العلم الشرعي والدين يحمي صاحبه من الوقوع في النفاق؛ وكلما استزاد المرء علما كلما إزداد إيمانه ومعرفته بالله وبصفاته وتصديقه بوعده ووعيده وجنته وناره. وهذا يجعل المرء يتخذ أمر الآخرة بجد ويسعى لمرضاة الله وتجنب سخطه. فيطهر ذلك قلبه من الأمراض القلبية ومن النفاق ويصلح إيمانه وعمله وإعلانه وسريرته فيذهب عنه النفاق ويخلص لله وينضم لصفوف المؤمنين طوعاً. ولذا كان طلب العلم الشرعي امر من الله ورسوله. وهو مجلبة لحفظ المؤمن وحمايته من النفاق والزيغ وفساد العقيدة والقلب. قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (مَن يُرِدِ اللَّهُ به خَيْرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ)[133].

وكذا العلم فيه رفعة للمسلم في الدنيا والآخرة. فالعلماء يبجلهم الناس ويحترمونهم ويعتدون بكلمتهم. وعلماء الإسلام خاصة لهم مكانتهم التي ليس فوقها مكانة بعد الأنبياء والرسل. قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)[134].

وقال: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)[135].

فهم ليسوا سواء بجهال الناس، بل شتان ما بين هؤلاء وهؤلاء. ولذا سماهم النبي بورثة الأنبياء وذكر أجورهم الكبيرة في الآخرة وأن العالم أفضل من العابد بكثير. قال : (من سلَكَ طريقًا يطلبُ فيهِ علمًا سلَك اللَّهُ بِه طريقًا من طرقِ الجنَّةِ وإنَّ الملائِكةَ لتضعُ أجنحتَها رِضًى لطالبِ العلمِ وإنَّ العالِمَ ليستغفرُ لَه مَن في السَّماواتِ ومن في الأرضِ والحيتانُ في جوفِ الماءِ وإنَّ فضلَ العالِمِ على العابدِ كفضلِ القمرِ ليلةَ البدرِ على سائرِ الكواكبِ وإنَّ العلماءَ ورثةُ الأنبياءِ وإنَّ الأنبياءَ لم يورِّثوا دينارًا ولا درهمًا)[136].

الدعاء والإستعانة بالله عز وجل:

الدعاء مخ العبادة، وهو تقوية للصلة بين العبد وربه. وفيه تطهير للقلب من النفاق. وكان يقول في دعائِه: (اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من العجزِ والكسلِ والجُبْنِ والبخلِ والهِرَمِ والقسوةِ والغفلةِ والعِيَلةِ والذِّلَّةِ والمسكنةِ وأعوذُ بكَ من الفقرِ والكفرِ والفسوقِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ والسُّمعةِ والرياءِ أعوذُ بكَ من الصَّممِ والبُكمِ والجُنونِ والجُذامِ والبَرَصِ وسيءِ الأسقامِ)[137].

وكذلك الإستعانة بالله تعالى وسؤاله الإخلاص والتوحيد. ومن استعان بالله إعانه وكفاه. وقد كان النبي – وهو نبي الله وأفضل الأمة – يسأل الله الهداية. فقد روى عبد الله بن عباس أن النبي خطب يوما فقال: (الحمد لله نستعينه ونستهديه ونستنصره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله [من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعص الله ورسوله فقد غوى حتى يفيء إلى أمر الله)[138].

تقوية التوحيد وتعلم أسماء الله وصفاته الحسنى:

تعلم أسماء الله وصفاته وتعلم معانيها وتدبرها مما يقوي إيمان المرء ويصلح قلبه. قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)[139].

وكذلك بتعلم توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية. ثم الإكثار من الأعمال الصالحة وأعمال القلوب وتطهيرها.

المداومة على الصلاة والخشوع فيها:

الصلاة مناجاة بين العبد وربه، وهي وسيلة لتقوية الإيمان وإصلاح القلب. قال تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[140].

ويكفي أنها أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة. وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر. وهي وقت مناجاة العبد لربه. فإن صلحت صلح عمل العبد وإن فسدت فسد. قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)[141].

وقال: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[142].

جهاد النفس وكثرة الطاعات:

جهاد النفس بالطاعات وإجتناب النواهي طريق لإصلاح القلب. قال تعالى: (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[143].

وجاء في الحديث القدسي إن الله تعالى قال: (من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إليِّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مساءته)[144].

التأمل في آيات الله:

من سبل تقوية الإيمان ومعالجة النفاق التأمل في خلق الله وفي آياته الكونية. وتحسس قدرته ومشيئته النافذة في الخلق. فذلك يوقظ قلب المرء ويقوي صلته بالله عز وجل. قال تعالى: (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)[145].

وقال: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)[146]. وقد دعانا الله تعالى إلى هذا التأمل، حتى يزداد إيماننا بالله وبقدرته، وزيادة تقوى الله ومعرفة قدرته.

الاطلاع على كتب الرقاق وأحاديث الآخرة:

الإطلاع على أحاديث الموت والدار الآخرة والجنة والنار يرقق القلوب ويخرجها من النفاق. فإن أشد ما يزيل النفاق ويوقظ القلب من غفلته أحاديث الدار الآخرة وما جاء فيها من تخويف وترغيب. وقد جاءت آيات كثيرة في هذه الشأن تتحدث عن الآخرة والبعث والحساب والجزاء والجنة والنار. منها قوله تعالى: (كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا * وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)[147].

