اقرأ أيضا:
ولم يتطور الوضع في بلدنا هذا وفي بعض المؤسسات دون الأخرى إلا بعد أن استبدلت السبورة البيضاء البراقة بالسوداء الداكنة والقلم (الفوثر) الأسود بالطباشير. وبعدما أضيفت أجهزة محتشمة تعمل على عكس الصورة من جهاز الكمبيوتر على الشاشة النسيجية المعلقة على الجدار…وهذه نعمة محدودة في حد ذاتها لا يمكن نكرانها. ومع هذا بقيت نكهة الطباشير مع السبورة السوداء هي المفضلة والأكثر جاذبية وإثارة للانتباه والمتابعة لدى كثير من المدرسين والمتمدرسين،نظرا لما تفرضه من حركة وصوت احتكاك يوقظ الوسنان وينبه الغافلين.
ومن العيب كل العيب أن يُنتقد الأساتذة المشاركون في هذه العملية وتستنقص أعمالهم من خلال رؤى مزاجية وافتراضية وهمية لا تمت إلى الواقع والميدان بصلة،كما أنها تبقى خارج الحرم الجامعي ومقتضياته ومتطلباته، تماما كما فعل البعض ممن انبروا لتقييم الحصيلة قبل النظر في الوسيلة، وإسقاط الرؤية عوض الاندماج في الركب وملاحظة المجهودات والمكتسبات وما تم وما هو آت.بل منهم من افترض من الأستاذ أن يبتسم عنوة لإرضاء السبورة من غير طلبة، حتى سيبدو،إن فعل، وكأنه مجنون،أو جانكيشوط في محاربة الطواحين.على اعتبار أن الابتسامة قد تدخل في المقتضيات البيداغوجية والتواصلية…
فالظرف قد كان طارئا واستعجاليا وجديدا، تقنيا وفنيا ونفسيا تربويا وزمانيا ومكانيا.ومع هذا فقد أدى السادة الأساتذة الفضلاء، مصابيح البلد، ما كان يجب عليهم.كل أدلى بدلوه واجتهد باجتهاده وتفاعل بتفاعله واحترز باحترازه ودقق بتدقيقه وتنفس بنفسه وأشار بإشارته وحدق بحدقته.فكانت النتيجة ولا بد إيجابية، والخطاب بالتأكيد قد وصل، والمعنى قد ترسخ، والمغلق قد فتح،والعسير قد يسر،والمشكل قد حل. وبذلك كانوا أبطال المرحلة بامتياز !!!
لكن كل هذا المكتسب كان من الممكن أن يكون مضاعفا لو أن!
هذه “اللولويات” قد كنت دائما بصفتي أستاذا مدرسا أقترح بعضها من قبل وأتمنى لو تبادر الوزارة الوصية لتفعيلها، ولو حلقة في الأسبوع عبر المدرجات، من باب تقريب الجامعة من المحيط العام وإثارة الاهتمام بالأستاذ الجامعي وخصوصيته المعرفية والتحصيلية والمنهجية،والذي قد كان من المفروض أن يصبح هو الموجِّه لا الموجَّه وهو المؤطِّر لا المؤطَّر،وهو الفاعل لا المنفعل أو المفعَّل.
ولكن بما أنه قد بقي على الهامش قسرا فقد تحول إلى متصنع ومحاول وباحث عن موقعه لا عن واقعه.حتى ابتسامته وحركته عند الإلقاء قد غلب عليها في كثير من الأحيان طابع التكلف ومحاولة إرضاء الجمهور ونيل إعجابهم، كأنه ممثل أو مسرحي لا يسعى سوى للإثارة.وهذا ما قد يؤثر على إلقائه وآفاق تلقينه بشكل أو بآخر.
ولربما قد كان التواصل السمعي أكثر إفادة من ذاك البصري المتحرك،وذلك لما له من إيحاءات تجعل الطالب يتفاعل مع الموضوع بتركيز أكبر، وفي بعض المواد القابلة لأن تكون سمعية أو قراءة حرفية أكثر منها بيانية ورسمية. وهذا ما لاحظته من خلال اتصالي الخاص بطلبتي الأعزاء، إما عبر الموقع الرسمي الذي خصصته الوزارة بسائر الجامعات وإما عن طريق استحداث مجموعات من طرف الطلبة عبر تقنية الواتساب، والتي قد كان فيها التفاعل جيدا جدا والاستجابة فيه آنية وبسرعة. حتى إن بعض الطلبة قد كانوا يسألون عن جزيئات المواضيع ثم يعاد شرحها مرات متعددة. بل إن الكثير منهم قد أبدوا ارتياحهم نحو العملية. خاصة وأن الدروس قد كانت صوتية ومعززة ببيانات مرسومة على برنامج “الباور بونت“. حيث يوظف الطالب مجهودين في آن واحد. الأول عبر السماع والتركيز حفظا وفهما،والثاني عبر حل ألغاز الرسم البياني الموافق والملخص والمرمز لما يسمعه، فتكون النتيجة مفرحة وإيجابية مائة بالمائة !.
هذا بالنسبة إلى لطلبة، أما بالنسبة إلى لأستاذ فهي أيضا قد تكون إيجابية إلى حد ما، بل قد تجعل منه، وكتجربة شخصية،أكثر تفننا واجتهادا في شرح المادة والتوسع في تفريع أبوابها ومضامينها، من غير تكلف ولا تصنع ولا توهم لملاحظة الطالب لشكله أو لبسه وأساريره.
تلكم هي بعض الانطباعات الشخصية حول تجربة التعليم الجامعي عن بعد، قد أكون موفقا أو غير ذلك، وقد كانت مجرد تجربة لها ما لها وعليها ما عليها، ولكنها حركت حماسا والتماسا واقتباسا وأثارت التباسا، مما يستدعي مراجعة شاملة وإعادة تقييم لمناهج التدريس وتطويره، مع الاعتراف بأنه هو الأساس والعمدة في كل نهضة ومرحلة سواء كانت منتجة أم حرجة.والله الموفق للصواب.
المواد المنشورة في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي إسلام أون لاين