وقوله: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا)[148].

والحديث عن الآخرة يزيد إيمان المرء ويذهب عنه النفاق ويجعله يجد في أمر الآخرة.

مصاحبة الصالحين والأخيار:

الصحبة الصالحة وتخير أصدقاء طيبين جادين في أمر دينهم يساعد على صلاح قلب المرء ويعينه على الأعمال الصالحة. قال : (مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً)[149].

الإطلاع والتأمل في قصص الأمم السابقة:

الإطلاع على قصص الأمم السابقة وما حل بهم فيه عظة وعبرة للناس. قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[150]. ولقد توعد الله من كذب بالرسل منهم بالعذاب. قال: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ * وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوَانُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ)[151]. فتأمل هذه القصص يزيد من إيمان المرء.

تغيير المكان والانتقال إلى بيئة تساعد وتشجع على التوبة:

تغير البيئة والإنتقال إلى مكان يساعده على التوبة. ودليل ذلك ما قال : (كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنسانا، ثم خرج يسأل، فأتى راهبا فسأله فقال له: هل من توبة؟ قال: لا، فقتله، فجعل يسأل، فقال له رجل: ائت قرية كذا وكذا، فأدركه الموت، فناء بصدره نحوها، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأوحى الله إلى هذه أن تقربي، وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي، وقال: قيسوا ما بينهما، فوجد إلى هذه أقرب بشبر، فغفر له)[152].

الخلوة بالله ومناجاته

لطالما كانت الخلوة بالله أنس الصالحين والعُبَّاد وفسحة المشتاقين والعارفين بالله. ولطالما كان أواخر الليل موعد المحبين لمناجاة حبيبهم والتمتع بالحديث إليه ودعائه واستحضار وجوده. وطريق لمعرفة الله وخشيته ومحبته. ولا شك أن تقوية الصلة بالله هي أقوى علاج لكل أنواع النفاق. وروى جبير بن مطعم عن النبي قال: (ينزل الله في كل ليلة إلى سماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ حتى يطلع الفجر)[153].

ولكم يرى الإنسان من بركات هذه الخلوات في إيمانه وفي علاقته بربه ما يرى. وفيها يرى المناجين انفساح الطرق وسهولة الإنطلاق في سبل السالكين إلى طريق المعرفة بالله وجنة محبته. وقيل عن الخلوة بالله: “بها تأنس الأرواح وتزول الهموم وتنزاح، ومعها تطمئن القلوب وترتاح، وفيها تُضَمَّدُ الجراح”[154].

ترك الانجراف وراء الإعلام وحب الشهرة والظهور:

حب الشهرة من أكثر ما يجر المرء إلى براثن الرياء والنفاق. ولذا كان تركه أفضل للإنسان. قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)[155]. قال : (من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)[156].

مراقبة الله عز وجل واستحضار معيته:

مراقبة الله عز وجل كفيلة بأن ترفع الإنسان إلى أعلى مراتب الإيمان والإحسان. قال عندما سئل عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[157]. وقال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[158]. فتذكر المرء أن الله يراه ويسمعه تجعله يخجل من معصيته ويرتاح لمعيته ويتهيأ لطاعته.

عدم طاعة الكافرين والمنافقين والبعد عنهم:

عدم طاعة الكفار والبعد عن مداهنتهم وتملقهم وكذا البعد عن بيئتهم. ولقد نهانا الله تعالى من موالاة الكفار واتخاذهم أولياء في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[159].

بل وحتى نهى عن موالاة الأقارب بالدم إذا اختاروا الكفر على الإيمان. فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ)[160].

وقال: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[161].

فبعد كل هذا التحذير والوعيد، ما بال المسلمون اليوم يتجاهلون هذه التعاليم الربانية ويقدمون إرضاء الكفرة على رضاء الله في مشارق الأرض ومغاربها.

التوبة والاستغفار:

والإكثار من التوبة والاستغفار. فكثيراً ما يشوب قلب المؤمن غبار من النفاق وحب الدنيا. لذا عليه بالتوبة والاستغفار. فالمداومة عليهما كفيلان بتطهير القلب وتصفيته لله حتى وإن أسرف المرء وفعل ما فعل من الذنوب. قال تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا)[162].

وصية أخيرة

أوصي نفسي وإياكم بإخلاص النية لله، وتعهد الإيمان وإستقراره في القلب. وكذلك التوبة والإستغفار والإكثار من الأعمال الصالحة. والدعاء ثم الدعاء ثم الدعاء. فهو حبل النجاة. ومن استعان بالله أعانه، ومن طلب منه الهداية هداه، ومن توكل عليه فهو حسبه، إن الله بالغ أمره. وما الدنيا إلا أيام وتعدي بسرعة البرق. والفائز من أخلص فيها، وعمل وسعى، وجد واجتهد، وصدَّق بوعد الله ووعيده، وتاب قبل الموت توبة نصوحة، ومات على ملة الإسلام غير مشرك بالله. نسأل الله الإخلاص والقبول وحسن الخاتمة لنا جميعاً، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.